كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:
تراجعت حركة السيارات السياحية في مدينة طرابلس أمام عدم تمكّن كثيرين من تأمين مادة البنزين. كذلك تراجعت حركة سيارات الأجرة، بسبب انقطاع المازوت، لتبدو مدينة طرابلس أم الزحمة، وكأنها مدينة شبه خالية لا سيما من السيارات. وحتى حركة الدراجات النارية تراجعت هي الأخرى لأنها تسير على البنزين، وبات مواطنون كثر يفضّلون السير على أقدامهم بين الشوارع والأحياء والمناطق. ومن كان مشواره أبعد، كأن يتحرك من القبة إلى أبي سمراء أو من التل إلى طريق الميناء، أو من شارع إلى شارع مجاور، يستقلّ الدراجة الهوائية التي بدأت تنتشر في المدينة ولو بشكل محدود، لكنه انتشار بهدف التنقّل وليس بهدف الرياضة كما كان في السابق في شارع محدد، وانتشار مرشّح للتصاعد كلما تصاعدت حدة أزمة البنزين وارتفع سعره، ولذلك تشهد محلات بيع الدراجات الهوائية حركة طلب مرتفعة وارتفاعاً في أسعارها.
شوارع مدينة طرابلس هذه الأيام شبه فارغة من السيارات. زحمة أيام زمان لم تعد موجودة. أكثرية السيارات التي تتحرك هي إما على الطرقات الدولية أو لمن هم من خارج طرابلس. أهالي المدينة وسكانها يفضّلون الإقتصاد في المشاوير واستعمال الدراجة الهوائية لمن توفرت لديه، أو سيرا على الأقدام لمن ليس لديه دراجة، وقلة منهم ما زالوا يستخدمون السيارات في تنقّلاتهم بين شوارع المدينة أو حتى اللجوء إلى سيارات التاكسي التي رفعت أجرتها؛ حيث بات فتح بابها من شارع إلى شارع آخر قريب لمشوار 5 دقائق، يكلّف 10 آلاف ليرة. فإذا كان لأزمة المحروقات وجه واحد إيجابي، فهو أنها خففت الزحمة اليومية الكارثية الرهيبة التي كانت تشهدها شوارع طرابلس.
أمام هذا الواقع، ثمة من راح يبحث عن حلول بديلة؛ سيما وأن المدينة متلاصقة الأحياء وليست ذات جغرافية واسعة ومتباعدة كعكار أو الكورة، ولولا زحمة السيارات التي كانت تشهدها؛ لكان السير فيها من أسهل ما يكون.
تأمين البنزين من المحطات في طرابلس بات ضرباً من المستحيل بسبب الزحمة والطوابير والإشكالات، والشراء عبر السوق السوداء أمرٌ مستحيل أيضاً؛ لأن سعر غالون 8 ليتر 260 ألف ليرة.
على موقع فايسبوك نشر المهندس وسيم ناغي، رئيس اتحاد حوض المتوسط للمعماريين (UMAR)، وأستاذ الهندسة المعمارية في كلية الفنون والعمارة في الجامعة اللبنانية ما يلي: “لن أقف في طوابير الذل ولن اشتري البنزين من السوق السوداء كي لا أكون مساهماً في رواجه، فطرابلس كلها كم شارع ومعظمها مسطحة والشوارع شبه فارغة من السيارات ما يسمح بقيادة البيسيكلات بأمان، و”هيك رياضة وقضاء الحوائج، وعصفورين بحجر واحد”. أوقفت سيارتي الا للضرورة القصوى، ونصيحتي لكم بيسيكلات مع سلة للغراض، وخليهم ينقعوا البنزين ويشربوه”. وأرفق منشوره بصورة له على الدراجة الهوائية. وعنه يقول لـ”نداء الوطن: “إن اشتداد أزمة البنزين واستحالة تأمينها وارتفاع سعر التنكة في السوق السوداء فوق الـ 500 ألف وأمام كل ذلك، كان لا بد من وسيلة نقل، ولو كنا في أي بلد من العالم وحصلت أزمة كهذه لكان النقل العام قد خفف الحاجة إلى استخدام السيارات، لكن فشل الحكم في لبنان الذي أوصلنا إلى نقل عبر السيارات والباصات، ما يعني بنزيناً ومازوتاً من جديد، وليس سيارات كهرباء أو ما شابه، أو وسائل أكثر عملانية ذات بنى تحتية خاصة. ومع الأسف إن أكثر من 50% ممّن يقفون اليوم في الطوابير هم أناس يتاجرون بالبنزين ولا يقفون من أجل قضاء الحوائج اليومية، وبالتالي حرموا المواطن الذي يريد تعبئته بسلام ومن دون إشكالات أو مزاحمات من الحصول على المادة لقضاء حوائجه اليومية. ثمة من لا يريد أن يهدر كرامته على المحطات أو يعرّض نفسه للمشاكل والأذى، وبنزين السوق السوداء مغشوش بأغلبه ويشكّل كارثة على محركات السيارات، وأمام الحاجة كان لا بد من الدراجة الهوائية، وهي وسيلة نقل موجودة في كل دول العالم، يتنقل الناس فيها لأهداف بيئية وصحية وتوفيرية، ويستعملها كبار المواطنين في أوروبا”.
وشدد على أنه “من البديهي أن نفكر فيها اليوم في لبنان. فالأزمة تفرض البحث عن حلول، خصوصاً وأن الشوارع باتت شبه فارغة وأكثر أماناً. اكتشفت أن المدينة صغيرة جداً مع انحسار عدد السيارات، إذ تستطيع أن تلف المدينة كلها بنصف ساعة. ولو فكر الجميع بهذا الأسلوب لخفّ الطلب على البنزين، وتراجعت السوق السوداء، ولأوجدنا أنموذجاً مقاوماً لهذا النوع من الأزمات”.
ويرى ناغي أنه من الرفاهية الزائدة واللامسؤولية “عندما يكون الواحد منا شغله على بعد كيلومترين من مكان سكنه ومع ذلك يستعمل السيارة للوصول إلى عمله. يجب أن نخرج من هذا الوهم وأن نعيد التفكير والإنتظام والبحث عن حلول مستدامة وبديلة، وسنكتشف مع الوقت الكثير من البدائل والحلول الأكثر استدامة وإنسانية، وتفيد من النواحي النفسية والجسدية والصحية، وعسى أن يكون ما أقوم به مبادرة تشجع الجميع على نفس الأمر، خصوصاً من لا يزال يخجل من ركوب الدراجة والتجول بها”.
وأكد دور البلديات “التي من المفترض أن تلحظ المواقف الآمنة والمسارب للدراجات، والبنى التحتية خاصة، وهذا كله من الممكن أن يأتي بهبات من الصناديق المانحة، لأن المدينة تحاول أن تكون صديقة للبيئة؛ وكثيرون يشجعون على ذلك، وعلى أصحاب القرار أن يفكروا بهذا الأمر، فالأزمة طويلة كما يبدو ومن الواجب أن نعيش الحقيقة ونتأقلم معها بكل إنسانية”.