لافتات على طريق المطار… وشكوك في النوايا

في بلدٍ يفيض بالتجاذبات السياسية والهواجس الوجودية، لم تعد الشعارات مجرّد كلماتٍ تزيّن الطرقات، بل تحوّلت إلى أدوات مشحونة بالرسائل المبطّنة، والأسئلة المُعلّقة. من حملة “لبنان لا يريد الحرب” التي تبنّاها مناصرو أحزاب معيّنة دون أن يُعرف مَن أطلقها فعلياً، وصولاً إلى حملة “عهد جديد للبنان” التي ظهرت فجأة على طريق المطار، يبقى القاسم المشترك هو الغموض المريب في الجهة المُطلِقة، والرسائل المتعددة المعاني.

السؤال المشروع: من وراء هذه الحملات؟ ومن يقرر لغة الشارع العام؟

حملة “لبنان لا يريد الحرب” بدت في ظاهرها دعوة للسلام، لكن التوقيت والسياق السياسي حمّلاها تفسيرات كثيرة. تبنّاها فريق سياسي معروف، ربما بحُسن نية، أو بدافع الانتماء إلى المعنى الظاهر، لكن دون أن يعلم ما إذا كانت الجهة المُطلِقة تشاركه فعلًا ذات الرؤية، أم أنها تخاطب جهة أخرى تمامًا.

واليوم، نواجه حملة جديدة بعنوان “عهد جديد للبنان”، رُفعت على طريق المطار، المكان الأكثر حساسية رمزيًا في البلاد. الشعار بحدّ ذاته قابل للتأويل: هل المقصود عهد بناء دولة حديثة وحقيقية؟ أم هو تلميح إلى انتهاء عهد السيادة والانفتاح لصالح مسار آخر يُشبه الاحتلال المقنّع؟ وهل هو إيحاء بإلغاء فئة من اللبنانيين أو تطبيع واقع لا يُعبّر عن كل المكوّنات الوطنية؟

هذا الشعار، رغم أنه لا يحمل صورة لزعيم أو حزب، لا يبدو جامعًا ولا مطمئنًا. طريق المطار كان يمكن أن يُزيّن بعبارات تعبّر عن كرم الضيافة اللبنانية، أو التنوّع الثقافي، أو حتى دعوة للاستثمار والإعمار، لا بشعار مُلغّم يُثير انقسامًا بدلًا من أن يعكس وجه لبنان الحقيقي.

ما يثير القلق أكثر هو أن مثل هذه الحملات تُنشر بلا توقيع. لا جهة رسمية تتبنّاها، ولا مؤسسة إعلامية أو مدنية تعلن وقوفها خلفها. هي حملات “مجهولة المصدر، واضحة الأثر”، وتكمن خطورتها في قدرتها على اختراق الوعي العام دون أن يتحمّل أحد مسؤولية ما قد تُثيره من انقسام أو ردود فعل.

لبنان لا يحتاج إلى شعارات لا تحمل مضمونًا جامعًا. ما نحتاجه فعلًا هو وعيٌ سياسي يُدرك أن الحرب لا تُمنع بلا عدالة، وأن العهد الجديد لا يُبنى بشعار، بل بإرادة جامعة، ودولة تُشبه كل أبنائها.

في النهاية، ليست المسألة في رفع شعار أو إسقاطه، بل في طرح السؤال الجوهري: من يحق له أن يتحدث باسم اللبنانيين؟ ومن يقرر أي عهد نريد؟

مكاريو٢١ مارسيل راشد

شاهد أيضاً

أورتاغوس تروج للأكاذيب وتبرر العدوان الإسرائيلي على لبنان

مرة جديدة، يخرج صوت أميركي منحاز للعدو الإسرائيلي ليبرر المجازر بحق اللبنانيين، وهذه المرة عبر …