ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس الياس عودة، قداساً في كاتدرائية القديس جاورجيوس في بيروت.
بعد الإنجيل قال في عظته: “بعدما أشبع الرب الجموع كما سمعنا في إنجيل الأحد الماضي، انبهر الناس من المعجزة فأرادوا أن يختطفوا الرب يسوع ويجعلوه ملكا (يو 6: 14-15)، لأنهم اعتبروا ألا ملك أفضل منه، يهتم لأمرهم ويشبعهم بلا تعب، ويستطيع تخليصهم من الرومان. كل هم الشعب كان أن يحصلوا على البركات المادية والمجد العالمي. وبما أن تلاميذ الرب كانوا من الشعب، فلا بد من أن يكونوا قد تأثروا بتلك الأفكار. أم ابني زبدى مثلا طلبت أن يكون ولداها واحد عن يمينه والآخر عن يساره. وبما أن المسيح رفض الملك الأرضي، فقد حدث تذمر في مصف التلاميذ، فقدوا بسببه سلامهم الداخلي. لذا، أراد المسيح أن يعلمهم درسا لا ينسى، فأدخلهم إلى السفينة وطلب منهم أن يسبقوه إلى العبر ثم سمح بأن تهب ريح. في تلك الأثناء كان الرب وحده على الجبل يصلي، وكان يحمل تلاميذه في صلاته ليعلموا أن الماديات زائلة، وأن قربهم من الله هو وحده الكنز الأثمن الذي يمكنهم الحصول عليه”.
أضاف: “أثناء وجودهم في وسط العاصفة، جاء الرب يسوع إلى تلاميذه ماشيا على المياه، لكنهم لم يعرفوه، وظنوه خيالا، فطمأنهم، إلا أن بطرس أراد أن يتأكد من حقيقته، فطلب أن يذهب إليه قائلا: «يا رب، إن كنت أنت هو فمرني أن آتي إليك على المياه». بطرس يمثل كل واحد منا، نحن الذين نعيش في وسط العالم، تحيط بنا أمواج بحر هذا العمر الهائج، محاولة إغراقنا. المسيح موجود دائما في وسط العواصف ليحفظنا ويطمئننا، لكننا نشك في وجوده لأن الإضطرابات العالمية تشوش بصرنا وبصيرتنا. نطلب الرب، وفي سيرنا نحوه نتلهى بشتى الأمور فنغرق في منتصف الطريق، ونظن أن الرب هو من تخلى عنا، لكن الحقيقة أننا نحن من تلهينا عنه وانجذبنا إلى أمور العالم فغرقنا. الطريقة الوحيدة للنجاة هي أن نصرخ مثل بطرس: «يا رب نجني» والرب يتدخل في الوقت المناسب ويمد يده ليخلصنا، قائلا لنا ما قاله لبطرس «يا قليل الإيمان، لماذا شككت؟».
وتابع: “صعود المسيح إلى الجبل يشبه اختلاء التلاميذ في السفينة بعيدا عن العالم. الفرق يكمن في أن الرب صعد إلى الجبل ليصلي، فيما التلاميذ غرقوا في اضطراباتهم العالمية، وبدلا من أن يصلوا عندما واجهتهم المتاعب جزعوا وارتعبوا ولم يهرعوا إلى الملجأ الأول الحصين، أي الله. آباء قديسون كثيرون يشبهون الكنيسة بالسفينة، وفي إنجيل اليوم نجد السفينة-الكنيسة التي تحمل تلاميذ الرب عالقة وسط هيجان العالم وتجاربه وضيقاته. هذا ما نعاينه في العالم الذي نعيشه اليوم، حيث يتحول الإحتفال بالرياضة مثلا إلى مهرجان لعبادة الوثن وتمجيد الإنحراف، وتتحول الأسرار المقدسة، من أكاليل وعمادات وحتى الجنازات إلى اجتماعات يبحث فيها المعنيون عن حب الظهور والتباهي، أو التصفيق في الكنيسة، بدلا من الصلاة من أجل العروسين أو المعمد أو الراقد. أصبحت روح العالم متغلغلة في كل جوانب الحياة، ونأسف أنها وجدت سبيلا إلى حياة بعض المسيحيين الذين انجروا إلى تلك المظاهر الخداعة، بدل أن يختاروا الأفضل، أي السكنى في رحاب الرب واتباع تعاليمه ووصاياه”.
وقال: “حاليا، تواجه الكنيسة تيارات غريبة متعددة الإتجاهات والتوجهات، والناس يصدقون المدعين وينجرون وراء المعثرين، ويتحدثون عن الكنيسة بالباطل، لأنها لا تجاري أفكارهم العالمية. الكنيسة موجودة منذ العنصرة، والشيطان يحاربها بشتى الطرق كما حارب رأسها-المسيح، لكن ربنا داس قوة الشيطان بصليبه، وهذا الجرح العميق أثار حقد ملك الظلام الذي لا يريد خلاص أحد. سبيلنا إلى الخلاص هو التشبث بخشبة الصليب، والإبتهاج بالقيامة من موت الخطيئة عبر عدم الرغبة في العودة إليها والغرق في وسخها. بلدنا أيضا تلفحه العواصف وتهدده الحروب، وأبناؤه مضطربون يخشون الهلاك ويفتشون عن الخلاص باللجوء إلى الزعماء أو الإنخراط في الأحزاب أو التقوقع في الطائفة أو العشيرة، أو الإنغلاق ورفض الحلول البسيطة الناجعة وأولها اللجوء إلى الله وإلى كنف الوطن، والإيمان بأن في الإتحاد قوة فيما التشتت يضعف واللجوء إلى الخارج يؤدي إلى الهلاك. لذا علينا العمل من أجل لم أشلاء هذا البلد وإحياء مؤسساته بدءا برئاسة الجمهورية، وحث مجلس النواب على استعادة دوره في التشريع وفي مراقبة الحكومة ومحاسبتها، والعمل على تشكيل حكومة تضع الخطط الإنقاذية وتواكب التطورات وتنكب على العمل الدؤوب الذي يؤدي إلى إبعاد شبح الحرب والإنقاذ من الغرق. إن ما يحمي لبنان هو اتحاد أبنائه حول فكرة الدولة القوية العادلة التي يحكمها القانون وتعامل أبناءها بالعدل والمساواة والإحترام، وتبعد عنهم كل خطر واضطراب وانقسام”.
وختم: “دعوتنا اليوم ألا ننجر وراء العالم ومغرياته، ولا وراء الأفكار التي يبثها خدام الشيطان في هذا العالم في سبيل تفكيك الأوطان وتشويش المجتمعات وإفقار الشعوب وإبادة الحضارات ومحاربة الكنيسة وكل من أراد أن يتبع المسيح. «إعرفوا الحق والحق يحرركم» (يو 8: 38)”.