بقلم هادي عبد العال
التهديد الإسرائيلي على لبنان: وحروب لا تنتهي
منذ نشأة الكيان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية بموجب وعد بلفور، كانت الأطماع السياسية في العقيدة الصهيونية التي تدعو للتوسع وإنشاء “إسرائيل الكبرى” هي الدافع وراء تمادي هذا الكيان في ارتكاب المجازر والانتهاكات.
أصبح هذا الكيان آلة قتل لا تفرق بين مدني، مقاوم، عسكري، صاحب أرض، صحافي، مسعف، منزل، زيتونة، تاريخ أو حضارة أو تراث.
أطماع الكيان بالتوسع جعلت منه جزار لا يأبه لا لقانون إلهي ولا لقانون دولي ولا أخلاقي ولا للمعايير التي من المفروض ان يلتزم بها أي انسان طبيعي. هذه الاطماع الجغرافية جعلت من الكيان الصهيوني الذي يدعي انه دولة الانسان والعدل آلة إجرامية قد ترتكب أكبر مجزرة في التاريخ بحق خمسين ألف فلسطيني وآلاف اللبنانيين، في انتهاك صارخ للاتفاقيات الدولية وقوانين الحرب تحت غطاء “العدل”، “السلام” و”الدفاع عن النفس”.
لم يتوقف هذا الكيان عن انتهاك الاتفاقيات الدولية. ففي مجزرة راح ضحيتها قرابة خمسين ألف مدني فلسطيني، في أكبر جريمة وتطهير عرقي يحدث في التاريخ يكون الكيان الصهيوني قد انتهك اتفاقيات جنيف الأربعة 1949 والبروتوكولات الإضافية 1977 اتفاقية لاهاي 1907 والتي ما زالت سارية المفعول اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية 1993 اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية 1972 كما انتهك قرارات المحكمة الجنائية الدولية والتي لا يعترف بأحكامها وقانون حماية المدنيين في النزاعات المسلحة 2005 وغيرها من الاتفاقيات التي من المفترض ان تضع شروطا إنسانية للسلم والحرب.
عمد الكيان الصهيوني على انتهاك السيادة اللبنانية منذ اول معركة وقعت عام 1948 والتي شاركت فيها الدول العربية آنذاك وأطلق عليها اسم معركة الكرامة لكنها لم تسجل كحرب كبرى. ثم بدأت بعدها تتوالى الاجتياحات الإسرائيلية والحروبات على لبنان وبالأخص على الجنوب اللبناني منذ العام 1967 وما بعده. كل هذه الحروب هي عبارة عن مجازر ارتكبها جيش العدو الإسرائيلي بحق المدنيين والإنسانية بهدف التوسع والاستيطان.
في لمحة تاريخية سريعة عن تاريخ الكيان الدموي بحق الشعب اللبناني والمدنيين وجرائمه بحق الإنسانية لا تتوقف منذ نشأته سنة 1948. فأول مجزرة إنسانية للعدو الإسرائيلي في لبنان كانت في سنة 1948 في مسجد صلحا وهي قرية لبنانية مطلة على بنت جبيل وهي احدى القرى السبع المحتلة حيث جمع الجيش الإسرائيلي الأهالي في مسجد البلدة واداروا وجوههم نحو الحائط ثم أعدموا بإطلاق النار عليهم. مجزرة حولا في العام 1949 التي أعدم فيها جيش العدو 90 مدنيا من الرجال والمسنين. مجزرة حانين 1967 حيث اقتحمت القوات الإسرائيلية القرية بعد حصار لمدة ثلاث أشهر وقتلت السكان بالفؤوس. مجزرة يارين عام 1974 حيث تسللت قوة إسرائيلية باتجاه البلدة ونسفت 19 منزلا وقتلت 9 مواطنين. مجزرة عيترون الأولى عام 1975 كانت إثر انفجار قنبلة موقوتة قتلت 6 أطفال والثانية عام 1989 حيث اعتقلت 3 اخوة وعصبت اعينهم وقتلوا بالرصاص. مجزرة بنت جبيل 1976 عندما قصفت إسرائيل سوق الخميس وقتلت 23 مدنيا وجرح 30 اخرين. مجزرة الاوزاعي عام 1978 قام الطيران الإسرائيلي بقصف 30 وحدة سكنية راح ضحيتها 26 مدنيا وجرح اخرين. مجزرة راشيا عام 1978 قتلت المدفعية الإسرائيلية 15 لبنانيا مدنيا كانوا ملتجئين الى كنيسة البلدة. مجزرة كونين عام 1978 قتلت إسرائيل 29 مواطنا غالبيتهم من الأطفال. مجزرة عدلون عام 1978 قتلت قوة كوماندوس إسرائيلية 20 شخصا من البلدة. مجزرة الخيام عام 1978 قتلت فرقة تابعة للجيش الإسرائيلي أكثر من 100 شخص معظمهم في السبعين من عمرهم. مجزرة العباسية عام 1978 قصف الطيران الإسرائيلي مسجدا في البلدة التجا اليه عدد من العائلات فقتل 112 مواطنا معظمهم من النساء والأطفال. مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982 قتلت القوات الإسرائيلية 800 فلسطينيا من المخيمين إضافة الى عدد من اللبنانيين. مجزرة سحمر عام 1984 حيث أعدم 13 مواطنا في ساحة البلدة وأصيب 12 اخرين. مجزرة إقليم التفاح عام 1985 قتل أكثر من 30 مواطنا وسقط المئات من الجرحى إثر استهداف عدد من قرى الإقليم. مجزرة دير الزهراني عام 1994 ارتكب سلاح الجو الإسرائيلي مجزرة إثر قصفه مبنى من طابقين قاتلا العشرات من قاطنيه. مجزرة النبطية عام 1996 قصف العدو الإسرائيلي منزلا في بلدة النبطية الفوقا وقتل عائلة كاملة تسكنه. مجزرة قانا عام 1996 حيث أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي قذائف من عيار 155 محرمة دوليا على مقر للكتيبة الفيجية التابعة لقوات الأمم المتحدة في بلدة قانا مستهدفة 3 هنغارات لجا اليها أهالي البلدة والمناطق المجاورة لها خلال عملية عناقيد الغضب. ارتقى نتيجة هذه الجريمة 105 اشخاص بينهم 33 طفلا.
هذه المجازر بالإضافة الى المجازر الأخرى التي ارتكبها العدو الاسرائيلي في حرب تموز عام 2006 تظهر الكم الهائل والمخيف للانتهاكات الصهيونية للقانون الدولي الإنساني حيث لم تأخذ يوما بعين الاعتبار طفلا او امرأة او مسنا او مدنيا او حتى القوات العاملة في الامم المتحدة لحفظ السلام.
لم تنتهي اعتداءات الكيان الإسرائيلي في عام 2006 لا بل عاد ليكرر جرائمه بحق المدنيين في لبنان عام 2023 بغض النظر عن كافة الانتهاكات الاخرى التي قام بها خلال الفترة الواقعة ما بين هذين العامين. صرح وزير الصحة اللبناني الدكتور فراس الابيض انه في الفترة الممتدة من 8 أكتوبر 2023 حتى 15 سبتمبر 2024 ارتقى 610 شهداء منهم 38 امرأة و17 طفلا و2056 مصابا. فيما شهدت الفترة من 16 الى 27 سبتمبر 2024 ارتقاء 1030 شهيدا منهم 156 امرأة و87 طفلا و6352 مصابا. ففي 17 و19 سبتمبر فقط تم تفجير ما يقارب 5000 جهاز لاسلكي في إشارة واضحة لمحاولة قتل ما لا يقل عن 5000 شخص بالإضافة الى من يحيطهم من نساء وأطفال ومسنين في جريمة كانت ستكون الاقذر والأكثر دموية في التاريخ. وفي الفترة ما بين 16 سبتمبر و27 سبتمبر أي خلال 12 يوم فقط قتل العدو الإسرائيلي 420 مواطنا بينهم 118 امرأة و70 طفلا بالإضافة الى المسنين وجرح 4296 مواطنا في جريمة تاريخية عظمى في التاريخ اللبناني. متذرعا بعمليات اغتيال قيادات في المقاومة الإسلامية في لبنان غاضا النظر عن بروتوكول 1977 المادة 48 والتي تنص علىꓽ تعمل أطراف النزاع على التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين وبين الاعيان المدنية والاهداف العسكرية ومن ثم توجه عملياتها ضد الأهداف العسكرية دون غيرها وذلك من اجل تامين احترام وحماية السكان المدنيين والاعيان المدنية.
أي ان الاغتيالات في وسط المدنيين والتذرع بالاغتيالات هو انتهاك واضح للقانون الدولي الإنساني. وكانت حصيلة العدوان حتى تاريخ 26 نوفمبر 3961 شهيدا و16520 جريحا بحسب وزارة الصحة. وهذه ليست الحصيلة النهائية بسبب وجود العشرات تحت الركام ووجود شهداء في أماكن لم يسمح العدو بالدخول اليها وانتشال الشهداء.
أما الهجمات الإسرائيلية على المدنيين، فقد استهدفت أيضا المنازل، والسيارات، والمراكز الصحية، وحتى الصحفيين. ففي أثناء العدوان، تم استهداف عدد من الصحفيين بشكل مباشر في عدد من المناطق ما اسفر عن 9 شهداء صحفيين والعديد من الجرحى. كما قد تم استهداف 251 سيارة إسعاف و94 مركزًا صحيًا، فضلًا عن 40 مستشفى، ما أسفر عن استشهاد 222 من العاملين في القطاع الصحي، في انتهاك اكثر من واضح للقانون الدولي الإنساني.
منذ البداية، قدمت الدول الكبرى، خاصة الولايات المتحدة، دعمًا غير محدود لإسرائيل بالأسلحة والطائرات، ما يبرز دورها في تمكين هذه الانتهاكات. رغم إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق المسؤولين الإسرائيليين في 21 نوفمبر 2024، فإن العديد من الدول، مثل الولايات المتحدة وفرنسا، رفضت تنفيذ القرار أو أبدت حيادًا، ما يكشف عن الشراكة في انتهاك القوانين الدولية. بالإضافة لاستخدام واشنطن حق الفيتو المتكرر ضد أي قرار يصب في غير مصلحة إسرائيل، وكان آخرها في ٢٠ نوفمبر 2024 ضد قرار وقف إطلاق النار في غزة. هذا الموقف يعكس تواطؤ هذه الدول في دعم الجرائم الإسرائيلية، ويطرح تساؤلًا حول كيفية ردع هذه الإبادة الجماعية.
منذ قيام الكيان الإسرائيلي في 1948، وهو ينتهك حقوق الفلسطينيين واللبنانيين، ويستمر في اغتصاب الأراضي والتوسع، بهدف إقامة “إسرائيل الكبرى”. وقد ارتكب مجازر بحق الشعب اللبناني في حروب متعددة، أبرزها في 1967، 1978، 1982، 2006، وآخرها في 2023-2024، حيث استخدم أسلحة محرمة دوليًا مثل الفوسفور الأبيض والقنابل العنقودية. ورغم هذا العدوان المستمر، يقف المجتمع الدولي متفرجًا، بل داعمًا لهذا الكيان غير الشرعي.
إذا فالمقاومة اللبنانية حق مشروع في الدفاع عن النفس وفقًا للقوانين الدولية، طالما يقف كل العالم عاجزًا عن اتخاذ إجراءات حقيقية لوقف هذه الجرائم.
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ.