أشار الرئيس فؤاد السنيورة لمناسبة عيد الاستقلال الى أنه في “هذا اليوم نستعيد الذكرى الثامنة والسبعين للاستقلال المفقود في لبنان”، وأضاف: “ها نحن نعيش في هذه المرحلة الصعبة التي انحسرت وتداعت فيها الدولة، وانحسرت فيها الثقة لدى اللبنانيين بالدولة ودورها وقدرتها على تأدية وظائفها في الحفاظ على السيادة والاستقلال وعلى الامن والأمان وعلى الحفاظ على كرامة اللبنانيين”.
وفي حديث لـ قناة “الحرة” أضاف: “ها هم اللبنانيون يرون بأم العين كيف فقدوا استقلال بلدهم الذي أصبحت تسيطر عليه وعلى دولته دويلة حزب الله، أي بعبارة أخرى ان لبنان الان اصبح عمليا محتلا من قبل الحزب، وهو الذي تأسس في لبنان في العام 1982 واكتسب قبولا لدى اللبنانيين من أجل ان يستعيد لبنان سيادته واستقلاله وكرامته بطرد المحتل الاسرائيلي، إلا ان الذي حصل بعد ذلك هو ان هذا السلاح وبدل ان يكون موجها نحو العدو الاسرائيلي، فانه أصبح موجها نحو صدور اللبنانيين وذلك بعد ان انسحبت اسرائيل في العام 2000، وبعد الاجتياح الذي قامت به اسرائيل في العام 2006”.
وتابع, “في هذا اليوم يتذكر اللبنانيون وبأسى كيف اصبحت دولتهم تسيطر عليها وتتولى السلطة فيها دويلة حزب الله والاحزاب المنضوية معه ولمصلحة الجمهورية الإسلامية الإيرانية. هذا هو الوضع الان بالمختصر يجعل اللبنانيين يرددون اليوم كما قال المتنبي “عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم بأمر فيك تجديد”.
وعن مراحل النمو والتراجع في لبنان، قال السنيورة: “بدون شك ان لبنان وعلى مدى العقود الماضية قد مر بمراحل عصيبة عديدة وتعرض لمشكلات وأزمات خطيرة وكبرى، ولاسيما بسبب الاجتياحات الستة المتكررة والمدمرة التي قامت بها إسرائيل ضد لبنان ولا سيما منذ العام 1969 وحتى العام 2006”.
مضيفا “لبنان عند حصوله على الاستقلال انبنى ميثاقه الوطني على سلبيتين، وهو ان لا يكون لبنان تابعا او منتدبا من قبل فرنسا وان لا ينضم او يكون جزءا من سوريا. هاتان السلبيتان حل محلهما عند ابرام اتفاق الطائف إيجابيتان، وذلك بأن لبنان عربي الهوية والانتماء، وان لبنان وطن سيد حر مستقل، وطن نهائي لجميع أبنائه بمعنى نهائية الكيان اللبناني”.
واستكمل, “هذا الاتفاق أطلق حالة نهوض في العام 92 ولا سيما مع مجيء الرئيس الشهيد رفيق الحريري خلال تلك الفترة. وبالرغم من ان لبنان تعرض خلال تلك السنوات للكثير من النكسات السياسية الداخلية وتعرض للكثير من العراقيل والاستعصاءات على الإصلاح وعلى مدى السنوات من العام 93 لغايه 2004. إلا أنه وبالرغم من هذا كله وكذلك بالرغم من التداعيات الخطيرة الناتجة عن المتغيرات والتحولات الهامة والخطرة في المنطقة، فقد نجح لبنان في تحقيق نهوض كبير حصل خلال تلك الفترة، وهو بالتالي ما سمح له ان يحقق تقدما على اكثر من صعيد وطني وسياسي واقتصادي وثقافي واجتماعي”.
وأردف, “بعد ذلك كانت المشكلات والازمات التي أدت الى اغتيال الرئيس الحريري وخرج بعدها الجيش السوري من لبنان وبدأ لبنان بعدها مرحلة الاستقلال الثاني. وكذلك بالرغم من ان لبنان تعرض للاجتياح الإسرائيلي المدمر في العام 2006، ولكنه استطاع ان يحقق انجازا كبيرا خلال تلك الفترة الممتدة من العام 2007-2010، وذلك بأن تكون لديه أطول أو أعلى فترة نهوض يمر فيها لبنان في عصره الحديث، وهو ما تظهره المؤشرات الاقتصادية والمالية والنقدية والسياسية وحتى الوطنية”.
وقال: “الامر الذي حصل بعد ذلك كان في بداية العام 2011 حيث حصل الانقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري، وهو الامر الذي حصل مع فترة سقوط الدولة الوطنية في العالم العربي خلال ما سمي بحركات الربيع العربي. وهذا التاريخ الذي يبين ان هناك انهيارا كبيرا قد حصل في لبنان على جميع الأصعدة، وهو الذي تثبته المؤشرات المالية والاقتصادية والنقدية والسياسية والوطنية على مدى تلك السنوات، ابتداء من العام 2011 وحتى العام 2019، والتي تلاها انهيار الدولة بكافة قطاعاتها ومؤسساتها وانهيار ثقة اللبنانيين بها وطغيان سلطة الدويلة دويلة حزب الله على الدولة اللبنانية، هذا فضلا عن الانهيار غير المسبوق في الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية، والتي التهمت أكثر من تسعين بالمائة من قيمة الليرة اللبنانية”.
وعن سبل الخروج من الازمات التي تزداد صعوبة رغم تشكيل حكومة نجيب ميقاتي، شدد السنيورة على أن “هناك حاجة ماسة الى استعادة الدولة اللبنانية المخطوفة دولة القانون والنظام. الدولة اللبنانية أصبحت مخطوفة ومسيطرا عليها من قبل حزب الله لصالح ايران”، وأردف: “هناك حاجة أساسية وماسة من اجل العمل على استعادة نهج الاصلاح في لبنان، والاصلاح يكون بداية باستعادة الاعتبار لوثيقة الوفاق الوطني والدستور اللبناني واستقلالية القضاء وايضا في العمل على الحرص على التوازنات الداخلية الدقيقة وأيضا في احترام التوازنات في السياسة الخارجية للبنان، ولا سيما بعد ان جرى تخريب كل هذه التوازنات في الداخل وفي علاقة لبنان مع اشقائه العرب ومع أصدقائه في العالم، وكذلك استعادة الثقة بالدولة وبمستقبل لبنان واقتصاده”.
وتابع, “ليت الامر اقتصر على هذا التخريب الحاصل بل امتدت ايضا يد التخريب خلال السنوات الماضية الى نظامنا الديموقراطي البرلماني عبر اعتماد اسلوب حكومات الوحدة الوطنية، وذلك على أساس نظرية الديمقراطية التوافقية من اجل احكام سيطرة حزب الله على الدولة اللبنانية وعلى قرارها الحر. لقد انتهى الامر الان الى ان اصبحت الحكومات اللبنانية المتعاقبة، والتي يجب ان تكون مركزا للقرار، مركزا للمناكفات، نظرا لان جميع الاحزاب الموجودة في البرلمان أصبحت ممثلة داخل الحكومة واصبحت الحكومة برلمانا مصغرا، وبالتالي مكانا للمناكفات وللفيتوات المتبادلة بين بعضها بعضا. وهم عندما يتفقون تكون بناء للمقايضات بين تلك الاحزاب وبالطبع ليس لمصلحة اللبنانيين ولكن لمصلحة تلك الأحزاب”.
ولفت السينورة, إلى أن “النظام البرلماني الديمقراطي اللبناني يفترض ان يقوم على أربع قوائم، وهي أكثرية تحكم، وأقلية غير مهمشة تعارض، وقضاء مستقل ونزيه، وايضا ادارة حكومية غير مستتبعة وهو ما يحقق سلامة العملية الديموقراطية، وبناء على ذلك تتحقق المساءلة والمحاسبة على أساس الأداء وتتحقق عملية تداول السلطة بشكل سلمي. المؤسف ان كل هذه الامور جرى تخريبها كما جرى تخريب دور فخامة رئيس الجمهورية الذي جاء الى سدة الرئاسة بعد ان تسبب بتعطيل انتخاب رئيس الجمهورية لثلاثين شهرا، على نظرية ما يسمى الرئيس القوي. طبيعي لبنان بحاجة الى رئيس قوي، ولكن ليس الى رئيس قوي بعضلاته بل بقدرته على ان يكون جامعا لكل اللبنانيين. الذي جرى ان رئيس الجمهورية جاء ممثلا لحزب وهو يتصرف، ولا يزال، كفريق”.
وذكّر, “عندما انتخب رئيس الجمهورية الاول في لبنان الرئيس بشارة الخوري، كانت كلمته الاولى حين قال (منذ اليوم لم اعد أنا رئيس الحزب الدستوري بل أنا رئيس لكل اللبنانيين)، رئيس الجمهورية عندما يصبح رئيسا لفئة من اللبنانيين او لفريق من اللبنانيين، فانه يفقد قدرته على ان يكون الجامع والموفق، وبالتالي لا يعود الحكم والحكيم في الدولة اللبنانية. ولا يستطيع بعدها ان يمارس دوره الأساس في كونه الساهر على احترام الدستور”.
وحول إمكانية التغيير في الانتخابات البرلمانية المقبلة، قال السنيورة: “بدون أدنى شك كما يقول القول الكريم: ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. المشكلة التي جرت خلال الفترة الماضية انه عندما جرى انتخاب الرئيس عون بعد ذلك التعطيل لموقع رئاسة الجمهورية أتى من خلفية سياسية انه لا يؤمن باتفاق الطائف أو على الاقل أن إيمانه ضعيف باتفاق الطائف والدستور، وهو الذي أقسم اليمين على احترام الدستور. وانه الآن هو الذي يحاول ان يستتبع القضاء. الذي أذهلني البارحة عندما سمعت فخامة الرئيس يتحدث في مناسبة الاستقلال، بأنه يلوم القضاء ويتحدث عن استقلال القضاء”.
سائلاً, “كيف يمكن له ان يقول ذلك وهو الذي لم يقبل ولم يوقع التشكيلات القضائية التي وافق عليها بالإجماع مجلس القضاء الأعلى. علما ان القانون اللبناني يلزم فخامة الرئيس ورئيس الحكومة ووزير العدل بتوقيع مرسوم التشكيلات القضائية عندما تكون هناك موافقة على تلك التشكيلات من ثمانية على الأقل من عدد أعضاء مجلس القضاء الاعلى المؤلف من عشرة أعضاء. هذا ما فعلته أنا عندما كنت رئيسا للحكومة وعندما أتاني مشروع التشكيلات القضائية كرئيس للحكومة وقعتها دون أن أراها، وعبرت عن ذلك أمام جميع اللبنانيين. ولست أقول هذا لأنني اتباهى بذلك، ولكن القانون يلزمني والدستور يلزمني كما يلزم رئيس الجمهورية بأن يوقعها وهو للأسف لم يفعل”.
وقال: “الآن وصلنا الى هذه المرحلة، ونحن الان في السنة السادسة من ولاية فخامة الرئيس، ما أذهلني عندما قال منذ أيام قليلة بأنه لن يسلم الجمهورية الى من لا يعتقد هو بأنه يتمتع بالقوة التمثيلية، وكأنه بذلك يمهد من أجل ان يقول بأنه لن يسلم رئاسة الجمهورية لاحد سوى لصهره، ليصبح رئيسا للجمهورية في المرحلة القادمة. طبيعي هذا الكلام وهذه التوجهات لا تؤدي الى خروج لبنان من الازمة الوطنية والسياسية والاقتصادية المستفحلة التي تسبب بها فخامة الرئيس وفاقمها بتصرفاته، وبدل من أن يكون الجامع للبنانيين والحريص على استعادة الدولة لسيطرتها، نجد أنه يستمر في خرق الدستور”.
وختم السنيورة: “ونحن الان نحتفل بعيد الاستقلال، وهذا الاستقلال غير موجود لان الدولة مستتبعة ومسيطر عليها، وهو نتيجة الاتفاق الذي وقعه فخامة الرئيس في العام 2006 والذي أطلق عليه تسمية اتفاق مار مخايل مع حزب الله عندما ضمن له حزب الله أن يصبح رئيسا للجمهورية وهو ضمن للحزب بأن يسيطر على الجمهورية”.