جاء في “اللواء”:
ما العلاقة بين اقتراب عودة الموفد الرئاسي والشخصي للرئيس ايمانويل ماكرون جان- إيف لودريان إلى لبنان، وإقدام الرئيس نبيه بري على الدخول في الملف الرئاسي، من باب تجديد الدعوة إلى حوار بين رؤساء الكتل النيابية، بعد أن كان الإنتظار سيّد الموقف، مع تزايد الرهانات على دور اللجنة الخماسية، التي اجتمعت في قطر، بحضور لودريان، وأصدرت بياناً، بدا منه أنها تدعم المهمة؟
هذا السؤال اكتسب مشروعيته من الظروف المحيطة بالدعوة، ودخول البلاد، ما يمكن اعتباره شهر الإستحقاقات، في معرفة مسار الإستحقاق الرئاسي، وامكانية انتخاب رئيس هذا الشهر، الى استحقاق العام الدراسي، ثم الجامعي، على المستوى الرسمي، وسط تشدد الروابط بوقف مقاطع، ما لم تتحسن الرواتب والمعاشات، وهو التوجه الذي انضم إليه سريعاً قضاة لبنان على كثرتهم، تشكياً من مظالم الراتب والمدخول، والعجز عن توفير الطبابة والتعليم والعيش في الحدّ الأدنى من الكرامة، فضلاً عن الإستحقاقات المالية من الموازنة للعام2024، بعدما تبيَّن أن موازنة العام الحالي، تواجه صعوبات رقمية، وأيضاً لجهة الإقرار ما لم تنتظم الحياة بانتخاب الرئيس قبل الذهاب الى التشريع، والتعيينات التي بلغت حدًّا صعباً من الفراغ، مفتوح على فراغ قاتل في المؤسسة العسكرية..
ويمكن إعادة تدوير السؤال على نحو أكثر بساطة وإيجاز، هل دعوة بري لقطع الطريق على لودريان ام لفتحها أمامه، بحيث تكون الفرصة أكثر ميسورية، أم ان الدعوة مرتبطة بما تردد عن محاولة من قِبل رئيس المجلس للهروب أو للإلتفاف على ما رشح من تهديدات جدية في الكونغرس الأميركي لجهة فرض عقوبات عليه، على خلفية تحميله مسؤولية التخلف عن انتخاب الرئيس، مع اقتراب مهلة الشغور من عام كامل (31 ت1) عندما غادر الرئيس السابق ميشال عون قصر بعبدا!
هذه الاسئلة وسواها مدرجة في طبيعة الدعوة أو ناجمة عنها، ولكن الأكثر وضوحاً، أنها ارتبطت زمانياً بالمحادثات التي أجراها وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبد اللهيان مع الرئيسين بري ووزير الخارجية في حكومة تصريف الاعمال عبد الله بوحبيب، والتي استبقت بكشف ماكرون، في مؤتمر الدبلوماسيين الفرنسيين في الخارج عن مشكلة مع ايران، لجهة تحميلها تأخير انتخاب الرئيس، وخلق توترات في المنطقة ولبنان، والتي ردّ عليها عبد اللهيان بدعوة ماكرون للإهتمام بأوضاع بلاده الداخلية، وعدم معرفة الوضع اللبناني، بكل تداخلاته، وظروفه، ومواقع الكتل والأحزاب، ومنها حزب الله، داخل هذا البلد.
الواضح أن عبد اللهيان، وإن حول النأي بنفسه عن رسم خارطة طريق الإستحقاق اللبناني، إلَّا أنه حاول الإيحاء بأن «تفاهماً» لمسه خلال المحادثات التي أجراها مع ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان، وتناولت في جزء منها استقرار لبنان، وكيفية ملء الشغور في الرئاسة الأولى، لجهة الإتفاق على أن الانتخابات الرئاسية شأن داخلي لبناني، وأن القادة اللبنانيين قادرون على رسم طريق الخروج من المأزق، وهذا يعني حسب عبد اللهيان أن طهران تدعم مبادرة بري الى الحوار بمعزل عن مهمة الوسيط لودريان، فضلاً عن ان الرهان الإيراني، تخطى التنسيق مع فرنسا الى التفاهم مع العرب، عبر الرياض، وربما حدثت تقاطعات مع واشنطن، على خلفية «المصالح المتبادلة» في ما خصَّ الاستقرار اللبناني.
المهم، وبمعزل عن التأثير السلبي أو الإيجابي، فإن بري بدعوته الحوارية، والتي راعت مطالب المعارضة لجهة الجلسات المتتابعة أو المتتالية لانتخاب رئيس، ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد: فهو من جهة بعث برسالة إلى الكونغرس الأميركي أنه جاهز للحوار، في أي وقت، ومن ثم انتخاب الرئيس، مذكراً بدعوته قبل السنة، وهو من جهة أخرى بعث برسالة الى فرنسا مفادها أن المجلس النيابي هو مكان الحوار، وأن توقيته يتوقف على التفاهم معه، والتالي فإن مهمة الوسيط لودريان، المحاطة بغيوم كثيفة من التوتر بين باريس وطهران، لا يُكتب لها النجاح، خارج الدور النشط «للثنائي الشيعي»، بصرف النظر عن الأجوبة التي قدمها بري، عبر كتلة التنمية والتحرير، وربما تتضمن ايضاً التوجه نفسه لدى حليفه حزب الله.. الذي لا يمكن له انتهاج سياسة في ما خص الاستحقاق الرئاسي، خارج التوجهات العليا، لدور «المحور»، وعلى رأسها ايران، بصرف النظر عما اذا كان هذا الأمر بُحث أم لم يُبحث في لقاء وزير الخارجية الايراني مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، والذي تناول بصورة رئيسية الوضع في سوريا، والمخاوف الجدية، من عودة تنظيم داعش الى العمل والعمليات في سوريا التي تواجه وضعاً صعباً، مع تجدّد التظاهرات الشعبية، بسبب الانهيارات المالية والمعيشية فيها، لا سيما في بعض المحافظات التي كانت هادئة لسنوات كالسويداء، ودرعا وبعض مناطق الساحل السوري.
بري رمى الطابة في ملعب الخصوم، ولا سيما «الوشاة» ومن يقف وراءهم في الخارج.. وبانتظار اكتمال المشهد، فإن الاستحقاق الرئاسي على نار حامية، ولم يُعرف ما اذا كان الوقود الاقليمي- الدولي، سيُنضج الطبخة الرئاسية في ايلول أم أن النار القوية «ستشيط» الطبخة مجدداً، وتتفاقم الاوضاع على نحو ما يحصل في سوريا وغيرها!