93 مليار دولار: ميزانية «المركزي» أكثر من 4 أضعاف الناتج

تورّمت ميزانية مصرف لبنان لتصبح مساوية لأكثر من أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي. في السابق، أي قبل الانهيار المصرفي والنقدي، كان الورم كبيراً أيضاً، إذ كانت الميزانية تساوي أكثر من ضعفي الناتج المحلي الإجمالي، لكن بعد الانهيار انكمش الناتج بشكل هائل وزاد تورّم الميزانية. ورم كهذا، هو بالتأكيد ليس طبيعياً في أي اقتصاد.

فيما يقدّر أن يبلغ الناتج في نهاية عام 2024 بنحو 22 مليار دولار، فإن ميزانية مصرف لبنان يسجّل فيها 93 مليار دولار مسعّرة بالليرة اللبنانية على سعر الصرف السوقي.

حجم ميزانية مصرف لبنان يُمكن أن يُؤخذ من جهة الأصول، أو من جهة المطلوبات وحساب رأس المال، لأن قواعد المحاسبة في أي شركة تقول إنه في الموازنة الأصول يجب أن تكون مساوية للمطلوبات ورأس المال، لذلك، حجم الموازنة يمكن أن يُحتسب عبر أي واحدة من الجهتين.

من ناحية المطلوبات، إن الجزء الأكبر موجود في بند «ودائع المصارف لدى المركزي»، وهي تبلغ نحو 84 مليار دولار، أي إنها تُشكّل نحو 90% من المطلوبات. قد لا يبدو الأمر غير طبيعي حتى الآن، إلا أن هذه الودائع بمعظمها غير قابل للتسديد، لأن مصرف لبنان لا يملك السيولة ولا الملاءة الكافية لتسديدها، أي إنه ليس قادراً على تسديدها، لا حالياً ولا ضمن المدى المتوسط أو الطويل. بمعنى آخر، جزء كبير من 90% من مطلوبات مصرف لبنان غير قابلة للاسترداد، وهذا يُفسّر أصلاً أن حجم موازنة مصرف لبنان غير متناسب مع المتغيّرات الاقتصادية، إذ انكمش حجم الاقتصاد بنسبة 58% بين عامَي 2019 و2024، وجزء كبير من هذا الانكماش كان بسبب الانهيار المصرفي، في حين على الورق لم تتغيّر الموازنات بشكل يتناسب مع الواقع.

عملياً حجم الموازنة الهائل لا يعود إلى توسّع النشاط الاقتصادي أو زيادة فعالية الأداء المالي للدولة، بل هو نتيجة مباشرة لتراكم الخسائر في ودائع المصارف لدى مصرف لبنان. هذه الودائع، التي من الناحية النظرية يجب أن تكون جزءاً من السيولة المصرفية، أصبحت عبئاً لا يُمكن تسديده. بمعنى آخر، تُستخدم هذه الحسابات لتغطية عجز النظام المصرفي، ما يؤدي إلى تضخيم الميزانية من دون أن يكون هناك أساس اقتصادي حقيقي يدعم هذا الرقم.

أيضاً ضمن الالتزامات، يبلغ حجم ودائع القطاع العام لدى مصرف لبنان نحو 6.3 مليارات دولار، ولا يتجاوز حجم الكتلة النقدية في التداول 950 مليون دولار.

أما بالنسبة إلى الموجودات، فالحصّة الأكبر فيها، هي في حساب «تعديل إعادة التقييم» وهو حساب فيه معاملات السوق التي يجريها مصرف لبنان (بيع وشراء العملة)، لكن طريقة احتساب هذا الحساب غير واضحة، ما يضع شكوكاً بأن مصرف لبنان يُخفي خسائره، أو جزءاً منها، فيه.

في حين أن جزءاً آخر يُخفيه عبر رميه على الدولة، عبر بند «القروض للقطاع العام» الذي يُشكّل نحو 18% من أصول مصرف لبنان. هذا البند هو اختراع، إذ إن مصرف لبنان الذي يفترض أن يكون مصرف الدولة وبالتالي أن يمنحها العملات الأجنبية اللازمة للاستيراد من الخارج، كان يحصل على الليرات ويسجّل مقابلها ديناً بالدولار، وبانهيار النقد لم تعد للأموال في حساب الليرة أي قيمة بينما تورّمت قيمة الحساب بالدولار، علماً أنه لم تجرِ أي مقاصة بين الحسابين منذ مدة طويلة بينما في عام 2006 أجرى مصرف لبنان مقاصة في حساباته مع المصارف لإخفاء أثر الهندسات المالية على ميزانيته وإخفاء الخسائر الكبيرة التي تكبدها.

ويبقى الذهب صاحب الحصّة الأكبر من أصول مصرف لبنان، بنسبة 28.3% وبقيمة تبلغ 26 مليار دولار، مع العلم أنه ارتفع منذ نهاية كانون الأول الماضي بنحو 2.2 مليار دولار، وذلك مع استمرار ارتفاع أسعار الذهب عالمياً. في حين أن احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تبلغ قيمتها 10.5 مليارات دولار، وهي تُشكّل نحو 11% من موازنة مصرف لبنان.

إن الأرقام القياسية في موازنة مصرف لبنان – بواقع 93 مليار دولار – هي مرآة لانهيار نظام مصرفي يضجّ بالمشكلات الناتجة من تراكم خسائر لا يُمكن تجاوزها بسهولة. تبقى الودائع المصرفية غير القابلة للسداد العامل الرئيسي الذي يسهم في تضخيم الموازنة، ما يجعل من الضروري إعادة النظر في السياسات النقدية وإصلاح الهيكل المصرفي، لضمان مستقبل اقتصادي أكثر استدامة وشفافية. في نهاية المطاف، يحتاج النظام المالي اللبناني إلى مواجهة الحقائق الاقتصادية المرة، وإلا فإن الأرقام ستظل تبعث على القلق من دون أن تؤدي إلى إصلاحات جذرية تُعيد الثقة للمواطنين والمستثمرين على حد سواء.

الكتلة النقدية في التداول تتضخم

ارتفع حجم الكتلة النقدية في التداول في الأشهر الأخيرة بشكل كبير. ففي منتصف كانون الأول بلغ 55.8 تريليون ليرة مقارنة مع 85 في نهاية شباط الماضي، وهو ما يُشكّل ارتفاعاً بنسبة 52% في ثلاثة أشهر فقط. قد يكون أحد تفاسير هذا الأمر أن مصرف لبنان أقرض المصارف اللبنانية بالليرة أخيراً، ما أسهم في توسّع حجم الكتلة النقدية في السوق. كما أن مصرف لبنان يجمع العملات الأجنبية من السوق، والدليل على ذلك توسّع حجم احتياطات العملة الأجنبية بنحو 400 مليون دولار في المدة عينها، ما يعني أن مصرف لبنان كان يشتري الدولارات من السوق، وبطبيعة الحال يستخدم ليراته لشراء هذه الدولارات، ما يعني ضمنياً توسّع الكتلة النقدية. علماً أن 400 مليون دولار تساوي نحو 35 تريليون ليرة على سعر الصرف الحالي.

المصدر الاخبار

شاهد أيضاً

وزارتا الزراعة والبيئة: الفحوصات المخبرية الأولية أظهرت عدم تأثر الزيتون بالفوسفور

صدر عن وزارتي الزراعة والبيئة البيان الآتي: “نظراً لحجم الجرائم البيئية التي ارتكبها العدو الاسرائيلي …