في وقت تزداد فيه تعقيدات المشهد اللبناني، داخليًا وخارجيًا، برز لقاء رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع مع الموفدة الخاصة الأميركية لشؤون لبنان مورغان أورتاغوس، في منزله في معراب، كإشارة جديدة إلى حجم الفوضى في تمثيل الدولة اللبنانية أمام الخارج.
جعجع، وفي بيان صدر عقب اللقاء، شدّد على أن “نزع السلاح غير الشرعي هو مطلب لبناني أساسي”، معتبرًا أنه “الطريق الوحيد نحو دولة فعالة”، ودعا إلى تنفيذ القرار الدولي 1701 بكامل مندرجاته، بما يشمل بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، ونزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، وضبط الحدود مع سوريا، والسيطرة على المعابر البرية والبحرية والجوية، فضلاً عن استكمال الانسحاب الإسرائيلي من بعض المناطق في الجنوب.
لا شك أن ما قاله جعجع يعكس وجهة نظر جزء من اللبنانيين، لكن السؤال الأهم: بأي صفة يتحدث؟ ومن فوضه لطرح هذه الملفات أمام دبلوماسية أميركية رسمية؟
لبنان، بموجب الدستور والقوانين الدولية، لا يملك سوى سلطة رسمية واحدة مخوّلة التفاوض وتمثيل الدولة: الحكومة اللبنانية، من خلال رئيسها ووزيري الخارجية والدفاع، وبتنسيق مع رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش. أما أن يتحوّل رؤساء الأحزاب إلى بدائل دبلوماسية، فهذا تكريس لمفهوم الدولة الموازية، وخطوة إضافية في مسار تهميش المؤسسات الشرعية.
الولايات المتحدة، التي ترفع شعار دعم “الدولة اللبنانية”، تقع في تناقض واضح عندما تتعامل مع أحزاب على حساب الدولة. فأن تستقبل موفدة رسمية أميركية جعجع في منزله، وتناقش معه ملفات سيادية بهذا الحجم، هو تجاوز خطير لمبدأ احترام السيادة، وتشجيع ضمني على تهميش الحكومة ومؤسساتها.
اللافت أن جعجع نفسه كان أول من يهاجم أطرافًا لبنانية أخرى بحجّة تجاوز الدولة، لكنّه في هذا اللقاء يُعيد إنتاج الممارسة نفسها التي طالما انتقدها. فحين تصبح قرارات كـ 1701، وضبط الحدود، وسلاح المقاومة، مادة تفاوض في منزل حزبي، تُصبح الدولة اللبنانية مجرد لافتة مهترئة، يتقاذفها الجميع وفق مصالحهم السياسية.
المطلوب من الجميع، محليًا ودوليًا، العودة إلى احترام المؤسسات الرسمية وحدها كمصدر للقرار، وإلزام القوى الخارجية بعدم التعامل مع قوى أمر واقع على حساب الدولة. وإلا، فليعترف الجميع بأننا في جمهورية أحزاب، لا دولة.
مكاريو٢١ مارسيل راشد