يصادف اليوم الذكرى العشرين لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، الرجل الذي شكّل رمزًا لإعادة إعمار لبنان بعد الحرب الأهلية، وسعى إلى تحقيق الاستقرار عبر الدبلوماسية والعلاقات الدولية. لكن، مع مرور عقدين على اغتياله، والتطورات الجذرية التي شهدها لبنان والمنطقة، يطرح السؤال نفسه: لو كان رفيق الحريري بيننا اليوم، كيف كان سيتعامل مع العدوان الإسرائيلي المستمر؟ وهل كان سيدعم المقاومة؟
لم يكن الحريري ساذجًا في تعامله مع إسرائيل، بل كان يدرك تمامًا أنها عدو لا يحترم الاتفاقات، ولا يلتزم بالقوانين الدولية، وأن كل “تسوية” لا تفرضها قوة الردع مجرد فخ لفرض هيمنتها على لبنان والمنطقة. في التسعينيات وأوائل الألفينات، وبينما كان يسعى إلى النهوض بالاقتصاد اللبناني، كان أيضًا يُدرك أن الاحتلال الإسرائيلي للجنوب لن ينتهي إلا بالقوة، وليس بالانتظار على طاولة المفاوضات.
عام 2000، لم تنسحب إسرائيل من جنوب لبنان بفضل قرارات الأمم المتحدة، بل بفعل ضربات المقاومة التي أجبرتها على الفرار مذلولة، وهذا واقع لم يكن الحريري ليُنكره، مهما كانت خياراته السياسية مختلفة.
هل كان سيدعم المقاومة اليوم؟
منذ حرب 7 أكتوبر 2023، أكدت إسرائيل مجددًا أنها لا تزال نفس الكيان الاستيطاني الإجرامي، الذي لا يلتزم بأي اتفاق، ويستخدم القوة الوحشية لفرض سيطرته. وعلى مدى 15 شهر، وهي ترتكب أفظع المجازر في غزة، وتهدد لبنان يوميًا، وتتنصل من أي التزام دولي، الأمر الذي يثبت أن الدبلوماسية وحدها لم تكن يومًا كافية لردع هذا العدو.
رفيق الحريري، رغم إيمانه بالحوار والعلاقات الدولية، لم يكن ليقف مكتوف اليدين أمام هذا المشهد. كان سيعرف أن إسرائيل اليوم أكثر وحشية من أي وقت مضى، وأنها لا تردع إلا بالقوة. حتى لو لم يكن ليشارك مباشرة في دعم المقاومة المسلحة، فإنه كان سيدرك أن لبنان لا يمكن أن يحمي سيادته إلا بوجود قوة قادرة على ردع العدوان.
نتنياهو اليوم يثبت صحة خيار المقاومة
قبل أسبوع، خرج نتنياهو وترامب ليهددا بأن “أبواب الجحيم ستُفتح على غزة” إذا لم تسلّم حماس الأسرى. واليوم، أعلنت المقاومة أنها ستسلم 3 أسرى فقط، بشروطها، رغم كل الدمار والمجازر، فماذا كان الرد؟ نتنياهو وافق، وبلع تهديداته!
هذه ليست المرة الأولى التي تنكسر فيها إسرائيل أمام المقاومة. ولو كان الحريري بيننا، لرأى أن خيار الردع هو الضامن الوحيد لعدم ترك لبنان تحت رحمة التهديدات الإسرائيلية المستمرة، ما كان سيسمح بترك العدو يدمر بجنوب لبنان بهذه الهمجية دون أي رادع أو مقاومة.
الحريري كان سيعرف أن الدبلوماسية وحدها لا تكفي
اليوم، بعد 20 عامًا على اغتياله، نعيش واقعًا يؤكد أن المقاومة لم تكن خيارًا ترفيهيًا، بل ضرورة وجودية لحماية لبنان. الحريري، برؤيته الواقعية، كان سيدرك أن إسرائيل لم ولن تحترم الاتفاقات، وأنه لا يمكن التعامل معها إلا بمنطق القوة. وربما، لو كان بيننا اليوم، لكان أكثر قناعة بأن لبنان لا يمكن أن يبقى صامدًا إلا إذا امتلك قوة الردع الحقيقية التي تمنع إسرائيل من التمادي في اعتداءاتها.
مكاريو٢١ مارسيل راشد