لبنان يُحيي استقلاله الـ 78 في ظروفٍ تُهدّد كيانه

كتبت بولا أسطيح في “الشرق الأوسط”:

بات اللبنانيون يحنون كل عام إلى العام الذي سبقه نتيجة التدهور المتواصل الذي يشهده البلد على المستويات كافة. فبعد أن أملوا في ذكرى الاستقلال الـ77 العام الماضي أن تكون الظروف أفضل في الذكرى الـ78، إذا بهم يواجهون اليوم مرحلة قد تكون الأصعب على الإطلاق التي يمر بها البلد منذ نشأته.

وللعام الثالث على التوالي، قلص اللبنانيون احتفالاتهم بذكرى الاستقلال إلى الحدود الدنيا. فبعدما تم إلغاء الاحتفال الرسمي في العامين الماضيين بسبب اندلاع الانتفاضة وبسبب كورونا، تم هذا العام تنظيم احتفال متواضع في وزارة الدفاع، إذ باتت الاحتفالات بالاستقلال أو بغيره من المناسبات، آخر ما يعني اللبنانيين المنهمكين بتأمين قوتهم اليومي ومقومات الاستمرار والصمود بعد فقدان معظمها نتيجة نضوب احتياطي الدولار لدى مصرف لبنان، ما يهدد بانهيار كل القطاعات وأبرزها قطاع الطاقة والقطاع الصحي بعد تلاشي معظم القطاعات الأخرى.

ويعيش اللبنانيون يومياً كابوس «سعر الصرف» مع فقدان الليرة اللبنانية خلال أقل من عامين أكثر من 90 في المئة من قيمتها أمام الدولار، إذ يبلغ سعر الصرف حالياً نحو 23500 ليرة لبنانية للدولار الواحد بعدما لم يكن يتجاوز في ذكرى الاستقلال العام الماضي عتبة الـ8500 ليرة، ونحو 1500 ليرة في العام الذي سبقهما. وبعدما كان كثيرون يأملون خيراً بأن ذكرى الاستقلال الحالية قد تشهد وضع قطار الحل على السكة بعد نجاح القوى السياسية بتشكيل حكومة برئاسة نجيب ميقاتي، باعتبار أن ذكرى الاستقلال الـ77 ظللها تعثر مهمة سعد الحريري بالتشكيل، حل العام الـ78 للاستقلال والبلد غارق في أزمة حكومية – قضائية – دبلوماسية غير مسبوقة.

ويرد مدير معهد «الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية» ‬الدكتور سامي نادر، القطيعة الحاصلة مع دول الخليج، إلى «غياب القرار المستقل ووضع لبنان في المحور الإيراني»، معتبراً أن «البلد مخطوف ورهينة الصراع الحاصل في الإقليم، وهذا أمر لا يجب أن نعتاد عليه، بل أن نستمر في مقاومته بإطار مشروع استرجاع القرار اللبناني الحر والاستقلال، خصوصاً أن دول الخليج هي بالنهاية عمق لبنان الاقتصادي».
ويعتبر نادر أنه «لا يصح الحديث عن استقلال ومعظم مقومات السيادة مفقودة من حصرية السلاح إلى القرار السيادي بصناعة السياسة الخارجية وصولاً إلى سيادة مؤسسات الدولة، وعلى رأسها مؤسسة القضاء بغياب توازن السلطات الذي يشكل مبدأ أساسياً لسيادة الجمهورية وانتظام عملها»، مشدداً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على «أهمية الحياد كفكرة مرادفة للاستقلال باعتبارها أساس العقد المكون للبنان».
ولا يخفي نادر أن «الكيان اللبناني مهدد في حال استمر حزب الله بمشروعه وفي ظل التفوق العسكري للحزب، لأن ذلك سيؤدي لتقسيم لبنان، باعتبار أن هناك فئة كبيرة من الشعب ترفض هذا المشروع»، ويقول: «يمكن خطف القرار اللبناني لفترة، ولكن لا يمكن بناء استقرار دائم، ما سيؤدي حكماً لانهيار العقد الاجتماعي وتمزيق لبنان وتقسيمه».

وكما نادر، كذلك الخبير الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة، لا يعتبر أن استقلال لبنان قائم، خصوصاً استقلاله الاقتصادي نتيجة ربط اقتصاده بالخارج «ونتيجة حاجتنا للدولارات للاستيراد». ويبدو عجاقة متشائماً، إذ يرجح عبر «الشرق الأوسط» أن تتجه الأمور لمزيد من التعقيدات «في ظل توقعات سلبية للمشهد السياسي، ما يعني مزيداً من الغلاء والتضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، ما ستكون له تداعيات سلبية على النقد، خصوصاً في ظل مشاريع غير مدروسة لرفع الأجور وغيرها بغياب أي تمويل حقيقي».

ويشدد عجاقة على وجوب أن تحسم الحكومة أمرها، «فإما تعطي الأولوية للنهوض بالاقتصاد أو للمناكفات السياسية»، متحدثاً عن نوعين من الإجراءات واجب اتخاذها للخروج من الواقع الحالي، «إجراءات سريعة تتضمن محاربة التطبيقات التي تحدد سعر صرف الدولار في السوق السوداء والاحتكار والتهريب وإرغام التجار على القبول بالدفع بالبطاقات المصرفية والطلب من المصدرين إعادة دولاراتهم إلى لبنان مع الاحتفاظ بحقهم في التصرف بهذه الأموال». أما الإجراءات التي تلحظ المديين المتوسط والبعيد، فأبرزها «التفاوض مع صندوق النقد وإجراء الإصلاحات المناسبة وفق جدول زمني واضح».

شاهد أيضاً

هكذا يُفشل اللبنانيون محاولات “إسرائيل بالعربية” زرع الفتنة بينهم

سعت إسرائيل مؤخرا، عبر حملات منظمة، إلى إشعال نار الفتنة المذهبية في لبنان وخاصة بين …