كتب حازم الأمين في “درج”:
وجدها السيد حسن! الـMTV الخبيثة هي من أشعل الفتنة الأهلية في الكحالة! هذه البلدة هي معقل الحلفاء، فكيف لها أن تتصدى لشاحنة المقاومة من دون “وسواس خناس”، هي التي أعطت أصواتها في الانتخابات النيابية لحلفاء الشاحنة المتعثّرة على “كوعها”.
لا أثر لـ”القوات اللبنانية” في البلدة، والكتائب التي سارعت الى عقد اجتماعها في البلدة، وصلت إليها في اليوم الثاني للواقعة، ومن قُتل على سلاحه في المواجهة، هو فادي البجاني، المرافق السابق لإيلي حبيقة، الذي سبق أن غزا الأشرفية في العام 1986، حين اخترقت قوات حبيقة خطوط التماس من الجهة الغربية، وتسلّلت إلى المناطق الشرقية ثم عادت أدراجها! إذاً، لم يبقَ أمام السيد إلا الـ”MTV”، وعلينا في هذه الحال أن نتخيل أن أهل الكحالة، كانوا ينتظرون الصورة التي التقطتها المحطة التلفزيونية “الخبيثة” في لحظة انقلاب الشاحنة لينطلقوا إلى المواجهة “الفتنوية”.
ومثلما بادر قتيل الكحالة فادي البجاني إلى سلاحه وقتل عنصر “حزب الله” أحمد القصاص، في لحظة عودة إلى السياسة بوصفها معطى عصبياً لا يقف عنده تحالف أو اتفاق، كذلك بادر رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد، ليقصف الكحالة بخطاب التخوين، فقال: “أين كانت الكحالة عندما كان الإسرائيليون في قصر بعبدا”؟
واقعة الكحالة كشفت حقيقة العلاقات بين المكونات السياسية العصبوية اللبنانية. السلاح أحد أبرز عناوين الشقاق، واستعراض سريع للوقائع التي حفت بظاهرة سلاح “حزب الله” حين يحتك بحساسيات مذهبية، يثبت عمق الهوية المذهبية للسلاح. فحين وقعت المواجهة في بلدة شويا الدرزية بين عدد من الأهالي وبين مجموعة من “حزب الله”، لم يكن هناك توتر بين “حزب الله” و”الحزب التقدمي الاشتراكي”، وطبعاً لم تكن الـMTV حاضرة. وعندما وقعت المواجهة بين عناصر مسلّحة من عشائر عرب خلدة (السنية) وبين عناصر من “حزب الله”، كان للقتال في حينها بعدٌ أهلي لا أثر فيه لـ”تيار المستقبل” مثلاً، وكان السنة في حينها قد باشروا تقهقرهم السياسي!
إذاً، خطاب “سلاح المقاومة” بوصفه “خياراً لبنانياً”، تعرّض لانتكاسة جديدة، صحيح أنها لا تهدّده، إلا أنها تحمل هذه المرة دلالات تفوق ما سبقها، لجهة كشفها حقيقة ألا غطاء للسلاح إلا غطاء بيئته المذهبية المباشرة.
طبعاً، لا تعني هذه الاستنتاجات أكثر من كونها شرحاً لواقع الحال، الذي لا يمكن ترجمته بالتوازنات بين القوى المذهبية. فجبران باسيل سرعان ما أرسل فاتورة لـ”حزب الله”. غرد قائلاً: “المقاومة بحاجة الى غطاء لبناني”! وحزب الله يعرف ما عناه باسيل، فالثمن بخس في حسابات الحزب، ولطالما تقاضاه باسيل طوال سنوات من عمر تفاهم “مار مخايل”.
لكن حال الاهتراء اللبناني العام الناجم عن الانهيار المالي وعن تداعي هياكل الدولة والمؤسسات، ستضعف من قدرة “التفاهمات” الزبائنية بين القوى السياسية على ضبط حقيقة الانقسامات العصبوية، والسلاح مرشّح لمزيد من الأدوار الاحتقانية.
“حزب الله” سيواصل تسيير شاحنات نقل الأسلحة، وقدرة جبران باسيل على تأمين الطرق ستكون أضعف حتى في مناطق نفوذه، ومنها الكحالة، والشقاق الأهلي أقوى من أن يُضبط بتفاهمات يتقاضى أثمانها البخسة أركان منظومة حاكمة هم على أبواب السجون في دول العالم.
قضية فادي البجاني تعزز هذا الافتراض، فالرجل سرعان ما تحول إلى “شهيد” الأحزاب التي لطالما شارك في قتالها، وفي المقابل صار “قاتلاً وعميلاً” في عرف قاعدة الأحزاب التي قاتل إلى جانبها. وفي هذا الوقت، ارتبك العونيون و”حزب الوعد” الذي ورثه جو حبيقة عن والده إيلي، في نعيه، فهو تارة بطل وطوراً ضحية التحريض.
أما السوشيل ميديا بوصفها مرآة أكثر شفافية لحقيقة عمق الانقسام الأهلي من تصريحات المسؤولين، فهناك الحرب الأهلية بدأت، وخطوطها لا تشبه تفاهم مار مخايل على الإطلاق، فعاد فادي بجاني إلى خطوط القتال الأولى، وظهرت صور أحمد القصاص مقاتلاً في سوريا.
لسنا على أبواب حرب أهلية، ذاك أن أحداً لا يملك مصلحة في تغيير معادلة العيش في العراء.