قيادة إسرائيل نحو الهاوية.. دعوات لتغيير سياسي عاجل قبل الانهيار الشامل

عمّت إسرائيل، بعد اغتيال حسن نصر لله والقيادة العليا لحزب لله، موجة من الفرح والاحتفال، وهذا أمر طبيعي. الأمر الذي لا أفهمه هو كيف خرج ساسة من جميع الأحزاب، ومحللون عسكريون كبار، وجنرالات متقاعدون، والعديد من الشخصيات الأُخرى ليقولوا بصوت عالٍ: «ها قد بدأت حقبة جديدة في الشرق الأوسط»، «ها قد أصبح الجيش الإسرائيلي ودولة إسرائيل، فجأة، قوة مؤثرة وحاسمة في العمليات في الشرق الأوسط»، «إن حزب لله في طريقه إلى الهزيمة – بعد أن تم شلّه».

بل إنهم قالوا: «إن النصر التام يبدو قابلاً للتحقق، وعلينا مواصلة العمل بكل طاقتنا من أجل هزيمة حزب لله و’حماس’ بصورة نهائية، وإضعاف إيران، وتحييد سيطرتها على التنظيمات الدائرة في فلكها».

صحيح أن حزب لله تلقى ضربة قوية، لكنه بعيد كل البعد عن الهزيمة. لقد استعاد الحزب قوته في غضون أيام قليلة فقط، وما زال يواصل نشر الدمار في مستوطنات الشمال. بل وسّع نطاق هجماته ليشمل عكا، والكريوت، وبلدات الجليل الأسفل، وصفد، وحيفا، وطبريا، ومستوطنات شمال الضفة، وحتى قيسارية، والخضيرة، وكفار سابا، وتل أبيب.

إنه يحرق لنا مئات الآلاف من الدونمات الزراعية، والأحراش الطبيعية، والغابات. وحتى بعد دخول الجيش الإسرائيلي إلى القرى اللبنانية على طول الحدود، لا يوجد أيّ مؤشر إلى أننا نقترب من إعادة عشرات الآلاف من النازحين إلى منازلهم وأعمالهم بسبب القصف الصاروخي اليومي الذي ينهال على مستوطناتهم.

بعد فترة وجيزة من ذلك، تمكن الجيش الإسرائيلي من تصفية يحيى السنوار. من المؤكد أن الاغتيال كان إنجازاً مهماً للغاية، لكنه لن يُسقط «حماس» بالكامل، حسبما يكرر نتنياهو القول، مراراً وتكراراً. إن «حماس» كامنة في مئات الكيلومترات من الأنفاق تحت الأرض، ومزودة بكمية كبيرة من الغذاء، والوقود، والمعدات التي استولت عليها من المساعدات الإنسانية التي تسيطر عليها في قطاع غزة. وهذا يكفيها فترة طويلة جداً، فضلاً عن الأسلحة التي لا تزال تحصل عليها من سيناء، عبر الأنفاق تحت محور فيلادلفيا، الذي لم ينجح الجيش الإسرائيلي في إغلاقه بالكامل.

تخرج «حماس» من الأنفاق، وتُطلق الصواريخ على دباباتنا وناقلات الجند المدرعة، وتزرع العبوات الناسفة على الطرقات، وتفخخ المنازل التي يقوم الجيش الإسرائيلي بتمشيطها. حتى الآن، وبعد عام من الحرب، لا تزال «حماس» تكبّدنا خسائر كبيرة.

وعلى الرغم من الاحتفالات في إسرائيل، والتي تغذيها تقارير غير موثوق بها، من المستويَين السياسي والعسكري، فإننا لا نقترب من إسقاط «حماس» وحزب لله. حرب الاستنزاف مستمرة بكل قوتها، وتتسبب بانهيار الدولة في جميع مجالات الحياة. وقبل أن نفهم إلى أين نحن ذاهبون، علينا أن نفهم بعض الحقائق عن وضعنا في هذه اللحظة.

اليوم، إسرائيل في حالة انهيار اقتصادي. إذا استمر هذا الوضع، فقد تصل الدولة إلى حالة من الإفلاس قريباً، أي إلى وضع يشبه الإفلاس الكامل.

بتنا نخسر دعم دول العالم بسبب حرب «السيوف الحديدية» التي استمرت مدة عام، ولا نرى نهاية لها في الأفق. إذ يرى كثيرون من هذه الدول أن إسرائيل تجاوزت الخطوط الحمراء، وترتكب جرائم حرب. هذه النظرة تؤدي إلى فرض عقوبات اقتصادية، وحظر تصدير الأسلحة، حتى من دول صديقة، وتشويه سمعتنا في محكمة العدل الدولية في لاهاي. وشيئاً فشيئاً، أصبحت إسرائيل دولة منبوذة لا تستحق أن تكون ضمن الدول المتحضرة. هذه المواقف تجذب مزيداً من الدول التي كانت صديقة لنا في السابق.

لقد عمّقت حرب الاستنزاف، المسماة «السيوف الحديدية»، الانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي إلى درجة خطِرة، حيث تسود القطاعات المختلفة في المجتمع كراهية شديدة، وانعدام ثقة تام، وأحاديث عن عصيان مدني وخيانة للوطن، وتقسيم الشعب إلى دولتين، دولة إسرائيل ودولة يهودا. وتنتشر آليات الدعاية المزيفة والتحريض ضد الخصوم، وهو ما يُعرف بـ«آلة السم». هذه الانقسامات تتسع يوماً بعد يوم، وقد نصل إلى نقطة اللا عودة.

الجيش الإسرائيلي الذي لا يمكننا البقاء من دونه، حقاً، في هذه المنطقة المعادية، ينهار تحت الضغط. وهو يُلقي بأعبائه على عاتق الأشخاص أنفسهم الذين شاركوا في أربع جولات من الخدمة الاحتياطية منذ بداية الحرب. لقد فقد كثيرون من هؤلاء وظائفهم، وأحياناً عائلاتهم، وهم يقتربون من حدود نهاياتهم الجسدية والنفسية. ومع استمرار حرب الاستنزاف، يزداد عدد جنود الاحتياط الذين يرفضون الامتثال للاستدعاء. بل إن الجنود النظاميين صاروا مُستنزفين، يفقدون مهاراتهم المهنية بسبب تعطيل التدريبات والدورات، وهم ينهارون في حرب لا نهاية لها. وإذا استمرت هذه الحرب، فقد نفقد سلاح البرّ تماماً.
إلى جانب حرب الاستنزاف، فإن الجهاز التعليمي أيضاً يعاني، بالإضافة إلى العديد من المجالات الأُخرى التي تشهد تراجعاً مشابهاً.

يحدث هذا كلّه حتى قبل أن نُدخل إيران في المعادلة. يجب على إسرائيل أن تختار أهدافاً في إيران لا تؤدي إلى تصعيد. إن أيّ اختيار خاطئ للأهداف قد يؤدي إلى تصعيد شامل وحرب إقليمية شاملة، قد تتضمن هجمات صاروخية من إيران ووكلائها على مراكز سكنية إسرائيلية، بالإضافة إلى اندلاع قتال بري في عدة جبهات في وقت واحد.

ذراعنا البرية صغيرة جداً وغير قادرة على القتال في أكثر من جبهة واحدة. هذه الذراع لم تتمكن حتى من هزيمة «حماس»، بسبب عمليات الخفض الكبيرة لقدراتها خلال العشرين عاماً الماضية. عندما تندلع حرب إقليمية متعددة الجبهات، سيضطر الجيش الإسرائيلي إلى القتال في عدة جبهات برية: في مواجهة قوة الرضوان التابعة لحزب لله في لبنان، والميليشيات الموالية لإيران، والجيش السوري في سورية، والميليشيات الموالية لإيران على حدود الأردن، وأمام اندلاع انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية، وأمام عشرات الآلاف من المتطرفين داخل إسرائيل، وأمام احتمال انضمام مصر إلى الحرب. وطبعاً، ستشارك «حماس» في غزة في «الاحتفال».

من المهم الإشارة إلى أن الحدود مع الأردن تمتد على مسافة 400 كيلومتر، وبسبب تخفيض قدرات سلاح البرّ في العقدين الأخيرين، لا يوجد لدينا قوات على طول الحدود، ولم نمنع، طوال سنوات، تهريب مئات الآلاف من الأسلحة والعبوات الناسفة إلى الضفة الغربية و»المتطرفين» داخل إسرائيل. ولا ننسى أيضاً أن الحدود مع مصر خالية من القوات على مدى مئات الكيلومترات.

إن اندلاع حرب إقليمية شاملة مع إيران ووكلائها سيكون كارثياً. والجيش البري الإسرائيلي قد يستطيع بالكاد القتال في جبهة واحدة، ولن يكون هناك حماية لـ90% من سكان إسرائيل في الجبهات الأُخرى. ستتدفق عشرات الآلاف من المتطرفين إلى شوارع مدن إسرائيل ومستوطني الضفة الغربية، وسيقومون بإطلاق النار وتدمير كل ما يعترض طريقهم. لم تقُم إسرائيل بتشكيل قوات حرس وطني لحماية السكان. وكذلك على حدود الدولة، لا توجد قوات كافية لحمايتها.
قد لا يحدث هذا كله، لكن الاحتمال قائم. لا يجب علينا المقامرة بمستقبل دولتنا، مع العلم بأنه إذا حدث ذلك، فلن نتمكن من العيش هنا. لذلك، علينا أخذ السيناريو الأسوأ في الاعتبار.

للأسف الشديد، إن صنّاع القرار، مثل بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت وهرتسي هليفي، قد يتخذون قرارات تشكل مقامرة على دولة إسرائيل. قد يختارون أهدافاً للجيش الإسرائيلي في إيران تؤدي إلى اشتعال الشرق الأوسط، وربما العالم. انعدام مسؤوليتهم وغرورهم واضح في أفعالهم، سواء في 7 تشرين الأول/أكتوبر، أو في حرب «السيوف الحديدية» التي استمرت عاماً. لا أثق إطلاقاً بحكمهم الذي تغذيه أيضاً مصالح شخصية.

مؤخراً، سمعت مسؤولاً كبيراً يقول في وسائل الإعلام إن إسرائيل تستعد لتوجيه ضربة قوية جداً إلى إيران، ضربة لن تنساها فترة طويلة. وأضاف أن الرد الإيراني بإطلاق صواريخ على إسرائيل هو أمر مؤكد. لكنه لم يأخذ في الحسبان أنه قد يؤدي إلى اندلاع شامل للحرب، وقد يُسقط دولتنا. حتى لو نجحنا في توجيه ضربة قوية إليهم، فإن المساحات الشاسعة لدول عربية معادية تحيط بنا، ودولة إسرائيل صغيرة جداً، ومعظم سكانها ومواردها مركزة في أكثر المناطق ازدحاماً في العالم – منطقة «غوش دان» [تل أبيب الكبرى]. أعتقد أن هذا المسؤول يتحدث بلسان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عندما يقول إننا سنوجه ضربة قاسية جداً إلى الإيرانيين.

الحل الوحيد هو التعاون بين جميع قطاعات الشعب لإطاحة المستويَين السياسي والعسكري الحاليَّين فوراً. سيمكّننا تغيير القيادة من الوصول إلى اتفاق سياسي، بوساطة الولايات المتحدة، يسمح بإطلاق سراح المخطوفين وإعادة النازحين إلى منازلهم وأعمالهم؛ وإيقاف الانهيار الاقتصادي؛ وإيقاف الانهيار الاجتماعي الذي يقترب من حرب أهلية؛ وإيقاف انهيار العلاقات الإسرائيلية مع العالم؛ وإعادة بناء الجيش وتحويله إلى جيش دفاع وهجوم، يمكنه مواجهة التهديدات الوجودية المتزايدة؛ وبناء تحالف دفاعي بين الولايات المتحدة وإسرائيل ودول عربية وأوروبية ضد «محور الشر». كل هذا وغيره، يمكن أن ينقذ الدولة من انهيارها الكامل الذي يقترب، يوماً بعد يوم.

المصدر: معاريف

شاهد أيضاً

اتفاق لبنان وإسرائيل: مفاوضات في الظل بين نتنياهو وهوكستين وترقّب لدور ترمب

جاء في صحيفة “الشرق الاوسط” : على الرغم من اللقاءات الكثيرة التي أجراها، آموس هوكستين، …