الشعب اللبناني فقد الثقة من السياسيين… هل يكون جوزاف عون الرئيس الذي يُحدث التغيير؟

لم يعد لدى الشعب اللبناني أي ثقة بالكلمات التي يسمعها من مسؤولين يتناوبون على المنابر والبرلمانات، بل أصبح ينتظر الأفعال التي تترجم الأقوال إلى واقع ملموس. بعد سنوات طويلة من الأزمات التي ضربت لبنان، لم يعد الشعب يحتمل المزيد من التصريحات المعسولة أو الوعود الكاذبة. من تفجير المرفأ إلى سرقة أموال المودعين، مرورًا بالحرب الأخيرة التي أسفرت عن قتل الأبرياء وتدمير المنازل، وصولًا إلى اتفاق وقف الحرب الذي أتاح لإسرائيل خرقه وسط صمت دولي مشبوه، وزاد الطين بلة منع أهالي الجنوب من العودة إلى ديارهم، وكل ذلك دون محاسبة أو مساءلة. اليوم، اللبنانيون لا يهتمون بما يُقال، بل بما سيتم فعله من أجل تغيير واقعهم المؤلم. الأفعال هي التي تحدد ما إذا كان هناك تغيير حقيقي، أم أن لبنان سيظل أسيرًا للوعود التي لا تُنفذ.

في 9 كانون الثاني 2025 تم انتخاب جوزاف عون رئيسًا للجمهورية اللبنانية بعد فترة طويلة من الشغور الرئاسي. هذا الانتخاب يمثل نقطة تحول في تاريخ لبنان السياسي، حيث يرى العديد من اللبنانيين في عون شخصية قادرة على إعادة الاستقرار للبلاد وإنهاء حالة الانقسام السياسي والطائفي التي تعصف بالبلاد.

في ظل هذا المناخ المشبع بالإحباط والخذلان، برز جوزاف عون كأحد الشخصيات التي يمكن أن تقدم للبنانيين الأمل في التغيير. بصفته قائد الجيش اللبناني، استطاع أن يثبت جدارته في إدارة المؤسسة العسكرية في أوقات عصيبة، وحافظ على الأمن والاستقرار في بلد يعاني من الفوضى السياسية والأمنية. عون جاء ليحمل هموم اللبنانيين بعيدًا عن الحسابات الطائفية، وهو ما جعله يحظى بدعم قطاعات واسعة من الشعب اللبناني الذي يئس من الطبقة السياسية الحاكمة. شخصيته المستقلة والمبنية على النزاهة والشفافية جعلته نموذجًا يمكن للبنانيين الوثوق به في مرحلة تحتاج إلى قادة يتحلون بالقوة والإرادة.

قد يكون انتخاب جوزاف عون بمثابة استعادة للبنان مكانته الدولية، حيث يُنظر إليه كزعيم قادر على إعادة الاستقرار إلى البلاد. وهذا يمكن أن يفتح الباب أمام دعم اقتصادي خارجي، لا سيما من الدول الخليجية والغربية التي تنتظر خطوات ملموسة نحو الإصلاح.

ما يحتاجه لبنان اليوم هو إصلاح شامل في جميع مؤسساته، وخاصة في قطاعات القضاء والمال. جوزاف عون يمثل الشخصية التي يمكنها أن تقود هذا التغيير بعيدًا عن المصالح الشخصية والطائفية، وهي الفرصة التي لطالما افتقدها اللبنانيون.

بفضل تجربته العسكرية، يُتوقع أن يكون للعماد عون دور كبير في ضمان الأمن الداخلي وحماية الحدود من أي تهديدات خارجية، وهو أمر أساسي في وقت يعاني فيه لبنان من تهديدات متعددة سواء من إسرائيل أو الجماعات المسلحة في سوريا.

يُعتبر جوزاف عون شخصية قادرة على جمع اللبنانيين تحت راية واحدة بعيدًا عن الانقسامات الطائفية. إن قدرته على قيادة الجيش في ظل التوترات الداخلية تعكس إمكانياته في تحقيق وحدة وطنية حقيقية تحتاجها البلاد في المرحلة المقبلة.

لكن الطريق أمامه ليس مفروشًا بالورود. لبنان يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، وانهيار المؤسسات، وصراعات طائفية متجذرة. لن تكون الإصلاحات سهلة، خاصة في ظل وجود قوى سياسية تسعى للحفاظ على مصالحها. بالإضافة إلى ذلك، فإن الظروف الإقليمية والدولية قد تضع ضغوطًا إضافية على لبنان وتحد من قدرة الرئيس الجديد على تنفيذ التغيير المنشود.

إن انتخاب جوزاف عون رئيسًا للجمهورية لا يُعتبر مجرد حدث سياسي، بل هو اختبار حقيقي لقدرة لبنان على النهوض من جديد. اليوم، لم يعد هناك مجال للوعود الخاوية؛ الشعب اللبناني ينتظر الأفعال التي تُثبت أن هناك تغييرًا حقيقيًا قادمًا. فهل سيكون جوزاف عون الرئيس الذي يحقق آمال اللبنانيين في غدٍ أفضل؟ الوقت كفيل بالإجابة، لكن المؤكد أن الأمل في التغيير الآن أصبح مرتبطًا بما سيتم فعله، وليس بما يُقال.

مكاريو٢١ مارسيل راشد

شاهد أيضاً

حقوق الإنسان في السياسة الأوروبية.. بين المبادئ والقيم والمصالح السياسية

حقوق الإنسان تُعَدّ من القيم الأساسية التي تتفاخر بها الدول الأوروبية، فهي محور دساتيرها ومؤسساتها …