كتب عيسى يحيى في “نداء الوطن”:
لم يأتِ زمن الصوم وشهر رمضان المبارك بجديدٍ على اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين، سوى بالغفران والرحمة، فالصيام عن الكثير من الأصناف واللحوم والدجاج يعيشونه منذ أكثر من سنة، في ظل أزمةٍ إقتصادية خانقة أربكت حياتهم.
إستفحل الغلاء بشكل جنوني مع بداية شهر رمضان وتزامناً مع الصوم عند الطوائف المسيحية، وحلقت الأسعار على أكثر من مستوى، حيث بات تأمين الخضار صعب المنال، ويعجز الكثيرون عن تأمين ما يحتاجونه هذه الأيام من مأكل وموائد افطار، وغاب الكثير من الطقوس الرمضانية بدءاً من الزينة الى تبادل أطباق الطعام بين الجيران، وما بينها إحجام العديد من الناس عن الصوم حتى لا يشتهي أبناؤهم طعاماً وحلويات ليس بمقدورهم تأمينها. أشبه بأسعار المجوهرات أصبحت أسعار الخضار والحشائش التي تلزم صحن الفتوش ضيف سفرة رمضان الدائم، بهذه الكلمات تصف الخمسينية أم حسين حال الارتفاع الجنوني الذي وصلت اليه الخضار رغم تطمينات وزير الزراعة، وتقول لـ «نداء الوطن» إن قدرة عائلتها على تحضير الفتوش يومياً باتت مستحيلة، «ففي حسبةٍ بسيطة بات يكلفنا كعائلة من خمسة أشخاص أكثر من مئة وخمسين ألفاً، فكيلو البندورة وصل الى ثلاثين الفاً كذلك الخيار، والفجل والنعنع والزعتر وأصناف غيرها وصل سعر الباقة منها والتي تراجع حجمها حكماً الى 15 الف ليرة لبنانية»، اما عن اللحوم والدجاج فتترحم عليها فقد أصبحت خارج الأطباق التي تعدها على الافطار، مضيفةً «أن أقصى ما يستطيع المواطن تأمينه هو أن يدخل على عائلته بكيس بطاطا وكيس بصل لتحضير وجبة، فالعادات تغيرت والأولويات تبدلت، ولولا اتقاء الله لا أحد يصوم».
اعتاد أهالي بعلبك في كل موسم رمضاني على «رغيف رمضان» الذي يميز المدينة، فتراه مكوماً فوق بعضه على طاولةٍ أمام الفرن، تسابقك اليه رائحته التي تفتح الشهية قبل الافطار، حيث يعدّه الفرّان إما من السكر أو التمر. ويؤكد محمد صاحب احد الافران لـ»نداء الوطن» أن الناس اليوم تعجز عن شراء رغيف رمضان أيضاً، فقبل الأزمة كان سعره ثلاثة آلاف ليرة، ليبدأ بالصعود مع ارتفاع أسعار المواد التي يتم تحضيره منها كالطحين والسكر والزيت وغيرها، وهو اليوم يكلف 35 الف ليرة، فيما يصل سعر الرغيف الإكسترا الى 80 ألفاً، وبات للميسورين أيضاً فيما كان سابقاً رغيف الفقراء.
تراجع البعلبكيين عن شراء اللحوم والدجاج يقابله اختفاء الحلويات عن الموائد والسهرات أيضاً، فمحال الحلويات تعمل على «التوصاية» فقط او بكمياتٍ قليلة، فأسعارها باتت مرتفعة أيضاً لارتباطها بأسعار المواد الأولية، لتضاف الى لائحة الممنوعات، ويكتفي البعض بتحضير ما أمكن في المنزل لزرع البهجة في قلوب الأطفال وعدم حرمانهم من العادات الرمضانية.
في سوق بعلبك حركةٌ أقل من عادية، لا زحمة في المحال التجارية التي يبيع معظمها على سعر صرف للدولار يتخطى الـ35 ألفاً، ولا زحمة في سوق اللحامين أو أمام الأفران لتحضير الصفيحة البعلبكية، أما السحور فلحق بركب الافطار، حيث غاب العديد من الأصناف كالاجبان والألبان عن الموائد ويقتصر اليوم على صنفٍ واحد، لتبقى دعوات الناس الى أن يمرّ شهر رمضان بخير وأن ينزل الرحمة في قلوب التجار ويخفضوا الأسعار لا أن يتنافسوا على الصفوف الأولى في الصلاة