كتب داني حداد في موقع mtv:
إن كتبنا رأياً. إن قلنا مثلاً، كما فعلنا مرّةً، إنّ الهجوم على المطاعم يضرّ بأصحابها وموظفيها وروّادها أكثر من السياسي المتواجد فيها، لقامت قيامة الناشطين و”الثوّار”. في المقابل، إن حلّق سعر الدولار، أو حافظت السلع على أسعارها المرتفعة على الرغم من انخفاض سعر الدولار، أو انتظر الناس ساعات أمام محطات المحروقات، غاب الناشطون وخفتت أصوات “الثوّار”.
قد لا نعرف يوماً إن كان تحرّك ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩ عفويّاً أو مخطّطاً له. قد لا نعرف لماذا نزل الناس الى الطرقات، ثمّ لماذا غابوا عنها. ما نعرفه أنّنا نحن، من فَقَد الثقة بهذه السلطة بمختلف “ألوانها” ووجوهها وأعتابها، ما عدنا ننتظر شيئاً من هذه “الثورة”، وقد وجدنا فيها، مع المناضلين والوطنيّين والصادقين، كاذبين ومتسلّقين ومتلوّنين و”زعراناً”.
حين ولدت حكومة شبيهة بسابقتها لم نسمع تحرّكاً يتجاوز بعض “البوستات” على مواقع التواصل الاجتماعي. حين وصل وزيرٌ لا يملك اختصاصاً ولا كفاءة ولا استقلاليّة، لم نشهد اقتحاماً للوزارة من قبل منتفضين لإخراجه منها.
انتقلت “الثورة” الى مكانٍ آخر، مثل ثوراتٍ أخرى في بلدانٍ كثيرة. تجد الناشطين ينظّرون في المقاهي. تجدهم على مواقع التواصل الاجتماعي في سباقٍ حامٍ على حصد علامات الاعجاب والتفاعل. وتجد، أيضاً، أنّ بعض الصفحات، على هذه المواقع، ترصد سياسيّين يجلسون في مطعم أو يستقلّون طائرة، فتهاجم وتحرّض، بينما تغيب عن سرقة بلد وإذلال شعب.
تخطئ “الثورة”، ونحرص دوماً على استخدام الكلمة بين مزدوجين، حين تجعل من الانتخابات النيابيّة موعداً مصيريّاً لها. إن استكانت وهادنت، من الآن وحتى الانتخابات، ستتحوّل الى مجرّد فريقٍ انتخابيّ منافس، لا الى مشروع بناء وطنٍ جديد، كما طرحت نفسها بعيد ١٧ تشرين.
ليست هذه السطور لنعي “الثورة”. هي تنازع ولم تمت. ألقاها في وجوهٍ كثيرة وأصواتٍ ما تزال مرتفعة، بصدقٍ بنّاء لا برفضيّة هدّامة. ولكنّ المشهد مؤلم. المؤلم، أكثر من أيّ أمرٍ آخر، أنّ بعض “الثوّار” يدفعك الى الترحّم على السياسيّين.