في لبنان، لا يقتصر العدوان الإسرائيلي على القصف والقتل فقط، بل يتسلّل بصمت إلى تفاصيل الحياة اليومية، ويُمعن في تعكير أبسط حقوق الناس. لطالما كانت الحرب سببًا في شلل الاقتصاد والمطاعم والمؤسسات، لكنّ إسرائيل لا تكتفي بتجميد الدورة الاقتصادية فحسب؛ بل تسعى إلى شلّ الإنسان نفسه، في راحته، في خصوصيته، وحتى في اختياره أن يعيش لحظة هدوء على شاطئ بلاده.
ها هو الصيف يطرق الأبواب، واللبنانيون، رغم الجراح، يبحثون عن فسحة حياة. النساء تحديدًا، اللواتي يجدن في “المسابح الشرعية” مساحة من الراحة النفسية والجسدية، بات عليهنّ اليوم أن يقلقن حتى وهنّ خلف الجدران العالية.
هذه المسابح، التي أُنشئت لضمان الخصوصية التامة للنساء المحجّبات، ولتكون بديلاً يحترم خياراتهن، تحوّلت فجأة إلى مناطق مراقبة حربية مفتوحة.
السماء اللبنانية، من الجنوب حتى العاصمة، صارت ملكًا لطائرات التجسس الإسرائيليّة، التي لا تكتفي بتحليقها الاستفزازي، بل تسجّل وتُصوّر وتُخزّن مشاهد النساء في لحظاتهنّ الخاصة. مشاهد ليست للنشر، ولا للحرب، بل تُشكّل جريمة أخلاقية تمسّ بكرامة الإنسان وحقه الطبيعي.
لا مبالغة في القول إنّ النساء أصبحن في حالة رعب يومي. بعضهنّ ارتدين “البوركيني” كدرع نفسي، لا ديني فقط. درع من عدسة العدو، ومن فكرة أن خصوصيتهن قد تُخزّن في ملف ما، على حاسوب عسكري ما، في غرفة تحكم على بعد أميال.
والبعض الآخر، رفضن الذهاب كليًا، معتبرات أن لا راحة ممكنة في ظل عيون تراقب من فوق، وأن البحر لم يعد حرًّا كما اعتدناه.
هنا، لا نتحدث عن ترف أو كماليات. بل عن حقّ بسيط في الاستجمام، في السباحة، في التنفّس. عن نساء دفعن ثمن الحرب بكل أشكالها، والآن يُطلب منهنّ أن يدفعن أيضًا ثمن الخصوصية المسلوبة.
وفي ظل هذا الانتهاك الصارخ لخصوصيّة النساء وحقّهن في الاستجمام الآمن، يبرز سؤال مشروع لا يمكن تجاهله: أين هي الجمعيّات النسويّة من كلّ ما يحدث؟ أين الأصوات التي لطالما نادت بحقوق المرأة وكرامتها وحرّيتها؟
إنّ صمت هذه الجمعيات أمام تجسّس ممنهج على النساء في أماكن يُفترض أن تكون مغلقة وخاصة، ليس مجرّد تقصير، بل تواطؤ بالصمت.
فهل تُقاس كرامة المرأة بلباسها؟ وهل تُصنّف الحقوق بحسب هوية المستفيدات منها؟
ننتظر موقفًا واضحًا، لا بيانات فضفاضة ولا حملات موسميّة.
لأنّ المرأة التي تُستهدف من الجو، ويُخترق حياؤها وعدسة العدو فوقها، هي أيضًا امرأة تستحق الحماية، الصوت، والتحرّك… لا الإهمال.
مكاريو٢١ مارسيل راشد