منذ أيام، تنشط بعض وسائل الإعلام المحلية والدولية في الترويج لفكرة أن قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفل) يحق لها قانونًا التحرك في الجنوب اللبناني دون مرافقة من الجيش اللبناني، محاولة بذلك تبرئة بعض الخروقات التي تمارسها هذه القوة، لا سيما في القرى الجنوبية التي اكتوت بنيران الاحتلال الإسرائيلي لعقود، وتعرف جيدًا ثمن السيادة.
هذا الترويج الإعلامي ليس مجرد خطأ مهني، بل هو تشويه خطير للنصوص القانونية والقرارات الدولية، وخصوصًا القرار 1701، الذي يُعدّ المرجعية الأساسية لعمل اليونيفل بعد عدوان تموز 2006. فالمادة التي تنظم علاقة اليونيفل بالدولة اللبنانية، وتحديدًا بالجيش، واضحة وضوح الشمس: لا مهمة، لا دورية، لا تسيير، دون تنسيق ومرافقة من الجيش اللبناني.
لقد خرج المواطنون في أكثر من منطقة جنوبية معترضين على تسيير دوريات أجنبية دون حضور رسمي لبناني، وهذه ليست فقط ردة فعل شعبية مشروعة، بل هي حق قانوني وسيادي، خصوصًا عندما تتجاوز هذه الدوريات حدود مهمتها، أو تدخل إلى أراضٍ خاصة أو تتحرك بأسلوب استفزازي تحت مسمّى “المراقبة”.
ما يجري على الأرض اليوم لا يجب أن يُختزل بردّات فعل الغاضبين أو الأهالي، بل يجب أن يُقرأ من زاويتين: أولًا، مسؤولية الأمم المتحدة في ضبط سلوك بعض العناصر وتقييد تحركاتها وفقًا للاتفاق الموقع مع الدولة اللبنانية، وثانيًا، مسؤولية الإعلام والأحزاب في عدم تغليف التجاوزات بغطاء قانوني لا وجود له.
لا يحق لأي وسيلة إعلامية، أو ناشط، أو حزب، أن يبرر أو يروّج لمشاهد دوريات اليونيفل غير المنسقة، على أنها قانونية. فكل ما يُروّج خارج النصوص الرسمية يُعدّ تضليلًا، ويشكّل خرقًا للثقة مع بيئة الجنوب التي لا تنسى دماء الشهداء ولا فصول الاحتلال.
وفي بلد كلبنان، حيث الناس يتشبثون بما تبقى من كرامة وسيادة، فإن احترام القوانين لا يكون بخرقها، ولا بالتلاعب بتفسيرها، بل بالعودة إليها حرفيًا، ومنع أي قوة مهما كانت هويتها من ممارسة “السلطة” على الأرض دون وجه حق.
توثيق قانوني – القرار 1701 (2006):
الفقرة 11 من القرار 1701 تنص حرفيًا على:
“يُطلب من الحكومة اللبنانية وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفل) العمل معاً، وفقاً للاتفاق بين الطرفين، لضمان نشر هذه القوة وتسييرها بالتنسيق مع الجيش اللبناني، وتجنب أي فراغ أمني.”
كما أن الاتفاقية الموقعة بين الأمم المتحدة والدولة اللبنانية تؤكد في ملحقها العملياتي:
“لا يجوز لأي وحدة من اليونيفل أن تقوم بمهامها دون تنسيق مباشر مع قيادة الجيش اللبناني، وذلك لضمان السيادة الكاملة للدولة اللبنانية على أراضيها.”
وبذلك، فإن أي تحرك مستقل لليونيفل لا ترافقه وحدة من الجيش اللبناني يُعدّ خرقًا صريحًا للقرار 1701 وللاتفاق الرسمي بين لبنان والأمم المتحدة، ويحق للمواطنين الاعتراض عليه قانونًا، دون أن يُحمّلوا عبء مسؤولية هم أبرياء منها.
مكاريو٢١ مارسيل راشد