كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
يدرك سليمان فرنجية حجم التحدّيات التي تواجهه وستواجهه، في ما لو أتيح له أن يصير رئيساً للجمهورية. يتحلّى الرجل بكثير من الواقعية التي تجعله متيقّناً من حقيقة عمق الصعوبات والتعقيدات التي قد تعرقل مسيرته. ولعلّ أوّلها وأبرزها، الحصار الذي تمارسه القوى المسيحية المناهضة له التي قرّرت البقاء على ضفّة الخصومة، لا بل اختارت أن تخوض معركة شرسة لمنع وصوله إلى قصر بعبدا، فتجاوزت خلافاتها والكثير من تبايناتها لكي تلتقي عند خطّ وسطي: منع الرئاسة عن القطب الزغرتاوي.
وتكمن أهمية هذا الالتقاء، ليس في العمل فقط على ايجاد صيغة تحول دون بلوغ فرنجية عتبة الـ65 صوتاً، وإنما في تعبئة مزاج الشارع المسيحي برمّته ضدّه. إذ لن يكون سهلاً على رئيس «تيار المردة»، أن تطأ قدماه أرض قصر بعبدا، فيما السواد الأعظم من المسيحيين غير متحمّس لوصوله، إن لم نقل، ممتعضاً من المشهدية الانتخابية التي انتهت بفوزه، بعدما انطلقت من ترشيح رئيس مجلس النواب نبيه بري له، قبل أن يصير ترشيحاً ثنائياً مع انضمام «حزب الله» له، فيما القوى المسيحية «تَرجم» هذا الخيار وتعتبره مفروضاً عليها بـ»فائض القوة».
فعلاً، قد يكون يوم الاستحقاق، ثقيلاً في الوجدان المسيحي، إذا لم يقرّر أحد أجنحة المحور المسيحي كسر «الحرم» والانضمام إلى قافلة مؤيّدي رئيس «تيار المردة». ومع ذلك، حتى اللحظة يبدو الأخير متشائماً إزاء إمكانية انضمام رئيس «التيار الوطني الحر» إلى الكتلة الناخبة له. لكنه في المقابل، يسعى إلى تجميع أوراق القوة التي تجعل انتخابه ممكناً. ومن بعدها لكل حادث حديث. ليس بالمعنى التهديدي، وإنما بالمعنى الاستيعابي والتفاهمي.
ليس صحيحاً أنّ فرنجية، وفق مؤيّدي انتخابه، يتعامل بخفّة مع «المعادلة الاتهامية» التي يتمّ الترويج لها في الوسط المسيحي من باب شيطنة مشروعه الرئاسي، تحت عنوان أنّ بري سيكون شريك عهده إن لم نقل، «سيّده»، والعمل على إحياء المنظومة الحاكمة منذ ثلاثة عقود وأكثر، والتي ساهمت بوصول البلاد إلى قعر جهنّم. كذلك، لا يريد لعهده أن يصاب بالفشل المبكر ولو أنه يعرف أنّ تحديات كبيرة تعترض طريقه، لا سيما وأن عهد ميشال عون يفترض أن يكون درساً لفرنجية وحلفائه.
ولهذا، فإنّ رهان مؤيّدي القطب الزغرتاوي، هو على «الجانب المضيء» من رحلة ترشيحه، والذي يتمثل، بالمناخ التفاهمي الذي يسود المنطقة ما قد يخفّف الأثقال والضغوط التي كان يتعرّض لها لبنان طيلة المرحلة الماضية، لا بل قد يساهم في جذب الاستثمارات التي عادة ما تنشد الاستقرار السياسي، المفترض توفيره فور إنجاز الاستحقاق والعمل على تأليف حكومة.
كذلك، يُفترض أن يوظّف فرنجية علاقته بالقيادة السورية على نحو يساعد في معالجة ملف النازحين في وقت سريع. فيما ينتظر أن تكون أولى خطواته في حال انتخب رئيساً الدعوة لطاولة حوار موسّعة تضمّ كل القوى السياسية، ولا عجب إن شارك الجميع طالما أنّ خطوط القطب الزغرتاوي مفتوحة في كلّ الاتجاهات، لوضع أبرز القضايا على طاولة النقاش، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، اللامركزية الإدارية الموسّعة التي باتت مطلباً جامعاً لدى القوى المسيحية.
ما يعني أنّ هناك نقاشاً جدياً يحصل بين الحلفاء، لتعويض الخلل الذي يصيب «حاصل» أصوات فرنجية، لجهة فقدانه الدسم المسيحي، من خلال العمل على إحداث صدمة ايجابية في سلوكه كرئيس منتخب، قد تكسر الطوق وتعيد ترميم الجسور مع المزاج المسيحي.
ولكن هل تقدّمت حظوظ فرنجية؟
وفق الحسابات السياسية الاستراتيجية، يقول مؤيّدو الرجل إنّ مشروع ترئيسه يتدحرج بشكل ايجابي ما يزيد فرص وصوله إلى القصر. يكفي بنظرهم أن تنتقل السعودية من موقع التعطيل إلى مربّع رفع الفيتو، وصولاً إلى عدم ممانعة انتخاب فرنجية، وهذا بحدّ ذاته تطوّر نوعي يعكس حجم التبدّل الحاصل في الإقليم حيث تعمل السعودية على تصفير مشاكلها ونزاعاتها، ولهذا تشجّع على إنجاز الاستحقاق الرئاسي بأسرع وقت، وهذا ما يفسّر التهديد بفرض عقوبات على المعطّلين والمعرقلين.
يضيف هؤلاء أنّ الاندفاعة السعودية نحو تصفير المشاكل، ستظهر تدريجياً على الساحة اللبنانية، من خلال لقاءات مرتقبة للسفير السعودي وليد البخاري، منها مثلاً مع «حزب الله» أو مع السفير الايراني في لبنان. أكثر من ذلك، ينقل هؤلاء عن إحياء روح المبادرة الفرنسية التي ارتكزت على قاعدة المقايضة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، فيقولون إنّ جلسات النقاش الحاصلة على أكثر من مستوى، تشهد من جديد كلاماً وطروحات من هذا القبيل. وهذا دليل إضافي على انخراط المملكة على نحو ايجابي في الاستحقاق اللبناني، من زاوية قبولها بترئيس فرنجية.
أمّا وفق حسابات الداخل المعقّدة، فإنّ الاعتقاد السائد في صفوف مؤيدي فرنجية، هو أنّ هناك صعوبة في توصّل القوى المعارضة إلى اتفاق حول مرشح تخوض معه المنافسة بوجه القطب الزغرتاوي، ذلك لأنّ رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل لن يقطع شعرة معاوية مع «حزب الله» الرافض ترشيح جهاد أزعور، وهو المرشح المفترض الجامع لقوى المعارضة. ما يعني أنّ هذا المشروع دونه عقدة التحام العونيين. الأمر الذي يمنح فرنجية نقطة لمصلحته.
وحتى لو حصل العكس، أي أنّ باسيل قرّر رفد المعارضة بأصوات تكتّله، ليشهد البرلمان جلسة مواجهة بين فرنجية وأزعور، أو أي مرشح آخر للمعارضة، خصوصاً أنّ سيف العقوبات عاد مصلتاً فوق الرقاب، فإنّ تقديرات مؤيدي فرنجية تجعلهم في موقع المنتصر، متكلين على سياسة سحب الأصوات من تحت الطاولة، ما سيساعد مرشحهم على الفوز، وفق جدول الأرقام التي بحوزتهم… خصوصاً أنّ هناك من يحاول إقناع باسيل بصفقة جديدة مع «الحزب» على قاعدة ترك الحرية لأعضاء «تكتل لبنان القوي» للتصويت كما يريدون.
بالنتيجة، يمكن تشبيه مجريات الاستحقاق الرئاسي بلعبة الشطرنج. تحصل وقائعها حدفة بحدفة. لا يمكن حسم النتيجة قبل أوانها. غير أنّ الأكيد أن الفريق الداعم لفرنجية يعمل على طريقة حائكي السجاد الايراني.