أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مسجد بلدة لبايا، والقى خطبة الجمعة فقال: “يقول تعالى في كتابه العزيز (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا). تتناول هذه الآية المباركة مسألة في غاية الأهمية والخطورة تتعلق بالانتظام العام وفصل الخصومات بين المتخاصمين وهي مسألة القضاء، وأن يكون الميزان هو العدل، (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)”.
اضاف: “وفي آية أخرى وهي قوله تعالى مخاطبا داوود (يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله، إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب)، حيث تطرق الى الجهة المخولة بالقضاء وأنه الخليفة المنصوب من قبل الله تعالى حيث خاطب الحق تعالى داوود النبي بأنه قد جعله خليفة ورتب على ذلك جعل الأمر له بأن يحكم الناس بالحق وألا يتبع الهوى فيكون اتباع الهوى وعدم الحكم وفق الحق سببا للضلال عن سبيل الله، ثم توعد الذين يضلون عن سبيل الله ولا يتبعون سبيله بالعذاب الشديد، وعقب على ذلك ببيان سبب الضلال واتباع الهوى واستحقاق العذاب بذلك بنسيان يوم الحساب وأنهم مطالبون يوم الحساب عن تقديم الجواب على ترك العمل بموازين العدل والحق التي أمروا باتباعها، ومنها عدم تحكيم من أمروا بالرجوع اليهم في فصل الخصومات بينهم ممن تتوفر فيهم الشروط التي فرض الله تعالى توفرها فيهم من العلم بأحكام الله تعالى والقدرة على استنباط الاحكام من مصادرها الشرعية وهي الكتاب والسنة والعقل، التي اصطلح على تسميته بالاجتهاد،”.
واكد ان “من شرط العدالة أن يكون الانسان على قدر من التقوى والتزكية للنفس بحيث يستطيع مقاومة الضغوط والإغراءات التي يتعرض لها القاضي سواء من المتقاضين أو المتنفذين، وأن يحافظ على اتزان يمكنه من التمسك بالحكم بموازين الحق والعدل التي أمر الله تعالى بالتمسك بها، فلا ينحرف عنها تحت التهديد والتخويف أو تحت الاغراءات المادية او يستخدم القضاء لغرض الانتقام الشخصي أو الحزبي السياسي كما يحصل في كثير من الأحيان، ويكون القضاء أداة للانتقام السياسي استجابة لقوى سياسية داخلية أو خارجية لتنفيذ أجندات غير وطنية ترتبط بمصالح دولية تقف بعض الجهات عائقا أمام تحقيق هذه المصالح”.
وقال: “ولأن القضاء عرضة لمثل هذه الأمور يحتاج الى توفير جملة من القضايا التي تحصنه قدر الإمكان وتجعله بمنأى عن الخضوع للابتزاز أو الإغراء أو الوقوع تحت تأثير المصالح الخاصة أو تأثيرات العوامل النفسية والأخلاقية، وهذه عوامل يعود تأثيرها الى البنية الشخصية للقاضي الفكرية والاخلاقية والنفسية والى سلامة السلطة القضائية ومدى نجاعة النظام القضائي وجعل القضاء في مأمن من الاختراق بسبب مكامن الضعف في هذا النظام التي من جملتها عدم استقلالية السلطة القضائية عن السلطة السياسية وارتباطها بها”.
اضاف: “لقد كانت مسألة استقلالية القضاء من أكثر الأمور إلحاحا لضمان سلامة عمل هذه السلطة والقيام بدورها في استقامة الاجتماع الإنساني والحفاظ على النظام العام للمجتمع حيث من دونه ستعم شريعة الغاب وتنتشر الفوضى ويأكل القوي الضعيف، كما هو حاصل فعلا في أكثر بلدان هذا العالم الذي تتعرض شعوبه للمظالم وتستقوي عليها أنظمتها بالقمع وتعطيل عمل السلطة القضائية أو استخدامها أداة للقمع ويشرع الظلم باستخدام القضاء لاستصدار أحكام قضائية لا تمت للعدالة بصلة بتهم باطلة يجبر على الاعتراف بها المحكوم عليهم باستخدام أبشع أنواع التعذيب بل يعمل على التفنن بإيجاد وسائل للتعذيب وأخذ الاعترافات من المعتقلين بشكل لا يتصور ولا يراعى بذلك أي حق من حقوق الانسان أو كرامته أو حرمته. ولم تكن مع ذلك المنظمات الدولية التي أدعي انشاؤها بهدف الدفاع عن حقوق الانسان إلا أداة للضغط والابتزاز السياسي على هذه الدول من أجل الحصول على المزيد من المكاسب لصالح الدول الكبرى التي لم تكن يوما صادقة في العمل على تحقيق مصالح الشعوب المظلومة أبدا، ولقد ابتلي القضاء اللبناني للأسف بهذه الآفة ووقع تحت تأثير القوى السياسية الداخلية والدول الأجنبية ذات النفوذ، واستخدم من أجل تحقيق مصالح الكبار والانتقام ممن يقف عقبة أمام هذه المصالح وهذه القوى الدولية واستغلال ما يحدث في الداخل من اجل الانتقام السياسي للحصول على مكاسب سياسية لم يحصل عليها بقوة السلاح وخوض الحروب العسكرية والاقتصادية والسياسية والإعلامية”.
وتابع: “إن ما يحدث للأسف اليوم في لبنان من استخدام للقضاء في قضية المرفأ ليس من اجل تحقيق العدالة أو من أجل إنصاف أهالي الشهداء والجرحى، وإنما كان القضاء الى جانب الحملة الإعلامية التي تسخر لها قنوات تلفزيونية وإعلامية أدوات لتضليل الحقيقة وتوجيه الاتهام الى المقاومة، شارك فيها سياسيون وإعلاميون ورجال دين، واستخدمت فيها ورقة الطائفية لتأليب الرأي العام اللبناني والدولي على قوى المقاومة لتحقيق ما عجزت عنه آلة الحرب الإسرائيلية والقوى التكفيرية، وخرجت منها قوى المقاومة منتصرة وأقوى مما كانت، وفشلت كل أساليب الخداع والمكر في حشر قوى المقاومة، وانكشفت أهداف هذه الحملة الخبيثة وبان الصبح لكل ذي عينين. لذلك أقول، يكفي لبنان واللبنانيين هذا الاستخفاف بعقولهم وبحياتهم وباستقرارهم كل هذه السنوات حيث دمرت مقدرات هذا الشعب لوضعه في مواجهة مع المقاومة التي تشكل ملاذه الوحيد في مواجهة أطماع العدو الصهيوني ومن خلفه في أرضنا ومياهنا ونفطنا وغازنا”.
واكد انه “كما استطاع هذا الشعب الأبي أن يحقق الانتصار على الغزاة وينتصر في معارك الشرف والتضحية ويهزم العدو ويجبره على الانسحاب من أرضنا ويحرر تراب الوطن من رجسه، فإنه سيتغلب على هذه المحاولات الفاشلة سواء باستخدام القضاء الفاسد في هذه المعركة الخاسرة أو الحصار الجائر ويفرض إرادته ويحافظ على حريته وكرامته ولن يستطيع أحد أن يلوي ذراعه أو يكسر إرادته بإذن الله تعالى. وعلى اللاعبين السياسيين في الداخل أن يختصروا الطريق وأن يخففوا العبء على أنفسهم وعلى الناس وعلى البلد بالخروج من هذه اللعبة الخبيثة وإخراج القضاء من أن يكون أداة للصراع السياسي، فإن هزيمة المقاومة حلم كحلم إبليس بالجنة”.
وقال: “بدلا من هذا العبث، فإن الجهد يجب أن ينصب على حل المشكلات الداخلية والأزمات الاقتصادية والنقدية والاجتماعية لتعود الحكومة الى الانعقاد وتقوم بدورها الانقاذي بالقدر الممكن وتنفذ ما وعدت به من حلول تخفف الوطأة عن الناس بإصدار البطاقة التمويلية وعدم التأجيل من أجل استغلالها في ابتزاز المواطنين لغايات انتخابية وتنفيذ ما وعدت به من زيادة أجور النقل والتقديمات الاجتماعية وإلا فإن النار ستأكل الجميع ولن تستثني اللاعبين بها”.
واضاف: “نحن اذ نستنكر الصاق تهمة الإرهاب زورا بالمقاومة في افتراء واضح بغية إيجاد شرخ بين المقاومة وشعبها خدمة للعدو الصهيوني، فإننا نطالب الدول والمنظمات الدولية بالتحرر من الهيمنة والضغوط الصهيو أميركية والتراجع عن قراراتها الجائرة خدمة لمصالح شعوبها”.
وختم: “ان تصاعد الحرب العدوانية ضد لبنان بعناوين اقتصادية ومعيشية واخرى تحريضية واعلامية تستدعي أن يتمسك اللبنانيون بوحدتهم الوطنية ويتضامنوا في ما بينهم بوجه المؤامرات والتحديات لتجاوز الازمات المفتعلة في معظمها لتحميل المقاومة مسؤولية التدهور الاقتصادي، فيما قدمت أعظم التضحيات لحفظ الوطن وتحرير الأرض وتحقيق العزة والكرامة الوطنية. من هنا نرفع الصوت عاليا لمناشدة العقلاء والحكماء والعلماء وكل مسؤول يتمتع بالحس الوطني ليتعاونوا على انقاذ لبنان والتصدي بقوة لمؤامرة تخريب لبنان وادخاله في أتون الفوضى والفتن المتنقلة التي تخطط لها الغرف الصهيونية السوداء انتقاما لاخفاقات العدو الصهيوني وهزائمه التي حققها لبنان بشعبه وجيشه ومقاومته على مدى عقود من الزمن”.