جويل عبدالعال – صحفيّة وناشطة في قضايا الشباب وحقوق النساء والفتيات
أقف كما العديد من النساء والفتيات في “السوبرماركت” أمام رفوف الفوط الصحيّة، وأتنقل من رقم إلى آخر، وعقلي بصورة تلقائية يحتسب العبء المادي للدورة الشهرية على عائلة تتألف من ثلاثة بنات. كثيرا ما تبادلت الابتسامات الساخرة حول أسعار الفوط مع نساء كأنها إشارة دعم وتضامن وسط كلّ اختلالات الوضع اللبناني وفشل الحكومة والسلطات المعنيّة في سنّ قوانين ووضع اليات حمائية للنساء في كلّ الأوقات لا سيّما في خضم الازمات والكوارث.
لقد أخبرتني احدى العاملات المنزليات يوما أنها لم تكن قادرة على استخدام الفوط الصحية فكانت اما تلجأ للأقمشة أو للمناديل الورقية أثناء دورتها الشهرية، حال الكثير اللواتي كنا يسكنّ معها في ذات الشقّة. هذا وتتابع “سيينا” اسم مستعار حديثها لتخبرني عن معاناتها أثناء الدورة الشهرية بحيث لم تكن تشعر بأمان نتيجة غياب مرافق صحيّة او انقطاع المياه لحيث لا تتمكن من الاهتمام بنظافتها، بحيث أصيبت مرات عدّة بأمراض نسائية وفطريات هذا دون التحدث عن الاكتئاب والقلق التي كانت تمرّ بهما. اذا، لا بدّ أن فقر الدورة الشهرية في لبنان ليس وليد اليوم، فماذا لو طرحنا سؤال حول كيف تتوفر الفوط الصحيّة للنساء في السجون وكم عدد المدارس التي تراعي في مرافقها الصحية حقوق الفتيات في توفر النظافة والسلامة اللازمة لهن.
“المشكلة انه في الأوقات التي لم يكن فيها أزمات، أجساد النساء والفتيات وحقوقهن لم تكن أولوية فكيف اذا كنا نتحدّث عن حقوقنا في وسط الازمات الاقتصادية!” هكذا استهلّت الناشطة النسويّة وعضوة مؤسسة ومديرة البرامج في جمعية FE-MALE حياة مرشاد حديثها، معتبرة انه بالنسبة للحكومات اللبنانية حقوق النساء والفتيات وخاصة الجنسية والانجابية لا تزال تعتبر “تابو” في مجتمعاتنا موضوعة على الرفوف. لقد عملت منظمة FE-MALE بالشراكة مع بلان انترناشونال منذ بداية تدهور قدرة النساء الشرائية وصعوبة الوصول الى مستلزمات الدورة الشهرية على إطلاق حملة #نشفتولنا_دمنا والتي قسمت الى شقّين، الشقّ الأول والذي احتوى على دراسة وطنية والتي كانت الأولى من نوعها بحيث كانت قائمة على حقائق، والتي عمدت الى كسر “التابو” و”الستيغما” حول الدورة الشهرية. أمّا الشقّ الثاني فقد كان لوضع أصحاب القرار امام مسؤولياتهم، بحيث انّه في 27 أيار 2022 تم عقد طاولة مناصرة مستديرة تنظيم جمعية فيمايل ومنظمة بلان انترناشونال في لبنان والتي استهدفت المؤسسات الرسمية والوزارات المعنية، سفارات، جهات مانحة ومنظمات محلية ودولية وهدفت لإيجاد حلول مستدامة لمشكلة فقر الدورة الشهرية في لبنان.
لقد عبّر 76.5% من النساء والفتيات في لبنان عن صعوبة الوصول الى مستلزمات الدورة الشهرية و87.9% غيّرن سلوكهن الشرائي لمنتجات الدورة الشهريّة بسبب ارتفاع الأسعار، وذلك بحسب الدراسات الأخيرة التي كانت منظمة فيمايل بالشراكة مع بلان انترناشونال نشرتها في العام 2021، ومع تفاقم الازمة الاقتصاديّة لا بدّ انّ هذا الأرقام تفاقمت. ترى الناشطة النسوية حياة مرشاد، بناء على العمل الميداني الذي جرى خلال حملة #نشفتولنا_دمنا انّ صعوبة وصول النساء والفتيات لمستلزمات الدورة الشهرية قد تفاقمت، بحيث اليوم بات يردهن اتصالات من نساء ليست فقيرة بل أيضا من الطبقة المتوسطة التي تبدّلت أولويّاتها وما عادت قادرة على تأمين حاجاتها “بحيث انّه بات يردنا الكثير من الرسائل والاتصالات للمساعدة في تأمين الفوط الصحيّة للدورة الشهرية”.
لقد شهد لبنان العديد من الحملات الاغاثية التي جاءت على اثر رفع الدعم على مستلزمات الدورة الشهرية بحيث عملت جمعية النجدة الاجتماعية في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، على توزيع المستلزمات الشهريّة للنساء الفلسطينيات، منذ أواخر آب/ أغسطس 2021 ولا تزال الحملة مستمرة، استجابة للظروف الاقتصاديّة والمعيشيّة التي يشهدها لبنان. ولم تنحصر هذه المبادرات فقط بجمعيات المجتمع المدني بل أيضا بمبادرات فردية ومنها التي عملت عليها الناشطة الاجتماعية والصحفية ناهلة سلامة، بحيث بدات بحملتها في تامين مستلزمات الدورة الشهرية نتيجة التنمر والنكات الذكورية التي شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي بعد اعلان رفع الدعم بحيث استسهل البعض لجوء النساء والفتيات الى استخدام أساليب قديمة؛ كالقماش، والجرائد… وغيرها، بدون أن يعلموا تداعيات هذه الاستخدامات وما هي انعكاساتها الصحية الجسدية والنفسية على النساء، فعمدت سلامة الى جمع التبرعات وتوزيع الفوط الصحية على النساء والفتيات في مناطق لبنانية عديدة الى جانب التوعية حول الدورة الشهرية وتأثيرات فقر الدورة الشهرية على النساء.
ليس استسهال موضوع الدورة الشهرية وحذفه من الأولوية الا نتيجة لنقص الوعي والثقافة حول حقوق النساء والفتيات الجنسية والانجابية، بحيث ان معظمنا يتلقّى معلومات مغلوطة حول الدورة الشهرية، ويخجل الحديث عنها، ولا يجرؤ معظمنا الحديث او السؤال عن الصحة الجنسية والانجابية. لقد جاءت هذه الازمة وفقر الدورة الشهريّة لتسهم في نشر الكثير من المفاهيم والمصطلحات الجديدة عند الرأي العام وتضيء على الازمة، ولكن يبقى السؤال متّى سيصيح لدينا حل جذري واضح لحماية النساء والفتيات من انتهاك كراماتهن وتهديد وانتهاك حقوقهن الإنجابية والجنسية؟