كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
يعتمد رئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي أسلوب التودد والديبلوماسية المفرطة في مفاوضاته الحكومية مع رئيس الجمهورية ميشال عون، لاعتقاده أنّه سيحرج الفريق العوني ويدفعه إلى القبول بما لم يقبل به مع سلفه، سعد الحريري. يظنّ أنّ الجلوس على نحو يومي، أو أسبوعيّ قبالة رئيس الجمهورية لطرق المنافذ الموصدة في التعقيدات الموروثة عمن سبقوه، قد يشرّع أبواب السراي الحكومي أمامه. ويعتقد أنّ الدمار الاجتماعي والاقتصادي الذي يتعرّض له البلد قد يشكّل عامل ضغط مساعداً قد يؤدي في نهاية المطاف إلى التقائه عند خطّ وسطي مع الفريق العوني… ويتناسى أنّ حسابات الأخير أعقد وأقوى من أن يهزّها تبدّل الوجوه المكلّفة، أو أن تصير موضع تنازل أو تسهيل بمجرّد الرهان على العوامل المذكورة أعلاه!
ولهذا مثلاً، لم تؤد اللقاءات الستة التي عقدها ميقاتي إلى الآن في قصر بعبدا إلى نتائج سريعة تواكب الانهيار المتسارع، على الرغم من الأجواء الايجابية التي يحاول بثّها أمام الرأي العام، لكنه يخشى في قرارة نفسه من أن يكون “طريقه مسدوداً، مسدوداً”، خصوصاً وأنّه لا يزال حتى اللحظة يتجنّب الخوض في العقد الفعلية ويتركها إلى حين الانتهاء من بقية المسائل. ولذا رحّل مشوار اسقاط الأسماء إلى المربع الأخير، لأنّ كلّ الايجابية التي يتحدث عنها سرعان ما قد تتبخّر حين يبلغ قعر الأزمة الحكومية فيواجه مصيراً قد لا يكون مختلفاً عن مصير من سبقه.
ولعل أول تلك المؤشرات السلبية التي يتجنّب ميقاتي التعاطي معها بمنطق حاسم، هو منطق الازدواجية المتناقضة، التي يختبئ خلفها رئيس “تكتل لبنان القوي” جبران باسيل. يتعاطى الأخير بكثير من المواربة مع الملف الحكومي لاعتقاده أنّه من السهل اقناع الرأي العام أنّه غير معنيّ بتفاصيله وأنه لا يريد شيئاً لنفسه أو لفريقه السياسي وأنّ الانتقال فوراً إلى صفوف المعارضة، ولو أنّ العهد هو عهد مؤسس تياره، سيأتي بالمنّ والسلوى من صناديق الانتخابات النيابية.
غريب أمر جبران باسيل. اعتمد اللعبة ذاتها مع تكليف الحريري، وراح العونيون يكررون يومياً على مسامع اللبنانيين إنّهم سيسهّلون مهمة رئيس تيار المستقبل وسيتركون قرار منح الثقة أو حجبها إلى حين ظهور الحكومة، حتى راحت الوفود تغطّ وتطير في منزل باسيل للتفاوض معه على الحقائب والأعداد والأسماء!
حين التقى ميقاتي عشية تسميته رئيساً مكلّفاً، أسقط باسيل المشهدية ذاتها: لا نريد المشاركة في الحكومة والأمور متروكة لرئيس الجمهورية. في الشكل، باسيل يبقي مسافة بينه وبين مشاورات التكليف. في المضمون الشروط هي نفسها، سواء كان “تكتل لبنان القوي” شريكاً في الحكومة أو معارضاً لها. لا شيء تغيّر، لا في العدد ولا في المطالب ولا في توزيعة الوزارات.
حتى أن ميقاتي، يجاري باسيل في لعبة “التواطؤ المكشوفة”، لخشيته من نقمة الشارع عليه بفعل حملات الشيطنة التي سبق وشنّها تيار المستقبل ضدّ رئيس “التيار الوطني الحر”. يرفض أن يواجهه بالحقيقة المرّة وبأنّه هو من يدير مفاوضات التأليف من خلف الكواليس، بدليل مشاركة موظفين في رئاسة الجمهورية في اللقاءات التي يجريها رئيس الحكومة المكلّف مع رئيس الجمهورية، ولا يكتفي هؤلاء بنقل الرسائل إلى باسيل، لا بل يتولون وضع مطالب الأخير وأفكاره على الطاولة، ولا يترددون في استعادة بعض ما كان يطرحه الرئيس الحريري من باب “ترغيب” رئيس الحكومة المكلف بتلك “العروض”…
والأرجح أنّ ميقاتي يفضّل بدوره عدم مصارحة باسيل بسؤاله عن حقيقة ما يريده من الحكومة لكون الأخير هو الأشطر في نفض يديه وسرد عشرات الحجج والتبريرات التي تثبت بنظره أنّه بريء من دم التعقيدات الحكومية… فيما التهمة ثابتة عليه، وبالجرم المشهود!