منذ أن تولى بنيامين نتنياهو رئاسة الحكومة الإسرائيلية، أصبح العالم على دراية تامة بأسلوبه القائم على الاستهتار بالقرارات الدولية وتجاهل التفاهمات التي تم التوصل إليها عبر طاولات المفاوضات.
رغم جميع الاتفاقات والقرارات الأممية التي طالما أكدت على ضرورة احترام حقوق الإنسان وحماية المدنيين، يبقى نتنياهو في موقع منتهك لكل هذه المبادئ، متجاوزًا كافة المواثيق الدولية التي تقف أمامه كحاجز أخلاقي، لكنه لا يعبأ بها.
اليوم، في 27 نوفمبر 2024، دخل الاتفاق بين لبنان وإسرائيل حيز التنفيذ، وهو خطوة مهمة نحو تحقيق السلام الدائم، وفقًا للقرارات الدولية، وكان من المفترض أن تشهد المنطقة توقفًا للأعمال العدائية.
لكن في ذات اليوم، انتشرت الأخبار عن مقتل ستة مدنيين لبنانيين في الجنوب واعتقال أربعة آخرين، إضافة إلى إصابة عدد من الصحفيين إصابات مباشرة أثناء تغطيتهم للأحداث. هذه الانتهاكات لا تمثل خرقًا فقط للتفاهمات الأخيرة، بل هي أيضًا استمرارية لسياسة إسرائيل في قتل المدنيين واستهداف الصحفيين، وهو ما يشكل انتهاكًا فاضحًا للمواثيق الدولية المتعلقة بحماية المدنيين والصحافة.
ليس هذا فحسب، بل إن إسرائيل قد تعهدت بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي يهدف إلى ضمان أمن المنطقة وحماية المدنيين، ولكن نتنياهو وحكومته تواصلان القصف والقتل، في ظل دعم أمريكي غير مشروط، حيث يجد الرئيس الأمريكي جو بايدن نفسه في موقف المتفرج، رغم علمه التام بتورط إسرائيل في ممارسات قتل الأطفال والمدنيين في غزة ولبنان.
لقد جدد بايدن دعمه المطلق لنتنياهو، متجاهلاً الفظائع التي ترتكبها قوات الاحتلال، ومدفوعًا في بعض الأحيان بمصالح سياسية واستراتيجية في المنطقة، بما في ذلك التفاوض مع إسرائيل على اتفاقات بشأن «ردع» حزب الله. ولكن ما هو لافت في هذا السياق هو أن إسرائيل، التي لطالما تفاخر جيشها بقوته، لم يعد قادرًا على تحمل ضربات حزب الله، فأصبحت مضطرة للجوء إلى أمريكا وفرنسا، لتأمين “سلام مزيف” واستمرار الاحتلال.
في هذا السياق، تم التوصل إلى تفاهمات جديدة تحت إشراف الولايات المتحدة وفرنسا، والتي كان من المفترض أن تؤدي إلى تهدئة الأوضاع بين لبنان وإسرائيل. لكن على أرض الواقع، تمثل هذه التفاهمات مجرد ورقة جديدة في يد الاحتلال، الذي يواصل خرق الاتفاقات ويتجاهل حقوق المدنيين في الجنوب اللبناني. وعليه، فإن إسرائيل لا تلتزم بتعهداتها، بل تواصل فرض سياسة القتل والترهيب، متحدية كل من القرارات الدولية والتفاهمات التي رعتها القوى الكبرى.
في خطوة إضافية من هذه السياسات العدوانية، أصدرت إسرائيل تحذيرات جديدة تضمنت منع اللبنانيين من التوجه إلى جنوب لبنان بعد الساعة الخامسة مساءً من يوم 27 نوفمبر، في خطوة غير قانونية وتتناقض مع الاتفاقات الدولية. هذا التحذير يحظر على اللبنانيين التنقل جنوب نهر الليطاني ويهددهم بالخطر إذا حاولوا العودة إلى منازلهم أو زيارة مناطقهم، في وقت كانت فيه المنطقة قد دخلت فيه مرحلة وقف إطلاق النار، وكان من المتوقع أن يبدأ الاحتلال في الانسحاب تدريجيًا كما نص عليه الاتفاق. إن فرض قيود على التنقل بهذه الطريقة يتعارض بشكل واضح مع التزامات إسرائيل بموجب القرارات الدولية، ويُعد خرقًا جديدًا يعكس الاستمرار في سياسة القمع والتهديد بحق المواطنين اللبنانيين.
ما يحدث اليوم يثبت أن الاحتلال الإسرائيلي لا يزال يتصرف على أنه فوق القانون، يتجاهل التزامات السلام، ويمارس سياسات القمع والتقتيل، متعمدًا قتل الأبرياء واستهداف الصحفيين، في تحدٍ صارخ للحقوق الإنسانية. حتى عندما يظهر المجتمع الدولي استعداده للتفاوض، تبقى إسرائيل على موقفها العدواني، غير مكترثة بالشرعية الدولية أو بتضحيات الأبرياء في غزة ولبنان.
إن هذا الاحتلال الذي يواصل تحديه للقرارات الدولية ويلجأ إلى أساليب القمع والتضييق على المدنيين، لن يستطيع فرض سلام مزيف أو قبول من المجتمع الدولي.
الشعب اللبناني سيظل يقاوم هذا الاحتلال بكل الطرق الممكنة، وسيدافع عن حقوقه في العيش بسلام وأمان في وطنه. كما أن العالم يجب أن يدرك اليوم أن دعم نتنياهو من قبل إدارة بايدن قد ساهم في تمكين هذا العدوان من التمادي بأجرامه..
إذا عاد حزب الله لمواجهة عدوان جيش الاحتلال، سيجد من يسارع لوصمه بالإرهاب، في حين أن الإرهاب الحقيقي هو ما تمارسه إسرائيل من قتل للمدنيين واستهداف للأبرياء بلا رادع. لكن على العالم أن يدرك جيدًا، أنه إذا استمرت إسرائيل في انتهاكاتها واستغلت الفرصة لفرض هيمنتها على لبنان، فإن المقاومة ستتصدى لها بكل ما أوتيت من قوة، بصرف النظر عن اتهامات العالم الصامت. هذا حق مشروع في الدفاع عن الأرض والشعب، ولن يُثني إرادة اللبنانيين أي اتهام، فهذه أرضنا وكرامتنا، وسنحميها مهما كانت العواقب.
خاص مكاريو٢١ مارسيل راشد