لم يعد المشهد داخل الكيان الإسرائيلي يحتمل التجميل أو التلطيف. ما يحصل اليوم هو مواجهة علنية غير مسبوقة بين رأس الهرم السياسي نتنياهو وبين رأس الهرم الأمني رئيس جهاز الشاباك رونين بار.
مواجهة لا تخفي فقط حجم الانقسام، بل تكشف زلزالًا سياسيًا وأمنيًا بدأ يوم السابع من تشرين الأول ولم يتوقف بعد.
في بيان ناري، اتهم مكتب نتنياهو رئيس الشاباك بأنه فقد ثقة الحكومة بأكملها، مؤكدًا أن ذلك لم يكن لأسباب شخصية، بل بسبب ما وصفوه بـ”فشله المهني الحاسم” في أحداث السابع من أكتوبر. لكن الحقيقة الأكثر خطورة تكمن في النفي الغاضب لادعاءات رئيس الشاباك، خاصة حول طلب نتنياهو استخدام الجهاز ضد مواطنين إسرائيليين، وهو ما وصفه البيان بـ”الكذب السافر”.
هل نحن أمام فضيحة مؤسساتية أم لحظة انهيار للتماسك الداخلي الذي طالما تباهت به إسرائيل؟
هذا السؤال لم يعد نظريًا، بل واقعيًا جدًا، خاصة بعد أن توسعت دائرة الاتهامات لتشمل المستشارة القضائية للحكومة، في تلميح واضح أن العدوى وصلت إلى الجهاز القضائي.
المشكلة أن ما يجري ليس صراعًا بين أفراد، بل بين مؤسسات. الشاباك، الجهاز الذي يُفترض أن يعمل في الظل لحماية “أمن الدولة”، بات الآن في قلب العاصفة. والمفارقة أن هذا الصراع يأتي في لحظة حرب شاملة تشنّها إسرائيل على غزة، وفي ظل توترات على كل الجبهات، من الشمال إلى الداخل.
ما يعنيه هذا؟
يعني أن الكيان الذي اعتاد تصدير صورة “الدولة القوية الآمنة” يعاني من تفتت داخلي عميق. من انعدام ثقة داخل القيادة، إلى تمرد غير مسبوق في الجيش، إلى احتجاجات شعبية واسعة، إلى انقسامات أيديولوجية وثقافية تتسع يومًا بعد يوم.
هذه ليست لحظة عابرة. بل لحظة مفصلية قد تُسقط رؤوسًا، وتُعيد تشكيل مراكز القوة داخل إسرائيل… أو تمهد لانهيار داخلي تتسارع وتيرته كلما طال أمد الحرب وازدادت الكلفة السياسية والمعنوية.
قد لا تنهار إسرائيل غدًا. لكن المؤكد أنها لم تعد كما كانت. والشرخ الداخلي بات أعمق من أن يُرمم ببيان أو بخطاب سياسي. إنها بداية النهاية، أو على الأقل، بداية سقوط الهيبة.
مكاريو٢١ مارسيل راشد