المقاومة بين الاتهام بالاستسلام واللوم على الصمود.. أين يقف دعاة السيادة؟

في ظل الواقع الراهن، حيث تتكشف ملامح الاتفاقيات التي أنهت المعارك الأخيرة، يبدو أن هناك حاجة ملحّة لوقفة تأمل ومراجعة مواقف اللبنانيين أنفسهم. فكيف لشعب نادى يومًا بالحرية والسيادة أن يقبل بما يُشاع عن رضوخ المقاومة واستسلامها، دون أن يطرح أسئلة جوهرية حول ما يجري خلف الكواليس؟

يتردد أن البنود السرية التي جاءت كضمانات أميركية لإسرائيل أخطر من الاتفاق المعلن نفسه. فهي تسمح لإسرائيل بحرية الحركة واستهداف أي تهديد محتمل حسب تعريفها الخاص، وهو ما يتيح لها تدمير المنازل والبنية التحتية وقتل أي شخص تعتبره خطرًا عليها. أليس هذا ضربًا صارخًا لسيادة لبنان التي يدّعي البعض أنهم يدافعون عنها؟

المثير للسخرية أن هؤلاء الذين سموا أنفسهم قياديي الثورة، والذين صدحت أصواتهم يومًا ضد الفساد والظلم، يغضون الطرف الآن عن حقيقة أن البنود السرية هذه تُعَدّ اتفاقية استسلام من نوع آخر. فالاستهدافات الإسرائيلية والخروقات المستمرة تُفسَّر بأنها جزء من اتفاق أميركي-إسرائيلي يضمن لإسرائيل استباحة الأرض اللبنانية وعرقلة أي جهود لإعادة الإعمار أو تمكين الأهالي من العودة إلى قراهم التي دُمِّرت عن عمد.

تخيلوا المواطن الجنوبي، الذي فقد منزله وكل ما يملك، يُمنَع اليوم من العودة ليس فقط لأسباب أمنية بل أيضًا لوجستية. التدمير المتعمد، كما يرى مراقبون، لا يهدف فقط إلى إزالة المعالم العمرانية بل إلى تغيير النسيج الديموغرافي والجغرافي للمناطق الجنوبية، في محاولة لتفريغها من سكانها. كيف لشعب رفع شعار الحرية يومًا أن يقبل بهذا المخطط، أو أن يلوم المقاومة التي اضطرت إلى التعامل مع واقع قاسٍ وظروف دولية وإقليمية ضاغطة؟

إن المقاومة، بقبولها الاتفاق المعلن، وضعت نصب أعينها هدف وقف نزيف الدم وحماية ما تبقى من سيادة لبنان. أما البنود السرية التي أُبرمت بين الارهابيين، نتنياهو وبايدن، فهي شأن آخر لا يتحمل اللبنانيون مسؤوليته.

ويبقى السؤال: كيف لشعب ثار في الساحات ضد الظلم أن يتجاهل الظلم الأكبر المتمثل في محاولات تهجير أهالي الجنوب وفرض شروط إذعان على أرضهم وكرامتهم؟ وكيف لمن نادوا بالسيادة أن يهاجموا المقاومة بدل دعمها، وهم يعلمون أن المعركة ليست فقط مع إسرائيل بل مع من يقفون خلفها من القوى الكبرى؟

في نهاية المطاف، تجد المقاومة نفسها أمام معضلة لا تقل تعقيدًا عن معاركها مع العدو. فمع كل خطوة تتخذها، تواجه اتهامات تتناقض في جوهرها: إذا استمرت في مقاومتها ورفعت وتيرة التصدي، تُتهم بأنها السبب في دمار لبنان وتعطيل مسيرته نحو التعافي. وإذا قبلت باتفاق يوقف القتال ويحفظ السيادة، تُتهم بالخيانة والتخلي عن القضية الفلسطينية.

فماذا تريدون حقًا؟ مقاومة أم لا مقاومة؟ سيادة أم لا سيادة؟

إن كنتم صادقين في دفاعكم عن سيادة لبنان، وهذا إن كنتم تدركون معنى السيادة، فابدأوا أولًا بمهاجمة من ينتهكها فعليًا: إسرائيل. وجّهوا غضبكم إلى خروقاتها المستمرة للاتفاق المعلن بدلًا من مهاجمة المقاومة، التي لم يكن لها يد في البنود السرية التي أُبرمت بين أطراف دولية لا علاقة لها بلبنان أو اللبنانيين.

فلا بايدن ولا ماكرون ولا نتنياهو مخولون بالتفاوض على لبنان أو تقرير مصيره. إنما هم، في خفايا تلك الاتفاقيات، يبحثون عن مصالحهم الخاصة على حساب شعبٍ ما زال يرزح تحت وطأة التهجير والدمار. إن كنتم حقًا معنيين بحماية هذا الوطن، فلتكن مواقفكم موجهة ضد من ينتهك أرضه وحقوق أهله، لا ضد من يبذل دمه في سبيل حمايته.

الحرية والسيادة ليستا شعارات تُرفع حينًا وتُنسى حينًا آخر. على اللبنانيين، بكل مكوناتهم، أن يدركوا أن الوحدة هي السبيل الوحيد للصمود في وجه المخططات التي تستهدف وطنهم، وأن استهداف المقاومة يعني في النهاية استهداف الكيان اللبناني بأسره.

مكاريو٢١ مارسيل راشد

شاهد أيضاً

الاحتلال الإسرائيلي يواصل انتهاك التفاهمات وقتل المدنيين… والمقاومة حق مشروع في وجه العدوان

منذ أن تولى بنيامين نتنياهو رئاسة الحكومة الإسرائيلية، أصبح العالم على دراية تامة بأسلوبه القائم …