أحيا المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى مراسم عاشوراء لهذا العام في مقر المجلس، برعاية رئيس المجلس الشيخ عبد الأمير قبلان.
وألقى نائب رئيس المجلس العلامة الشيخ علي الخطيب كلمة في الليلة الثالثة، قال فيها: “لا يمكن لنا ونحن نعيش اجواء كربلاء التي شكلت نقطة عطف تاريخي هام ومحطة فاصلة في المسار العام للمجتمع الاسلامي، لا يمكننا الا ان نبحث عن الاسباب الحقيقية الكامنة وراء هذا التحول، وهل ان لها في العمق اسبابه الخاصة او انه يخضع لقانون عام يتحكم بكل تحول تاريخي في حياة الامم والشعوب. لا اشكال ان لهذا التحول اسبابه المباشرة الظاهرية والخاصة التي قد نجد ايضا اختلافا في تشخيصها من باحث وآخر، فهذا التفسير والتشخيص محكوم ايضا لأسبابه الخاصة التي قد تخضع لمنطق الصراع وقواعده ومنطق المصالح الذاتية الفردية او الجماعية التي ينتمي اليها هذا او ذاك من الباحثين، وهو ما يعبر عنه بالخلفية الفكرية التي يرتكز اليها في تشخيص الواقع محل البحث، ولذلك كان من الضروري إن اريد الوصول الى نتائج صحيحة وموضوعية من توحيد المعايير بالاستناد الى القيم الفطرية التي يتساوى بنو البشر في ادراكهم ومعارفهم الاولية التي تشكل نقطة الربط والتواصل بينهم مهما اختلفت مستويات ادراكاتهم وتفاوتت معارفهم وثقافاتهم سعة وضيقا وتباينت اوضاعهم الاقتصادية ومواطنهم الجغرافية، ولذلك فليس من العبث وهو امر ضروري للاستقرار الجماعي اي ليس من العبث ان تتوحد هذه الاوليات من المدركات والمعارف لتكون الاساس الذي تبني عليها تواصلها ومصالحها واستقرارها السياسي والاجتماعي ونموها الاقتصادي وتقدمها العلمي في جميع المجالات. وما نراه من عدم استقرار ومن صراعات مدمرة بين الدول والمجتمعات المختلفة وانعدام الامن وطغيان العنف والمظالم والمآسي التي تفوق التصور وغياب العدالة الاجتماعية ليست إلا نتائج لتغييب هذه القيم وعدم الاحتكام اليها وجعلها المرتكز في العلاقات الانسانية الجماعية والفردية على السواء، وهي معايير اخلاقية وانسانية فطرية ضرورية”.
أضاف: “إن المفاهيم التي يتم استخدامها واطلاقها على بعض الممارسات كالعدوان والعدالة والظلم والحرية وحقوق الانسان ما هي إلا مفاهيم تنتمي لمنظومة القيم الأخلاقية هذه، ومع تجاوزها واعتماد معايير اخرى كأساس وقاعدة تبنى عليها علاقات بين الجماعات والافراد ثم الحكم عليها بأحكام اخلاقية ومحاكمتها بمعايير لا تنسجم مع منطقها فهذا امر فيه تهافت وغير منطقي. الصراع والحياة للأقوى والاستئثار وما شاكلها من مبادىء هي قيم غير اخلاقية التي دفعت نحو احتدام الصراعات الدولية والمظالم الاجتماعية والفردية واخلت بالاستقرار السياسي والاجتماعي وادت الى نتائج كارثية على كل المستويات.
وأشار إلى أن إن الصراع بين هذين النهجين قديم قدم وجود الانسان، بل يمكننا القول أبعد من ذلك فمنذ ان أخبر الله تعالى الملائكة والجن بأنه عازم على ان يجعل في الارض خليفة وامرهم بالسجود له تكريما وقع الانقسام بينهم، فالملائكة لم تتردد في الامتثال للأمر الالهي بينما إبليس أبى الاستجابة والخضوع لارادة الله تعالى، وقد كان هذا الانقسام في حقيقته مظهرا لأول مرة في تاريخ الوجود للنحوين من القيم، وعلى أساس منهما هذا الصراع التاريخي بين خطين الأول هو التمسك بالقيم الاخلاقية والاحتكام اليها بالممارسة في كل شؤون الحياة وفي العلاقات حتى وعندما تتباين المصالح وتختلف وان هذه القيم هي قيم الحق والعدالة التي تحقق المصلحة الحقيقية للانسان فردا وجماعة وتجلب الامن والاستقرار في الحياة وتجنب البشرية الحروب والويلات، وهو مذهب يستند كما هو واضح على قاعدة الايمان بالله تعالى واليوم الآخر”.
وتابع: “إن الحياة ليست محدودة بهذه الحدود المادية فقط وانما تتسع بشكل آخر من الحياة نصنعها بأنفسنا وتعكس صورة اعمالنا (وان ليس للانسان الا ما سعى وان سعيه سوف يرى) (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقل ذرة شر يره). لقد كان ايمان الملائكة بالله تعالى واعترافها بحقيقة الوجود كافيا لدفعها الى تنفيذ أوامره وشكره والخضوع له بينما انف ابليس عن الاستجابه مدفوعا باستكباره الذي منعه من الخضوع والاعتراف بالحقيقة ودفعه لمعصية المنعم عليه عن علم ومعرفه متذرعا بحجج واهية لا تستند الى برهان واقعي ليبرر بها عصيانه وتمرده بدافع من عوامل نفسية تغلبت عليه وهي العنصرية والشعور بالكبر والتمايز فكان ان طرد من ملكوت الله ورحمته الى الابد. ولقد شكل هذا الانقسام القيمي اذا صح التعبير اساسا لكل اشكال الصراع الممتدة على مدى التاريخ الانساني حيث وجد كل واحد منها أتباع وأنصار، ولقد كان العداء الأموي للاسلام الذي مثل رأس الحربة للقوى المضادة في هذا الصراع واحدى محطات الصراع بين هذين الخطين بين الحق والباطل الذي يمثله الاسلام. الصراع بين هذين الخطين اللذين اطلق عليهما بحق الحق الذي يمثله الاسلام بشخص رسول الله ووصيه علي بن ابي طالب وأبنائه الحسن والحسين في هذه المرحلة والباطل الذي يتزعمه الخط الاموي ويرمز اليه ابو سفيان الذي خاطبه علي عليه السلام بعد واقعة السقيفة المشؤومة حين أتاه يعرض عليه النصرة زاجرا له (انك والله ما أردت الا الفتنة وانك طالما بغيت الاسلام شرا…)”.
واعتبر أن “ثورة الامام الحسين شكلت انتصارا للنهج القيمي الاخلاقي الذي كان مقدرا له الزوال على يد النهج الاموي بعد اقصاء أهل البيت من تبوء قيادة الدولة. فهي مدينة في بقائها للدماء الزكية التي سفكت على صعيد كربلاء والتي لم يساوم الامام الحسين عليها فهو مؤتمن على هذه القيم التي ترخص في سبيلها أغلى التضحيات”.
وقال: “إن إحياءنا لذكرى عاشوراء انما هو لإحياء هذه القيم، قيم الحق والعدل التي هي قيم الدين الحنيف، تشكل فيها المجالس العاشورائية تجديدا للعهد مع الحسين عليه السلام والإسلام ومع المبادئ التي استحقت دماءه ودماء اعزائه وأنصاره المقدسة، ولنصحح ما اختل منها في حياتنا ونعيد رسم طريقنا في الحياة على أساس منها، سواء ما تعلق بأمورنا الشخصية أو ما تعداها الى الاخرين بالاستقامة والتقوى وأداء الحقوق الى أهلها مادية ومعنوية وان يكون في الميزان فيها الحق لا الهوى ولا الشعور بالقوة فيدفعنا الى ظلم الاخرين والتجاوز على حقوقهم والعدوان عليهم فنرفض ذلك في أنفسنا ولا نقبله، كما نرفضه من الاخرين ونحفظ كراماتنا ولا نقبل بأن يتعمد أحد هتكها ونساوي في ذلك بين القوي والضعيف، فلا نتعامل بميزانين ميزان للقوي وميزان آخر مختلف مع الضعيف تدفعنا قوة القوي الى مسايرته والسكوت عن ظلمه وتجاوزه بينما يكون الامر مختلفا مع الضعيف فنطبق عليه الحق بل ربما تجاوزنا العدل في ذلك مستضعفين له”.
أضاف: “أيها الأخوة والاخوات، اتقوا الله في أنفسكم بأداء الفروض والواجبات التي فرضها الله عليكم ولا تتهاونوا بأداء الصلاة فإنها الصلة بينكم وبين ربكم إن قطعتموها قطعتم الحبل الذي يربطكم بالله وحرمتم رحمته وغفرانه، وكذلك الصدقات والحقوق التي فرضها الله للفقراء والمحتاجين فإنها زكاة لكم ينمي بها أموالكم ويدفع بها البلاء عنكم وعن اهلكم فلا تبخلوا خوف الفقر فإنه كفر بالله تعالى واتهام له بالبخل، خصوصا في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد التي اتسع فيها الفساد وأدت السياسة الإقتصادية الى افقار الناس وسلبهم مدخراتهم من قبل طبقة سياسة يحصنها النظام الطائفي الفاسد الذي يدفع الى التحاصص ويعطي الحصانة الطائفية للمرتكبين، ويقف اللبنانيون عاجزين عن المحاسبة حتى في الانتخابات التي شرعت كباب للمواطنين يمكنهم من خلالها محاسبة المقصرين والمرتكبين، فكيف يمكن الخروج من هذا المأزق الوطني الذي أفقر العباد وسلبهم أمنهم الاقتصادي واعجزهم عن ادنى مقومات الحياة وجعلهم في حالة خوف على المستقبل ينتظرون ما يفعل بهم دون ردة فعل”.
وتابع: “ليس الحل مستحيلا عندما يريد اللبنانيون أن يبنوا وطنا وأن يتعاملوا مع بعضهم كمواطنين مصيرهم واحد لا كمجموعات طائفية لها مصالحها الخاصة، اقتصادها الخاص وأمنها الخاص، فحينما تتعرض بعض المناطق ذات أغلبية سكانية خاصة لا يرى فيها الآخرون خطرا على البلاد لأن الذين يتعرضون للخطر ليسوا من طائفتهم وأن مصالحهم مصانة بل قد يتآمر بعضهم على البعض ويستدعون قوى عدوة للانتقام من البعض الآخر، لذلك أتوجه إلى أهلنا وإخواننا بالعمل على حفظ اللحمة الداخلية وعدم الإنجرار إلى ردات الفعل التي يريدها العدو، ويتعاونوا معا على قضاء حوائج بعضهم البعض حتى تمر هذه المرحلة بأقل الخسائر التي يريد العدو أن تكون كبيرة ليس أقلها الاستسلام لإرادته مع العلم أنه حتى مع الاستسلام لن تكونوا أفضل حالا مما وصلتم اليه من الحصار والإفقار وفوقها العيش الذليل. وها هي التجربة في الاتفاقيات الذليلة التي عقدها بعض الانظمة العربية مع الكيان الصهيوني واعلموا ان القليل من الصبر نهايته الكثير من النصر.
وختم: “اتوجه إلى الحكومة المستقيلة واطالبها بتقديم الممكن من مقومات العيش للمواطنين كما ادعوها الى ملاحظة حال الذين تآكلت رواتبهم واصبحوا عاجزين عن تأمين ادنى حاجيات العيش الكريم، كما اتوجه الى السياسيين الممسكين برقاب اللبنانيين رهائن لتحقيق مصالحهم أن وفروا بعض المعاناة على اللبنانيين وتخلوا عن بعض أطماعكم وتنازلوا عن بعض طموحاتكم وأفرجوا عن هذه الحكومة التي تشكل خشبة خلاص للبنانيين، ان كل اذى يتعرض له اللبنانيون وان كل مريض سيموت على ابواب المستشفيات او لا يجد حبة الدواء فإنكم تتحملون مسؤوليته ليست الاخلاقية فقط وانما مسؤولية الجنائية”.