فان غوغ وكلوديل وسمير جعجع ولينين

كتب النائب بيار بو عاصي في صحيفة “نداء الوطن”…

صهيوني صهيوني، سمير جعجع صهيوني.

هستيريا جماعية تلفّ النسخة المحلية من الجماهير السوفياتية فتتلفها.

كوفية تخفي معالم الوجوه ولا تحجب نظرات تستشيط غضباً من دون تبيان الاسباب أو ربما معرفتها.

أريدَ غالباً لتلك الكوفية ان تكون فلسطينية. لكنها قد تكون أردنية او سورية او عراقية او ربما، لا سمح الله لينين، خليجية.

اما الصرخة – الصدحة فهي أممية، شيوعية، تطلقها افواه مخفية.

بصراحة، “ما فهمنا شي”.

شيوعيون بولشيفيون ثائرون، يعيدون تمثيل ثورة اكتوبر في شوارع الاشرفية، نصرة لفلسطين المغتصبة، على ان يُسند دور عدو الشعب لسمير جعجع عوضاً عن القيصر نيكولاي رومانوف الثاني.

لتفسير الظاهرة العجيبة تلك، لا بدّ من العودة الى احداث تاريخية، مختلفة في طبيعتها، مشابهة في دلالاتها.

في قرية آرل، جنوب فرنسا، حصل اشتباك بين الرسامَين العبقريين المجنونين ڤان غوغ وغوغان. كان ذلك قبيل عيد الميلاد عام 1888. في نوبة غضب وجنون، أخذ ڤان غوغ موسى الحلاقة وقطع به أذنه اليمنى. وضَّب اذنه المقطوعة وذهب الى راشيل، احدى فتيات الهوى، فأهداها لها. أغمي على راشيل على الفور ولو لم يُغمَ عليها لقالت: يقلع دينتك اكتر ما انقلعت. مين مطالبك بهيك هدية؟ عاد ڤان غوغ ورسم نفسه ملفوفاً بالضمادات. انها ظاهرة موجودة لدى المضطربين عقلياً وتُعرف ببتر الاعضاء او automutilation.

بعدها بسنتين، رسم ڤان غوغ في أوفير سير واز Auvers sur Oise لوحته الاخيرة بعنوان “جذور الاشجار” واطلق طلقة في صدره ومات بعد يومين، في 29 تموز 1890. كان عمره 37عاماً.

ڤان غوغ، عبقري مجنون، اتحف الانسانية بعبقريته وعاش في وحدته معاناة جنونه ومآسيه.

في نفس الحقبة تلك، أُغرمت النحاتة الشابة كمي كلوديل بالنحات الاشهر في عصره، أوغيست رودان.

فضّل رودان على الشابة الحسناء المثقفة الموهوبة، شقيقة الكاتب والشاعر والديبلوماسي پول كلوديل، عاملة خياطة، شبه أمّية ومتقدّمة في السن فتزوجها.

جُنَّت كمي وعاشت في بيتها في جزيرة سان لويس في باريس، تأكل البيض المسلوق فقط لا غير، لمدّة اربعين عاماً، مخافة أن يدسّ لها عشيقها النحات السم في دسم الطعام. ماتت كلوديل في 19 تشرين الاول عام 1943. كان عمرها 79عاماً. تذكّر التاريخ ابداعها الفني وتناسى جنونها، كما ڤان غوغ.

المشكلة مع من يسمّون انفسهم يساريين او شيوعيين، انهم مقتنعون بأنهم اذا قطعوا آذانهم أو اكلوا البيض المسلوق طيلة حياتهم سوف يصبحون مثقفين موهوبين مبدعين كما ڤان غوغ وكلوديل. واذا لم يكن البتر والبيض حلاً يبقى الانتحار ملاذاً، كما ڤان غوغ، ولو انهم يفضّلون الانتحار الجماعي. في الجماعة شيء من الشيوعية.

يعتقد هؤلاء بأنهم اذا لبسوا الكوفية او البيريه سيصبحون مناضلين أمميين، اين منهم تشي غيفارا و”هو تشي مين”. غطاء الرأس أهم من محتواه.

على طريق اسقاط الامبريالية وتحرير القدس، تبقى جونية ممرّاً الزامياً وبخاصة انها على طريق معراب، الا اذا قرّروا سلوك طريق بكفيا – القليعات، فتنجو جونية.

إنطلق حفل كوكتيل المولوتوف من الجميزة، مقرّ المقاهي والكوكتيلات على انواعها، وجرى البحث عن مفتاح معراب بين مساكب الحبق والزهور على درج مار نقولا.

ماذا جرى على المرفأ منذ عام، ما حال المصابين وأهاليهم، اين الحقيقة والعدالة، كيف سيُعاد اعمار المرفأ، ما السبيل لعدم تكرار الكارثة المأساة؟ كلها اسئلة هامشية هزيلة امام عظمة الحلم الشيوعي ونجاحاته المدوّية في لبنان والعالم.

سمير جعجع صهيوني ولمن لا يصدّق التهمة يُعَدُّ له كوكتيل معالي وزير خارجية الاتحاد السوفياتي الرفيق ڤياتشسلاڤ مولوتوف. مشكلته انّه يتسبّب أحياناً بالحرقة ولكن الاصل النيّة.

إجترار الشعارات الممجوجة في غير مكانها وزمانها مقزّز كأُذن ڤان غوغ المبتورة وخالٍ من النكهة كبيض كلوديل المسلوق. انه دليل تخلّف فكري مدمِّر وعقيم.

أما اجتراح الحلول فهو فنٌّ مبدع كفن ڤان غوغ وكلوديل، ينبثق من تحديات المجتمع ويؤسِّسُ لإنسانٍ أرقى ولمجتمع اكثر استقراراً وازدهاراً ولمستقبل اكثر اشراقاً.

هذا تحديداً ما تسعى اليه “القوات اللبنانية” ولهذا تحديداً حُلِّل ويُحلَّلُ دمها كل يوم.

شاهد أيضاً

هكذا يُفشل اللبنانيون محاولات “إسرائيل بالعربية” زرع الفتنة بينهم

سعت إسرائيل مؤخرا، عبر حملات منظمة، إلى إشعال نار الفتنة المذهبية في لبنان وخاصة بين …