نداء الوطن رمال جوني
دخلنا فعلياً زمن “فدرلة” القرى، والتقسيم دخل حيز التنفيذ من بوابة محطات البنزين، حيث كل بلدة حصرت البنزين بأهلها ومنعته عن جارتها الودود، الامر الذي اجّج الخلاف والعصبيات العائلية والقروية، ما يعني أن الحرب بين القرى المجاورة على المحك، ولعل ما شهدته بريقع والقصيبة “بروفة” خطيرة لنموذج الحرب، فهل يتم وضع حد للفدرلة قبل فوات الاوان؟ ام انها من ضمن مخطط تمزيق القرى ارباً ارباً؟
في المبدأ، غيرت الازمات عاداتنا، باتت الصبحيات على محطات البنزين، وشرب القهوة في طابور الغاز، وانهاء الاعمال اثناء البحث عن دواء… والمضحك أن الانترنت دخل على خط البحث عنه، اذ من الصعب التقاطه هذه الايام، تحتاج الى التنقل بين القرى لايجاد اشارة منه. اشارة قد تشعل فتيل حرب مستعرة حالياً بين القرى على محطات المحروقات بعدما جرى اعتماد نظام الفدرلة في القرى “بنزيناتي الي وبنزيناتك الك وروح دبّر حالك…”.
فعلياً، دخلنا زمن تقسيم القرى من بوابة البنزين، فكل بلدة حصرت بيع البنزين بأهلها، ومنعت غير المقيم داخلها من نعمة الحصول على ليتر واحد تحت مسوّغ مستجدّ “شوف ضيعتك وبلديتك تدبّرلك بنزين”.
في فدرالية البنزين، يوجد قانون واحد لا اكثر فُرض على ابناء البلدة، الذين عادة ما كانوا يقصدون جارتهم القرية المجاورة للتزود بالمحروقات. هذه العادة التغت، حتى داخل البلدات المتداخلة من حيث الابناء، القانون واضح لا لبس فيه، وهذا ينذر بالحروب القروية التي بدأت تستعر، اذ اولى شرارتها بدأت بين بلدتي ميفدون وشوكين، جغرافيا البلدتين مثابة بلدة واحدة لا يفصل بينهما سوى شارع، وابناء البلدتين يسكنون معاً، ولا خلافات بينهما سابقاً، غير ان تقسيم البنزين خلق المشكلة، اذ أن صاحب “المحطة” من بلدة شوكين ويقطن في بلدة ميفدون وبالتالي البنزينات داخل محطته حصراً لأبناء ميفدون، ومُنعت عن أهل شوكين، ما سعّر الاشتباك على صفحات التواصل والرد والرد المضاد بين البلدتين ولا تخفي المعلومات انه قد يترجم بأي لحظة اشتباكاً مسلحاً على الارض ما لم يتم تدارك الامر. وتقول مصادر محلية: “مع الأسف نعاني اليوم ازمة وعي وخطر التقسيم الذي دخل الى المنطقة من بوابة محطات البنزين التي يبدو أنها ستعزل القرى عن بعضها البعض، أولاً بسبب حصر البنزين بأبناء البلدة دون سواهم، رغم أن التنظيم يمكن أن يطال كل مقطوع ويمنع بائعي السوق السوداء. وثانياً بسبب الاشتباكات التي بدأت تقع بين القرى، وتؤجج الحقد والكراهية تماماً كما حصل بين بلدتي بريقع والقصيبة حيث الخلاف على اوجّه في هاتين المقاطعتين. ويبدو ان الوضع فلت عن السيطرة، وخرج من يد الاحزاب ايضاً، رغم أن البلدتين محسوبتان على حركة “أمل”. هل خرجت الامور عن السيطرة في بريقع والقصيبة؟ كل الاحتمالات واردة، سيما وأن الكل ينتظر بعضه “عالمفرق”، وما تمزيق صورة الرئيس نبيه بري في القصيبة سوى تأكيد على ان “القلوب مليانة” وقد تتطور في اي لحظة، خاصة بعد كيل الاتهامات التي ساقها شباب القصيبة في بيانهم ضد بريقع والقاضي عباس جحا والعميد يوسف دمشق (ابو خشبة) محمّلينهم مسؤولية تدهور الامور، بعد عمدهم، وفق شبان القصيبة، الى الافراج عن مطلق النار على احد ابناء بلدتهم.
كل ذلك يشير الى ان البلدتين تعيشان وضعاً لا تحسدان عليه، وكل المؤشرات، تقول المصادر، تتجه نحو تفاقم الوضع في اي لحظة وعند اي مفرق، فالحدود بين البلدتين خطوط حمر هذه الايام، واللغة السائدة “القصف بالعصي”. وقد حمّل شباب القصيبة الجهات المعنية كامل المسؤولية عن كل التداعيات وردات الفعل، وعن اي نقطة دم قد تراق من وراء هذا الاجراء الذي ينمّ عن عدم الشعور بالمسؤولية.
بعد اشكال الامس بين المقاطعتين فإن كل السيناريوات ” لبروفة الحرب القروية” باتت مطروحة ولا تستبعد المصادر وقوعها في اي لحظة، سيما وان القلوب مليانة وإن كان البنزين هو الشرارة.
ولا تخفي المصادر قلقها من تطور المعركة بالامس لتطال سيارة الاسعاف التي تنقل الجرحى في دليل على تفاقم الخطر، رغم أن البلدتين محسوبتان سياسياً على “أمل”، ما يعني ان المعركة “أهلية بمحلية”. فهل تضع الحركة عشية تغييب السيد موسى الصدر ميثاق حماية القرى، او تترك الامور تسير نحو الفلتان؟
على ما يبدو فإن تقسيم القرى دخل حيز التنفيذ، ومن المتوقع ان تتحول القرى خطوط تماس، وما عجزت عنه إسرائيل في احتلالها، نجح تجار البنزين ومحتكرو السلطة في تحقيقه من دون ضربة كف من ازلام السلطة، الذين حولوا ابناء البلدات كرة نار ملتهبة تؤجج لفتنة خطيرة ما لم يتم وضع حد لها. ولا تخفي المصادر أن الناس محتقنة، وترى ان حقوقها مصادرة، فهي تواجه أزمة امن غذائي من ناحية فطعامها مهدد سيما الخضار آخر فصول الموجود، وأمنها القومي كذلك، والشرارة انطلقت من فدرلة البنزين التي ستطول كل باقي السلع، وهذا له تبعات خطرة من ناحية، وقد تكون له تبعات ايجابية من ناحية ثانية، اذ تقول المصادر “إن الفدرلة المستجدة قد تجبر الاهالي على العمل على تأمين أمنهم الغذائي واعتماد نظام المقايضة الزاحف بقوة نحو القرى بعد ان تصبح العملة، عملة نادرة”.