لم تحرّك مصلحة التعليم الخاص في وزارة التربية ساكناً حيال لجوء إدارات المدارس الخاصة إلى فرض “زودات” أو “رسم دعم” بالـ”فريش” دولار قبل إعداد الموازنة. تتذرّع المصلحة بأن ليس لديها وثيقة تستند إليها لتستخدم صلاحياتها التي تبدأ بسحب توقيع المدير، ومن ثم سحب الرخصة، وصولاً إلى إقفال المدرسة، علماً بأن القانون يجيز لها الرقابة على تطبيق كل مواده
على عين وزارة التربية، تتفنّن مافيا المدارس الخاصة في خلق الأبواب لتشليح الناس أموالهم. لعبة مكشوفة للاستمرار في مصّ دماء الأهالي بعناوين مختلفة، وفي هذه الظروف بالذات. «بزنس» لا أكثر ولا أقل. بعد فتح الملف وحجز المقعد الإجباري، والزيّ المدرسي والنقل والقرطاسية والدكانة، اختبأت بعض المدارس «الكبيرة»، هذا العام، خلف عنوان «التبرع» للمدرسة لفرض مبالغ غير قانونية بالـ«فريش دولار» ومن خارج الموازنة المدرسية السنوية، بحجة إنقاذ نوعية التعليم والتهديد بالإقفال. «المصيبة إنو ماسكينا بأغلى شي عنا»، كما تقول والدة لثلاثة تلامذة في «الكوليج بروتستانت». و«المساعدة» في مدرسة أولادها، كما قالت، إلزامية وتوازي 450 دولاراً مقسمة على ثلاث دفعات، وليست دعماً اختيارياً كحال بعض المدارس الأخرى، «أي أننا مجبرون على الخضوع للسرقة والقرصنة ليتعلم أولادنا، يعني سرقة بموافقة منا، والعجيب أن الكل يدفع». وتعزو السبب في ذلك إلى «أننا متروكون لمصيرنا لنكسر راسنا مع المافيا ووزارة التربية تتفرج، وفي أحسن الأحوال تطلب من الأهالي ولجان الأهل تقديم شكاوى إلى مصلحة التعليم الخاص، إلا أن التجارب السابقة على مدى السنوات الماضية لم تكن مشجعة، ولم يعد أيّ منا يؤمن بأن الاعتراض لدى الوزارة يمكن أن يجدي نفعاً، ولا سيما في غياب المجالس التحكيمية التربوية التي تفصل في النزاعات بين إدارات المدارس وأهالي التلامذة. ما يحصل في بعض المدارس هو تكريس لواقع جديد لا تختلف فيه مافيا المدارس عن مافيا «موتير» الحي واشتراك الإنترنت، بحيث تخرق القوانين بصورة فاضحة، وتفرض زيادات على الأقساط ومبالغ مالية بالـ«فريش» دولار قبل إقرار الموازنة، ومن دون العودة إلى لجنة الأهل، ويمر التسعير بالدولار للزيّ المدرسي وغيره من دون حسيب أو رقيب.
مديرة مدرسة «الكوليج بروتستانت»، لينا الخال، قالت لـ«الأخبار» إنه لم يكن ممكناً الحفاظ على المستوى التعليمي نفسه من دون تعاون الأهل مع إدارة المدرسة «وما نطلبه من رسم دعم سيصرف داخل المدرسة وفي خدمة تلامذتنا ولن يذهب إلى جيوبنا». أما معادلة الـ«فريش» دولار ففرضها الواقع الاقتصادي المستجد، فالمدرسة تشتري كل مستلزماتها واحتياجاتها بالدولار، فمن أين ستأتي بكل هذه المبالغ لتقلّع في العام الدراسي؟ الخال أشارت إلى أن بيان الإدارة «كان واضحاً وصريحاً مع وزارة التربية والأهل لجهة الإقرار بعدم القدرة على الاستمرار إذا لم نحصل على الدعم»، لافتة إلى أن غالبية الأهالي دفعوا ولم تتلق شخصياً أي شكوى في هذا الخصوص، علماً بان المدرسة أبدت استعدادها لمساعدة الأهالي المتعثرين.
ماذا عن هذه المبالغ، هل ستدرج ضمن بند المساعدة في الموازنة؟ الموازنة، بحسب الخال، «ليست من اختصاصي ويعدّها قسم المحاسبة في المدرسة، ولا أعلم ما إذا كانت ستدرج أو لا!».
لجان الأهل وصلت إلى حائط مسدود، بحسب رئيس لجنة الأهل في مدرسة زهرة الإحسان جو أبو زيد، وتنتظر تدخل الوزارة من خلال خطوات استباقية للموازنة مثل إصدار تعميم يمنع أي زودة من خارج الموازنة أو فرض مبالغ بالدولار، وأن تلزم المدارس هذه المرة بقطع حساب يفصل كل الإيرادات والمصاريف مع الفواتير، وليس ميزانية تتضمّن مبالغات في الأرقام من دون مبررات لها.
ورأت رئيسة اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة، لمى الطويل، أن رمي إدارات المدارس المسؤولية على لجان الأهل بالقول إنها وافقت على «الزودة» و«الدعم» ليس في محله، إذ إن «هناك عدداً لا يستهان به من المدارس لا توجد فيها لجان أهل أو انتهت ولاية لجان الأهل فيها، وأخرى صورية وغير فاعلة. وفي مدارس كثيرة، تبلّغ الأهل من الإدارات بالإجراء من دون معرفة لجان الأهل». وسألت: «كيف يمكن أن تسمع وزارة التربية بما يحصل وتترك الأهل في مواجهة المدارس بحجة أن الموازنات ليست بين أيديها، فيما القانون يفرض عليها ممارسة دور رقابي؟ ما الذي يمنع من اتخاذ إجراءات أو قرارات على غرار ما حصل السنة الماضية عندما سحبت توقيع مدير إحدى المدارس التي فرضت زيادة على الأقساط تساوي 25 في المئة؟ كيف تحاسب الوزارة المدارس التي ليس فيها لجان أهل؟».
وزارة التربية لا يجب أن تنتظر إعداد الموازنات لتتدخّل ولا تحتاج إلى شكوى لأنّها أمام قضية مصلحة عامة
رئيس مصلحة التعليم الخاص في وزارة التربية، عماد الأشقر، أكد أن إجراءات المدارس الخاصة «غير مقبولة وغير مسموح بها قانوناً إلى حين تعديل قانون تنظيم الموازنات المدرسية الرقم 515/1996 وتعديل قانون النقد والتسليف، ولا يحق لأي مدرسة فرض أي زيادة قبل التواصل مع لجنة الأهل». بحسب الأشقر، القانون يحتاج إلى تعديل «فهو لا يحمي لجان الأهل وليس هناك نص يسمح للوزارة بعدم قبول الموازنة، إذ إننا في المصلحة نسجل الموازنة، ثم نراجع المدرسة إذا لم تكن موقّعة من لجنة الأهل». وكشف «أننا سنعتمد هذا العام برنامجاً إلكترونياً ترسل إليه المدارس موازناتها إلى جانب النسخة الورقية، ومن شأن ذلك أن يفضح أرقام الموازنات المبالغ فيها». لكن لماذا لم تصدر الوزارة أيّ رد فعل على فرض الإدارات «زودات» من خارج الموازنة؟ وهل سينتظر الأهل تسليم الموازنات في آخر العام حتى تتدخل الوزارة بعدما يكونون قد «أكلوا الضرب»؟ أجاب الأشقر: «ليس بين أيدينا أيّ مستند نبني عليه، لكن الجديد هذا العام أننا سنطلب من المدرسة إرفاق الموازنة بالفواتير». ولفت الى أن وزارة التربية استقدمت العام الدراسي الماضي شركة تدقيق بريطانية ودققت في 101 موازنة سُجلت شكاوى بشأنها، وتبيّن أن هناك 74 موازنة غير قانونية رفعت إلى المجالس التحكيمية التربوية للبتّ بشأنها، إلا أنه لم يصدر أيّ حكم فيها، بما في ذلك الـ 35 موازنة التي حوّلت إلى المجلس التحكيمي التربوي في جبل لبنان، المجلس الوحيد «الشغّال».
ليس في حوزة وزارة التربية لائحة بأسماء المدارس التي ليس فيها لجان أهل، غير أن الأشقر أشار إلى أن الوزارة تتسلم 1064 موازنة. وهل يعني ذلك أن هناك لجان أهل في كل هذه المدارس؟ «مفروض»، يقول، لافتاً إلى أن هناك 377 مدرسة شبه مجانية لا تقدم موازنات وليس فيها لجان أهل. وبما أن العدد الإجمالي للمدارس هو 1619 مدرسة، فهذا يعني أن 178 مدرسة غير مرخصة وتحظى بموافقات استثنائية، أو ما اصطلح تسميتها مدارس ــــ دكاكين، وليس فيها لجان أهل أيضاً.
الأشقر قال إن هذا العام سيشهد، قبل إعداد الموازنات انتخابات لجان أهل في مدارس كثيرة بعدما تمددت ولاياتها لسنة واحدة بسبب كورونا، وهذا يدعو الأهل للسؤال عمّا إذا كانت اللجنة موجودة ومتى تنتهي ولايتها، وإذا حدث أن تمنّعت المدرسة عن تبليغ الأهل بموعد الانتخابات، فليأت هؤلاء إلى المصلحة ويقدموا شكاوى في هذا الخصوص.
وفيما تعهد الأشقر بأن الوزارة ستذهب إلى النهاية في ملف الموازنات وستستخدم كل صلاحياتها المنصوص عليها في المادة 13 من القانون 515، شدد على أن مرسوم المجالس التحكيمية في ثماني مناطق تربوية وضع على نار حامية، وليس هناك أيّ مانع من إصداره الذي نتوقّعه قريباً.
لكن المادة 13 تنصّ على أن المصلحة تتولى مراقبة تطبيق أحكام المواد السابقة من القانون، وهذا يعني، بحسب المنسقة القانونية في اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور، المحامية ملاك حمية، أن الأمر لا يتعلق فقط بتقديم الموازنات، إنما بكل المواد ومن ضمنها كيفية استيفاء القسط الأول، أي المادة 5 التي تنص على أن القسط الأول يوازي 30 في المئة من قيمة القسط للعام الدراسي الماضي، وكيفية تحديد القسط في المادتين الأولى والثانية، والفقرة 7 من المادة 10 التي تحدد مهام الهيئة المالية التي تقرر الزيادة على الأقساط عند درس الموازنة في مهلة 10 أيام، أي أن كل هذه الخطوات يجب أن تحصل قبل تحديد قيمة الأقساط وفرض الزودات عليها.
حمية قالت إن وزارة التربية لا يجب أن تنتظر إعداد الموازنات كي تتدخل، وهي لا تحتاج إلى شكوى من أصحاب العلاقة أي الأهل أو لجان الأهل، لأنها أمام مصلحة عامة وليست قضية خاصة في مدرسة من المدارس، وبالتالي يجب عليها أن تتحرك حكماً انطلاقاً من مبدأ عدم مخالفة الانتظام العام، فتصدر تعميماً أو قراراً يمنع هذه الإجراءات، على غرار التعميم 23 بتاريخ 1/7/2020 الذي أصدره الوزير السابق طارق المجذوب والذي لا يزال ساري المفعول، ويحظر فيه على المدارس الخاصة تحديد القسط بغير الليرة اللبنانية، وعدم إلزام التلامذة بشراء الكتب واللوازم من المدرسة أو منعهم من استخدام الكتب المستعملة التي ما زالت صالحة للاستعمال.
ولفتت الوزارة إلى الاستشارة 75/2015 الصادرة عن هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل والمتعلقة برسم فتح الملف والتي يمكن أن تنسحب على كل الرسوم على اختلاف مسمّياتها، إذ تعدّ رسم التسجيل أو الانتساب جزءاً لا يتجزأ من القسط.
تجد الإشارة الى أن «الأخبار» حاولت أمس التواصل مع وزير التربية عباس الحلبي لسؤاله عما تنوي الوزارة فعله في شأن هذا الملف، لكنها لم توفّق في الوصول إليه.
المصدر: الأخبار