أكّد بيان “التيّار الوطنيّ الحرّ” اليوم قرار طرد النائب ألان عون الّذي أدركه اللبنانيّون منذ أشهر.
الخلاف بين عون وباسيل ظهر في مراحل عدّة منذ سنوات، لكنّه تطوّر في الأشهر الأخيرة أو في العام الأخير، عندما بدأ يتوسّع ويتظهّر بشكل أكبر عبر الإعلام.
يجمع أغلب المطّلعين على العلاقة بين عون وباسيل، أنّ المسألة أكبر وأعمق من قضيّة عدم الالتزام بالتصويت لجهاد أزعور كما أوضحها البيان، بل هي تراكم طويل من الخلافات الصامتة، منذ قرار تخلّي العماد ميشال عون عن رئاسة “التيّار” وبروز التنافس بين عون وباسيل على الرئاسة.
تركت “التسوية” كما أسموها “التياريّين” أو عمليّة الفرض كما يسمّيها المعارضون، والتي أوصلت بباسيل إلى رئاسة “التيّار”، ندوباً في العلاقة بين النائبين.
لا مجال لذكر العدد الكبير من الإشكالات المضبوطة بين الرجلين، بدءاً من علاقات عون على صعيد “التيّار” والمعارضين إلى العلاقات السياسية مع باقي الأطراف السياسيّة التي نسجها عون بصفة شخصيّة ومنهم بعض خصوم “التيّار”.
ففي عام 2018 تحدّث المقرّبون من عون كثيراً على محاولات باسيل محاربة عون في قضاء بعبدا عبر الإيعازات الحزبيّة بالتصويت لناجي غاريوس أو حكمت ديب، الذي كان مقرّباً من باسيل آنذاك، لكنّ ألان كسر هذه المحاولة ونال أكبر عدد من الأصوات وثبّت نفسه على أنّه معادلة في القضاء يصعب تجاوزها.
وما حدث في انتخابات 2018 حاول باسيل تنفيذه في 2022 أيضاً لكن عبر ما سمّي انتخابات داخلية واستمزاج رأي وإحصاءات، ولكنّها جميعها لم تنجح، وفرض ألان عون نفسه مرشّحاً وحيداً من جديد.
ولكنّ هذه التراكمات بدأت تتفجّر من خلال الولاية الجديدة لمجلس النواب، وبدأت الافتراقات تكبر وتتظهّر، وخصوصاً بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون التي كانت تفرض التزاماً أخلاقيّاً على ابن شقيقة الرئيس بعدم فتح معركة جديدة في وجه الرئيس تُضاف إلى المعارك الكبيرة أو ما يسمّونها “هجمة على العهد”.
وما عانى منه عون في محاولة إبعاده أو إضعافه كان محور شكوى من عدد من النواب ممّن عُرفوا بالصقور في “التيّار” كإبرهيم كنعان والياس بو صعب وسيمون أبي رميا، وجميعهم فرضوا ترشّحهم في الانتخابات الأخيرة بحكم الضرورة، وخرجوا منها غير راضين عن النتائج، وهذا ما عبّر عنه نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب الذي اعتبر أنّه تعرّض للطعن، أمّا الباقون ولو لم يصرّحوا علانية، فجميع المتواصلين معهم يعلمون أنّه تمّ توجيه الأصوات إلى غيرهم في الأقضية بهدف إيصالهم ضعفاء.
هذه المجموعة بالإضافة إلى نائب عكار أسعد درغام الذي تعرّض لوضع مشابه شكّلوا ما عُرف بمجموعة الخمسة، داخل تكتّل “لبنان القويّ”، وحاولوا أن يمارسوا ما أسموها معارضة من داخل الإطار الحزبيّ. وهناك من رأى أنّهم تجاوزوا الخطوط الحمر حينما طرحوا فكرة مرشّح للرئاسة من النواب غير جبران باسيل، وهنا اتُّخذ القرار بإبعادهم تباعاً، وهذا ما بدأ عبر بو صعب وعون.
وبعيداً عن تطويع النظام الداخليّ الذي عُدّل أكثر من ثماني 8 مرّات بما يتناسب مع سيطرة باسيل، استغلّ باسيل وقوف عمّه إلى جانبه حتّى أقصى الحدود، وهو ما زال مستمرّاً حتّى الانتهاء من جميع من يمكن أن يكون خصماً أو منافساً في المستقبل.
يلوم الرعيل الأوّل من المعترضين أو المنشقّين أو المفصولين بشدّة ألان عون، ويذكّرون أنّهم تحدّثوا معه منذ سنوات بعد قبوله بالتسوية التي أتت بباسيل على رأس “التيّار”، وأنّ مصيره سيكون مشابهاً لمصيرهم، لكنّه لم يقتنع، ومشى بتسوية لا بل رضخ لسنوات حفاظاً وطمعاً بموقعه النيابيّ، حتّى وصل اليوم إلى ما نصحوه به منذ سنوات.
ونصحوا الباقين من “النومينيه” وفق ما أسموهم بالخروج بكرامتهم قبل أن يلحقهم المصير نفسه، فمن المفروض التعلّم ممّا جرى أمامهم، على الرغم من أنّهم استبعدوا من النوّاب الثلاثة الباقين القيام بهذه الخطوة خوفاً على مقاعدهم النيابية وحضورهم، فحضور بعضهم إلى جانب باسيل في جولاته ونشاطاته في مناطقهم تدلّ على هذا الأمر، على الرغم من أنّ هذه النشاطات والاحتفالات هي لمواجهتهم.
وعمّا إذا كانوا سيعودون لمحاولة جمع أنفسهم من جديد ومحاولة خلق واقع جديد، أشاروا إلى أنّ الموضوع في حاجة إلى دراسة وخصوصاً أنّ عدداً كبيراً من الناشطين والمؤسّسين والمناضلين ابتعدوا عن العمل السياسيّ، وجزء منهم أصبح خارج البلاد، ومن غير المتوقّع أن يشكّل طرد ألان حافزاً لعودتهم.
هذا على مستوى المعارضين، أمّا على مستوى القيادة الحزبيّة فيبدو أنّ الأمور هادئة، وتشير مصادره إلى أنّ العاصفة التي تحدّث عنها الإعلام بدت كزوبعة في فنجان.
وذكرت المصادر ألّا نائب أهمّ من “التيّار”، والأصوات الانتخابية هي للتيّار وليست لأحد، وقد “أثبتت السنون ذلك وراجعوا نسبة الأصوات التي نالها النواب عندما كانوا في التيّار، وما نالوه عندما خرجوا بدءًا من زياد عبس وليس انتهاء بشامل روكز وما بينهما”.
ويسألون “لماذا تسليط الضوء على “التيّار” فقط؟ بالأمس طردت “القوات” نائباً سابقاً من الحزب فقط لأنّه حضر فطوراً تواجد فيه جبران باسيل، ولأنّه تحدّث مع خصم لم يعقد معه تفاهماً سياسيّاً أو نقاشاً سياسيّاً، وقبلها طردوا النائب سيزار المعلوف من الكتلة لأنّه لم يلتزم معهم على الرغم من أنّه ليس حزبياً، فكيف إذا خالف نائب حزبيّ قراراً حزبيّاً؟ هل لكم أن تتصوّروا ما قد يحدث؟ بالإضافة إلى ذلك فمنذ سنوات قليلة طردت الكتائب شخصية نضالية ثقافية إعلاميّة كبيرة كانت تشكّل وجه الحزب أي الوزير الراحل سجعان قزّي لعدم التزامه بقرار القيادة، هذا أيضاَ طبيعيّ فلماذا التركيز على “التيّار”.
وكرّرت المصادر حديث الوزير جبران باسيل أنّ الالتزام الحزبيّ هو كالصلاة عند الراهب، ولا يمكن تخطّيها، مشيرة إلى أنّه، أي باسيل، في ما يخصّ النائب ألان عون انتظر حوالى تسعة أشهر، وفتح الباب للوسطاء والحوار، وحاور عون مرّات عدّة إلّا أنّ الأمور وصلت إلى طريق مسدود.
وعن الحديث عن استقالة نوّاب آخرين تضامناً مع عون أجابت المصادر: “عندها لكلّ حادث حديث”، مذكّرة بأنّ جميع التجمّعات التي سمّيت “قدامى” أو حركات تصحيحيّة أو غيرها، انتهت وتحوّلت إلى نادٍ صغير لتبادل الأحاديث، وربما للعب الورق.
النهار