كتبت ندى ايوب في جريدة الأخبار:
بعد تأخير دام ثماني سنوات، أُنجزت التشكيلات الدبلوماسية التي قضت بعودة جميع السفراء (44 سفيراً) الذين أنهوا المدة القانونية القصوى للخدمة في الخارج، والمحدّدة بعشر سنوات، علماً أن عدداً كبيراً منهم تخطّى هذه المهلة بكثير، وصولاً إلى 17 عاماً. وشملت التشكيلات نقل 15 سفيراً (فئة أولى) من الإدارة المركزية إلى بعثات دبلوماسية حول العالم.
عوّض وزير الخارجية يوسف رجّي النقص الحادّ في عدد موظفي الفئة الأولى المؤهّلين لتولي رئاسة بعثات في الخارج، عبر ترفيع 35 دبلوماسياً من الفئة الثانية إلى الفئة الأولى، ومنحهم لقب سفير، وترفيع 7 موظفين من الفئة الثالثة (سكرتير) إلى الفئة الثانية (مستشار – مراكز شاغرة)، اعتباراً من تاريخ صدور المرسوم، وتكليفهم بإدارة مراكز شاغرة كرؤساء بعثات بلقب سفير. ونقل اعتماد 4 سفراء من بلد إلى آخر، بعدما تبيّن أن مدة خدمتهم في الخارج لم تتجاوز الحدّ القانوني (عُيّنوا عام 2018).
اللافت أن المرسوم تضمّن اسم سفيرَي لبنان في ليبيا ومصر محمد سكينة وعلي الحلبي، من ضمن السفراء المُفترض عودتهم إلى الإدارة المركزية، في حين لم يرد اسم الدبلوماسييْن اللذين سيحلان محلهما، ما يعني أنّ سكينة والحلبي اللذين أنهيا أكثر من عشر سنوات في الخارج، سيستمران في عملهما بشكل استثنائي.
وفي معلومات «الأخبار» أن «استمرار» الحلبي في منصبه الذي أمضى فيه 12 عاماً ونصف عام، جاء بناءً على مراعاة وزير الخارجية يوسف رجّي، إذ لم يتبقَّ للحلبي سوى نحو عام ونصف عام قبل بلوغه سنّ التقاعد.
أمّا عدم تعيين بديل لسكينة فمردّه إلى رغبة رئيس مجلس النواب نبيه بري بعدم تعيين سفير في ليبيا بسبب توتّر العلاقات بين البلدين نتيجة ملف تغييب الإمام موسى الصدر، علماً أن ليبيا لم تعيّن بدورها سفيراً في بيروت، ما يُضفي على القرار طابع «المعاملة بالمثل».
كذلك عُيّن 6 سفراء من خارج الملاك، سمّى رئيس الحكومة نواف سلام اثنين منهما، هما مديرة مكتبه هند درويش سفيرة للبنان في الأونيسكو، وطارق منيمنة سفيراً في الإمارات، وهو بذلك لم يلبِّ طلبات الأحزاب السياسية. فيما سمّى رئيس الجمهورية جوزيف عون كلاً من مستشاره القانوني ربيع الشاعر سفيراً في فرنسا، وفادي عساف لبعثة لبنان في الفاتيكان.
واعتُمد اسم ندى حمادة سفيرة في واشنطن، وهي مديرة «مؤسسة رينيه معوّض» في الولايات المتحدة، ويتردّد أن اسمها جاء «تقاطعاً بين الأميركيين والقوات اللبنانية والنائب ميشال معوّض».
وفيما لم تضم مسوّدة التشكيلات الدبلوماسية اسماً علوياً، علمت «الأخبار» أن اسم علي الصالح (من الطائفة العلوية) أُضيف في مشاورات الساعة الأخيرة، ليمثّل لبنان في رومانيا.
إجرائياً، تُرسل وزارة الخارجية والمغتربين أسماء الدبلوماسيين إلى الدول المنويّ اعتمادهم لديها لاستمزاج رأيها، ويحق لها عدم الموافقة، ما يستتبع تعديلات معيّنة. أمّا على مستوى الدبلوماسيين أنفسهم، فيحق لهم الاعتراض على التحاقهم بسفارة دون سواها، وعندها يلتحقون بالإدارة المركزية في بيروت ويتمّ تعيين بدلاء عنهم. ومع استبعاد هكذا خيارات، يُفترض أن تتم عمليات التسلّم والتسليم في البعثات في غضون شهرين أو ثلاثة.
التشكيلات الدبلوماسية، كانت محل انتقادٍ من سفراء لبنان في الخارج الذين اعترضوا على إعادتهم جميعاً إلى الإدارة المركزية، لافتين إلى أنّهم تخطّوا هذه المدة القانونية، بحكم الأمر الواقع لا بحكم القانون الذي يفرض أن يتم التمديد للسفير (ممن أتمّ الـ10 سنوات) بقرار يأخذه مجلس الوزراء بناءً على طلب «الخارجية»، ويكون التمديد سنة فسنة.
إلا أنّه نتيجة عدم الانتظام العام، في السنوات الأخيرة، حيث الفترات الأطول كانت فترات حكومات تصريف أعمال، أو فترات فراغ رئاسي، حالت دون إنجاز التشكيلات الدبلوماسية، أو التمديد القانوني للسفراء.
ومن ضمن النقاط التي أثارها معارضو التشكيلات أن دبلوماسيّي الفئة الثانية يجب عودتهم إلى بيروت مع إتمامهم مدة سبع سنوات في الخارج، منتقدين إبقاء «الخارجية» لهم في الخارج لملء الشغور الحاصل. في حين أنّ النظام الداخلي وفق مصادر دبلوماسية، ينصّ على أنّ مجرد منح الدبلوماسي لقب سفير، تلقائياً يكمل عمله في الخارج إلى أن يتمّ عشر سنوات.
أمّا الدبلوماسيون الذين أتمّوا سبع سنوات، ولم يُمنحوا لقب سفير، فـ«ليس من مهام مجلس الوزراء إعادتهم، وليست لهم علاقة بمشروع التشكيلات هذا، بل بتشكيلاتٍ خاصة يُفترض أن يُجريها رجّي في الفترة المقبلة».
السفراء المعترضون على إعادتهم من الخارج، خوفاً من بقائهم لمدة تفوق العامين في الإدارة المركزية، يتقاضون رواتب تفوق الـ10 آلاف دولار، ومعظمهم تخطّوا السنوات العشر مستفيدين من الظروف السياسية، في حين كان زملاؤهم في الإدارة المركزية يتقاضون 300 دولار. وكأنّ تقاسم تبعات الانهيار، وعدم الانتظام العام، يُفترض أن يتحمّلهما جزء من السلك الدبلوماسي دون سواه. ومع صدور مرسوم التشكيلات بات هؤلاء بحكم المُجبرين على العودة.
الصحيح أيضاً أنّ عودة هذا الكمّ الكبير من موظفي الفئة الأولى إلى الإدارة في بيروت، سيخلق واقعاً غير معهود في تاريخ الخارجية، ولا سوابق بالتعامل معه، لجهة تنظيم عملهم الإداري، مثله مثل واقع أن من سيديرون معظم بعثات لبنان في الخارج ليسوا جميعهم من ذوي الخبرة، سيّما أن التشكيلات تتضمن تعيين سبعة موظفين من الفئة الثالثة بعد ترفيعهم.
وهذا ما لا تنكره الأوساط الدبلوماسية، إذ تعترف بأنّ «التشكيلات بشكلها الحالي، ليست مثالية، نتيجة انعدام حصولها لثماني سنوات، ومن غير الممكن معالجة المسار بكل تشعّباته من محاولة التشكيل الأولى، بعد كل التراكمات الناتجة عن التأخير»، مراهنةً على أن «تسمح الظروف لمجلس الوزراء بإنجاز مشاريع التشكيلات الدبلوماسية القادمة في مواقيتها القانونية، ويمكن لذلك أن يزيد من تصويب المسار المتعذّر تصويبه حالياً مئة بالمئة، وهكذا على مراحل تستقيم الأمور شيئاً فشيئاً».
وكان يُفترض أن تحصل التشكيلات بين عامي 2019 و2020، لكنّ انتفاضة تشرين واستقالة حكومة سعد الحريري على وقعها، أطاحتا بالمشروع. بعدهما لم تأخذ حكومة الرئيس حسان دياب أيّ قرارات مهمة على هذا المستوى. وفي أيلول 2021، شكّل الرئيس نجيب ميقاتي حكومة استمرت حتى أيار 2022، كان يُفترض بها إنجاز التشكيلات، لكنها دخلت مرحلة تصريف الأعمال، من أيار 2022، حتى انتخاب الرئيس جوزيف عون، وتشكيل الحكومة الحالية.
نواف تبرّع لجنبلاط بسفارة
في الأصل حصّة الطائفة الدرزية من التمثيل الدبلوماسي هي أربع سفارات، وقنصلية عامة في لاغوس. في تشكيلات عام 2017 أُسندت قنصلية لاغوس إلى دبلوماسي من الطائفة المسيحية، وعوضاً عنها ذهبت سفارة لبنان في اليمن إلى الحصة الدرزية، إلا أن ظروف الحرب في اليمن أدّت إلى إقفال السفارة أبوابها. في التشكيلات الحالية طلب النائب السابق وليد جنبلاط من رئيس الحكومة نواف سلام سفارة بديلة تعويضاً عن سفارة اليمن المقفلة، على أساس أنّ حصة الطائفة أربع سفارات، فـ«وهبه» سلام سفارة إندونيسيا المحسوبة من حصّة السنّة، لتُضاف إلى حصة الدروز المؤلّفة من سفارات: روسيا وتشيلي والهند وبلغاريا.
تبديل طائفي مُتّفق عليه
في تشكيلات عام 2017، سمّت وزارة الخارجية سفيراً شيعياً لتمثيل لبنان في الكويت، وسُرّب حينها أن الكويت لم توافق. جُمّد التعيين، وتوالى على البعثة دبلوماسيون عملوا وفق نظام المهمات، منهم هادي هاشم (مسيحي) وأحمد عرفة (سنّي). لتفادي الأمر، جرى تفاهم في هذه التشكيلات على منح الشيعة رئاسة البعثة في سلطنة عمان (مجدي رمضان)، وإيفاد مسيحي إلى الكويت (غدي الخوري)، ما حتّم إيفاد سنّي إلى إسبانيا التي كانت من الحصة المسيحية، وسيرأس البعثة هناك السفير هاني شميطلي، الذي كان يشغل منصب الأمين العام لوزارة الخارجية، وسيحلّ مكانه في الوزارة السفير عبد الستار عيسى.
الشيعة يخسرون بعثة
فيما كانت حصّة الطائفة الشيعية من البعثات الدبلوماسية تبلغ 16 بعثة، تراجعت في مشروع التشكيلات الحالي إلى 15، بعد تعيين دبلوماسي مسيحي بدلاً من شيعي في كوبا.