رأى رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع أن “مجد لبنان حققه البطريرك وأسلافه، ولم يُعطَ لهم من أحد”. وشدد على أن “محور الممانعة، وعن سابق تصوّر وتصميم، يعطل الانتخابات الرئاسية لسببين:
الأول هو عدم قدرته على تأمين أغلبية لمرشحه، والثاني هو انتظار مجريات الأحداث في المنطقة لمعرفة كيفية التصرف في الداخل، باعتبار أن لبنان يأتي في المرتبة 17 في سلم أولوياتهم، فكل ما يحدث في المنطقة هو الأهم بالنسبة لهم، ولبنان يأتي بعد ذلك”.
وقال:
“نحن أبناء هذا الوادي، ولسنا أبناءه بالقداسة والروحانيات فحسب، بل أيضاً في المواجهة”، لافتاً إلى أن “هدفنا ليس انتصار طرف على آخر، بل انتصار الحق. لذا لا نقبل بأي شكل من الأشكال أن يُنتزع حقنا أو يُهدَر، ونرفض أن يستولي أي طرف على حقوق الآخرين”. وأضاف: “نحن لا نريد الإنتصار على أحد ولكن في الوقت ذاته لن نقبل أن يستعمل أي طرف سلاحاً غير شرعي موجوداً معه، معتقداً أنه بهذا السلاح يمكن أن يطغى علينا أو أن يجبرنا على اتخاذ مواقف لا نريد اتخاذها، لا، فهذه الأيام قد ولّت إلى غير عودة”.
كلام جعجع، جاء في العشاء الذي أقامه رئيس اتحاد بلديات قضاء بشري ايلي مخلوف في دارته في بقاعكفرا على شرف البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لمناسبة عيد القديس شربل، في حضور النائبة ستريدا جعجع، النائب السابق جوزيف اسحق، النائب البطريركي على الجبة وزغرتا المطران جوزيف نفاع، المدبر العام للرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة الأب طوني فخري، قائمقام قضاء بشري ربى الشفشق، قائد منطقة لبنان الشمالي الإقليمية في قوى الامن الداخلي العميد مصطفى بدر، رئيس رابطة مخاتير قضاء بشري الكسي فارس، رؤساء بلديات: حصرون – المهندس جيرار السمعاني، بزعون – رامي بو فراعة، حدث الجبة – جورج شدراوي، قنات – أنطوان سعادة، عبدين – نبيل ابو النصر، بقرقاشا – جورج البطي، رئيس مجلس إدارة مستشفى بشري الحكومي أنطوان جعجع، قائد سرية أميون العميد ميلاد نصرالله، قائد مفرزة الشمال القضائية العميد ريمون خليفة، رئيس مكتب استقصاء الشمال المقدم بطرس سيدة، مدير مكتب اللواء الياس البيسري المقدم الفرد صغبيني، مدير مكتب مخابرات بشري المقدم ايلي زكريا، المقدم خليل الاشقر، آمر فصيلة بشري النقيب شربل انطون، مأمور نفوس بشري جان ايليا، لفيف من الكهنة، وحشد من الفاعليات الأهليّة والمدنيّة في البلدة.
في مستهل كلمته، تناول جعجع مسألة “التهجمات التي شهدناها خلال الأسابيع الأخيرة على البطريرك الراعي”. وقال: “في الواقع، عبارة “مجد لبنان أعطي له” غير دقيقة. العديد من الناس يرددون هذه العبارة، ولكن الحقيقة هي أن مجد لبنان لم يُعطَ له، بل هو من صنع مجد لبنان نتيجة عمل سلسلة البطاركة وجهودهم ونضالهم على مر العصور، ولو لم يسهموا في صنع هذا المجد، لما كان لأحد أن يمنحهم شيئاً، باعتبار أن الله وحده هو من يعطي، وبالتالي فإن التعبير “مجد لبنان أعطي له” لا يعبر بدقة عن الواقع، بل إن مجد لبنان هو ثمرة عمل البطاركة المتعاقبين على هذا الكرسي”.
وتابع معبراً عن رفضه التام للتهجمات على البطريرك، وقال: “سيّدنا، نود التأكيد أننا نرفض ونشجب أي شكل من أشكال الهجوم الذي تعرضت له، وأنا لن نقبل بما حصل تحت أي ظرف. صحيح أن البطريرك الماروني راهب عادي شأنه شأن بقية الرهبان، إلا أنه على الجميع أن يدرك أن هذه الدنيا فيها واجبات ولياقات وحدود أيضاً. مهما كان رأي البطريرك، فإنه ليس مقبولاً بأي شكل من الأشكال أن يتم الهجوم عليه بهذا الشكل. كل شخص لديه الحق في إبداء رأيه، ولكن الهجوم الشخصي والتخوين لمجرد اختلاف الرأي ليس مقبولاً. البطريرك حر في رأيه، وأي شخص يرغب في دعمه أو معارضته له كامل الحرية في ذلك، ولكن الهجوم والتجريح والتخوين، إنما هي أمور مشجوبة ومرفوضة بشدّة من قبلنا. أحببت أن أسجّل هذه النقطة سيّدنا، لأقول لك أن هذه التصرفات غير مقبوله من قبلنا. غبطتك تتخذ الموقف الذي تراه مناسباً، وتتكلّم على قناعاتك كما هي، وعليه أتمنى أنا شخصياً أن يكون 99% من الشعب اللبناني مؤيداً لهذا الرأي. ولكن من لا يؤيدون هذا الرأي لهم كامل الحريّة في ذلك، إلا أنه في الوقت عينه لدينا حريّتنا بأن يكون لنا رأينا”.
وتطرّق إلى الوضع في الجنوب اللبناني، مستعرضاً تساؤلاته حول مسار الأوضاع العامة وما سيؤول إليه المستقبل. وقال: “منذ 8 أشهر حتى يومنا هذا، نسمع نظريات جمّة، نظريات من هنا وهناك، أي من المقاومة إلى الشيطان الأكبر والشيطان الأصغر وصولاً إلى مختلف أنواع النظريات الممكنة”، مشدداً على أهمية التركيز على الدفوع الشكلية في مناقشة النظريات المطروحة، وقال: “قبل الدخول في مناقشة هذه النظريات كلّها، أنتم تعلمون أنه في أي دعوى ترفع أمام أي محكمة من الممكن لأي محامٍ أن يبطلها في البداية قبل التطرّق إلى أساس الدعوى عبر ما يسمى بالدفوع الشكليّة، فعلى سبيل المثال إذا أقيمت دعوى واضحة موضوعها قيام فرد معيّن، لا سمح الله، بقتل فرد آخر، بشكل واضح وأمام أعين الجميع وامسكت به الشرطة القضائيّة وصوّروه وهو يرتكب جرمه واعترف به خلال التحقيق وإلى ما هنالك، وانبرى شخص ما، ليس صاحب مصلحة، وادعى على القاتل، يمكن لمحامي الجاني إبطال الدعوى بالشكل باعتبار أن المدعي لا يحق له الإدعاء لأنه ليس صاحب مصلحة في الدعوى. لذلك وانطلاقاً من هنا أود أن أتوجّه إلى جماعة “المقاومة” بالشكل، فقط بالشكل، لأسألهم: من أعطاكم الصلاحيّة أو كلّفكم بأن تشنوا حرباً نيابةً عن الشعب اللبناني برمته!؟ لم يكلّفكم أحد”.
وتابع مسلّطا الضوء على “آثار القرارات الأحادية لجماعة المقاومة”، وقال: “قبل ان نتطرّق إلى مضمون ما هو حاصل، صحيح أن هناك شهداء يسقطون، وأشخاصاً يتألمون ويتعذبون، وفي هذا الإطار لا تحاولوا اللعب على الوتر العاطفي معنا عبر محاولة “تحنين” قلوبنا لأن قلوبنا أصلاً تحن على ما يحصل من هذا الجانب. ولكن قبل ذلك، أود أن أقول: نحن ديمقراطيون، وكل 4 سنوات نذهب إلى الإنتخابات من أجل أن نختار نواباً ليتولّوا إيصال أصواتنا إلى مجلس النواب، ولكي يمنحوا أو يحجبوا الثقة عن الحكومة التي من المفترض أن تتخذ القرارات عنا، وهذا لكي نكون نحن كمواطنين مسؤولين بشكل من الأشكال عما سيحلّ بنا. نحن نتصرّف كالتلميذ الشاطر ونذهب إلى الإنتخابات، بكل تهذيب مطبقين القوانين المرعيّة الإجراء، وننتخب مجلس نواب، ومن بعدها ننظر فنرى أن القرار في مكان آخر، حتى في ما يتعلق بالقرارات الخطيرة جداً والمهمّة جداً”.
وانتقد الحكومة “لعجزها عن اتخاذ القرارات الضرورية”، وقال: “أنت أيتها الحكومة التي كلّفك الشعب اللبناني اتخاذ القرارات عنه ما الذي تقومين به؟ أنت لا تقومين بشيء ولا تحركين ساكناً. وبالتالي نحن اليوم واقعون بين مجموعة “فاجرة” تصادر قرار الشعب اللبناني “عينك بنت عينك” ويقولون بكل وقاحة “من يوافق يوافق ومن لا يوافق لن نهتم لرأيه فنحن “مقاومة” وسنكمل بما نحن نقوم به غير آبهين لرأي أحد”.
وأكد أن “هذا التصرف غير مقبول ومرفوض بشكل قاطع جملةً وتفصيلاً”، وقال: “لا يمكنكم القول “نحن مقاومة وسنكمل” لأن نتائج مقاومتكم هذه لا تترتب عليكم فحسب، فلو كان الأمر كذلك لكنا قلنا لكم حسناً افعلوا ما شئتم، وإنما الحقيقة أن نتائج أفعالكم هذه يتكبّدها الشعب اللبناني برمّته. حاولنا أن نقول لهم شيئاً من هذا القبيل عندما طرح موضوع التعويضات للجنوب، وقلنا من اتخذ قرار الحرب يفترض به هو أن يعوّض على أهل الجنوب، وقامت القائمة في حينه وبدأوا يهاجموننا على خلفيّة أن هذا الكلام مسيء للشهداء ودمائهم، في حين أننا جميعاً نعترف بغلاوة دماء الشهداء وبوجوب التعويض على ذويهم، ولكن ما نقوله هو أننا نريد أن نعرف من سيقوم بدفع هذه التعويضات؟ ليست الدولة اللبنانيّة هي من اتخذ قرار الحرب لكي تتكفّل بالتعويضات، فمن اتخذ القرار يجب أن يتحمل مسؤوليته.”
واستطرد جعجع: “لم تتخذ الحكومة القرار، ورئيس الحكومة صرح أكثر من مرة بأن الحكومة لم تكن على علم بهذا القرار ولا يمكنها فعل أي شيء حيال ذلك. نحن لا نتفق مع هذا المنطق لأنه من المفترض أن يكون رئيس الحكومة قادرًا على اتخاذ موقف، على الأقل أن يوضح أنه لا يدعم الحرب وما يحدث في الجنوب ليس ناتجًا عن قرار حكومي. في الماضي، تصرف رؤساء الحكومات بشكل مشابه، حيث أكدوا أنهم لم يكونوا على علم بما يجري ولم يتخذوا أي قرار بشأنه، ولكن، إذا نظرنا إلى تركيبة الحكومة الحالية، نجد أنها تتألف من قوى “الممانعة” و”التيار الوطني الحر”، وبالتالي “وافق شن طبقة”، ما أدى إلى تشكيل حكومة لا تعبر عن مصالح لبنان بشكل حقيقي. وبدلاً من التركيز على حل المشاكل الوطنية، ينشغل أعضاؤها بتقاسم المناصب العامة والتعيينات، بينما الأوضاع في البلاد وفي الجنوب غير موجودة أساساً من ضمن اهتماماتهم”.
وشدد على أن “الحرب في الجنوب أسفرت، حتى اليوم، عن مقتل أكثر من 500 شهيد، من دون وجود أي سبب واضح لهذه الحرب. نحن نعرف تمامًا الأطماع الإسرائيلية، ولكن كيفية اندلاع الحرب في الجنوب وأهدافها مسألة مختلفة. المفترض أن الحرب الحالية تهدف إلى دعم غزة، في حين ان الأخيرة تعاني من دمار شامل، ولم يعد فيها “حجر على حجر”، أي أنها لم تستفد بشيء من هذه المساندة. حتى الآن، لقد سقط أكثر من 40,000 قتيل في غزة، بالإضافة إلى 500 شهيد في لبنان، وكل هذا هدفه الحقيقي ليس دعم غزّة وإنما بقاء “حزب الله” وإيران ضمن المعادلة الإقليمية. المؤسف أن “حزب الله” ارتضى أن يلعب هذا الدور، في الوقت الذي يجب على إيران أن تتولى مسؤولية الحرب مباشرةً إذا ما كانت تريد البقاء ضمن المعادلة الإقليميّة بدلاً من استخدام لبنان كوسيلة لتحقيق أهدافها”.
وانتقل للحديث عن انتخابات رئاسة الجمهورية. واصفًا هذه الانتخابات بأنها “أكبر المهازل” التي يعيشها لبنان، ووجه انتقادات حادة لجماعة “الممانعة” لتعطيلهم الجلسات الانتخابية، وقال: “في الانتخابات الرئاسية السابقة، لم يُسلط الضوء على الجانب الذي نقوم بتسليط الضوء عليه في هذه الإنتخابات، ما أدى إلى النتيجة التي نعرف. أما هذه المرة، فالأمور مختلفة تماماً، فهي ليست ككل مرة سابقة”.
ولفت إلى أنه لا يستمتع بالمماحكات السياسية لأنها لا تقدم شيئاً للناس، ولكن من باب العودة إلى الحقائق، يقول ما يقوله: “إذا أردنا فهم ما يحدث في الانتخابات الرئاسية، الأمر بسيط. لقد تمت الدعوة إلى 13 جلسة انتخابية حتى الآن، ويكفي العودة الى مشاهدة تسجيلات هذه الجلسات مجدداَ لنرى من هم النواب الذين انسحبوا في كل جلسة من هذه الجلسات عقب الدورة الأولى وطيّروا النصاب، على الرغم من أن الجميع يعلم أنه لا يمكن انتخاب الرئيس من الدورة الأولى. وفي هذا الإطار أجد من المهم جداً أن أفتح قوساً لأشير إلى ما حدث أمس في مجلس النواب الفرنسي، الذي يمكن القول إنه أكثر تشرذماً من مجلس النواب اللبناني. ففي فرنسا، وبعد الانتخابات النيابية الأخيرة، انقسمت الأحزاب إلى يسار ووسط ويمين، وكل قسم منهم متشظٍ بدوره إلى أجزاء عدة. وعلى رغم هذا التشظي، لم ينسحب النواب من جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب بعد الدورة الأولى، كما يفعل نواب “الممانعة” في لبنان. بل استمروا في الجلسة إلى حين انتخاب الرئيس في الدورة الثالثة”.
وتابع: “الجدّي والذي يريد فعلاً إتمام الانتخابات يتصرف بهذا الشكل، وتستمر الجلسات حتى انتخاب الرئيس. وفي الدورة الثانية أو الثالثة يُنتخب الرئيس الجديد. ولكن الحقيقة هي عكس ذلك تماماً، ففي جلسات الإنتخاب كلها، انسحب نواب “الممانعة” بعد الدورة الأولى لإسقاط نصاب الجلسة. يريدون الحوار قبل الإنتخابات، في حين أننا نريد الانتخابات قبل الحوار، وهذه المسألة برمّتها هي مجرد رأي وليست قاعدة دستورية. فإذا كان هناك مادة دستورية تنص على الحوار قبل الانتخابات، فلتُبرز لنا. ولكن إذا لم ينص الدستور على ذلك، فيمكن للكتل النيابية طرح فكرة الحوار، ويجوز للكتل الباقية الرد عليها سواء بالقبول أو الرفض، ولكن لا يمكن لأحد التلاعب بالاستحقاق الدستوري كاستحقاق دستوري”.
أضاف: “تريدون الحوار، قلنا حسناً ولكننا بطبيعة الحال لن نسمح بأن تتحوّل هذه المسألة إلى عرف دستوريّ بشكل من الأشكال، ولكي نكسر الشر، خرجت المعارضة بمبادرة لا تزال حتى اليوم تتفاعل، وتقوم على مقاربتين للحوار غير المؤسساتي: الأولى تتداعى الكتل النيابية للحوار في ما بينها، والثانية، وهي المقاربة الأنسب والدستوريّة 100%، وتقوم على أن يدعو الرئيس بري إلى جلسة انتخابات رئاسية، بما أنه يحب إلى هذا الحد أن يقوم هو بالدعوة، والمهم عنده هو فقط أن يدعو، وخلال هذه الجلسة تجري الدورة الأولى، فإذا ما أنتجت رئيساً كان به، أما إذا لم يتم انتخاب رئيس فيها، فعندها يعطي الرئيس بري النواب مهلة معيّنة من أجل أن يتداولوا في ما بينهم على أن يقوم بعد هذه المهلة باجراء دورة ثانية، وهلم جرّاً إلى حين انتخاب رئيس. وأنا أؤكد أنه في هذه الحال سنصل إلى انتخاب رئيس خلال يوم واحد إذا لم يكن أقل من ذلك”.
واعتبر أن “محور الممانعة مستعدون للكذب في كل شيء، يدّعون إن المسيحيين غير متفقين على مرشح واحد، في حين أنه خلال الجلسة الشهيرة في 14 حزيران من العام الماضي، كان المسيحيون متفقين على مرشح واحد هو جهاد أزعور”، مؤكداً أن “المسيحيين ما زالوا مستمرين في تقاطعهم على هذا المرشّح”. وقال: “في تلك الجلسة، كان هناك مرشحان: سليمان فرنجيّة وجهاد أزعور. حصل فرنجيّة على 51 صوتاً وأزعور، وهو في نيويورك، حصل على 59 صوتاً، ثم انسحبوا من الجلسة بعد الدورة الأولى. لماذا لم تُستكمل الجلسة وتُجرى الدورة الثانية؟ أين المشكلة في الدورة الثانية؟”.
وتابع: “يقولون إن الأمور بحاجة إلى حوار، ولكن هذا ليس صحيحاً. منذ بداية الاستحقاق الرئاسي إلى الآن، حصلت آلاف الحوارات بين الكتل النيابية، وهذه مجرد ذريعة لتغطية تعطيل الانتخابات. يجب علينا من الآن فصاعداً أن نحدد الفاعلين الحقيقيين لا أن نعمد إلى تجهيل الفاعل، لأن عدم التحديد يشجع الفعلة على الاستمرار في فعلتهم. لذلك أقولها جهاراً، إن محور الممانعة، وعن سابق تصوّر وتصميم، يعطل الانتخابات الرئاسية لسببين: الأول هو عدم قدرته على تأمين أغلبية لمرشحه، والثاني هو انتظار مجريات الأحداث في المنطقة لمعرفة كيفية التصرف في الداخل، باعتبار أن لبنان يأتي في المرتبة 17 في سلم أولوياتهم، فكل ما يحدث في المنطقة هو الأهم بالنسبة لهم، ولبنان يأتي بعد ذلك”.
وتحدث عن أهمية الالتزام بالدستور اللبناني كمرجع أساسي في حل القضايا العالقة، وقال: “نحن أبناء هذا الوادي، ولسنا أبناءه بالقداسة والروحانيات فحسب، بل أيضاً في المواجهة. لولا هذه المواجهة لما بقي الوادي على ما هو عليه اليوم. نحن الآن في حالة مواجهة، وهدفنا ليس انتصار طرف على آخر، بل انتصار الحق. لا نقبل بأي شكل من الأشكال أن يُنتزع حقنا أو يُهدَر، ونرفض أن يستولي أي طرف على حقوق الآخرين. على سبيل المثال، بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، صحيح أنه لم يكن من هذا الوادي تحديداً وإنما من الوادي بمعناه الأكبر، وقفنا جميعنا وانتصرنا للحق، لأنها قضيّة حقّ، وهذا ليس المثال الوحيد وإنما هناك غيره من الأمثلة الكثيرة، نحن لا نريد الإنتصار على أحد ولكن في الوقت ذاته لن نقبل أن يستعمل أي طرف سلاحاً غير شرعي موجودا معه، معتقداً أنه بهذا السلاح يمكن أن يطغى علينا أو أن يجبرنا على اتخاذ مواقف لا نريد اتخاذها، لا، فهذه الأيام قد ولّت إلى غير عودة”.
وتابع: “الأهم هو أن نعود إلى الدستور، كما كان يقول فؤاد شهاب، لأنه الحكم والفيصل في أي مسألة نختلف حولها. وفي هذا السياق، أسأل أين ينص الدستور على المقاومة؟ هذه واحدة من أكاذيبهم الفاضحة، فالدستور واتفاق الطائف يدعوان إلى إحياء اتفاق الهدنة بين لبنان وإسرائيل. هذه الكذبة شأنها شأن عدم وجود مادة دستورية تحصر الدعوة للحوار برئيس مجلس النواب، فإما أن يقوم هو بالدعوة، أو أن هذه الحوارات لا تكون مصدّقة وممهورة. والدليل على نفاقهم في مسألة الحوار هو أنهم يرفضون استقبال وفد المعارضة الذي يريد إجراء حوار الآن، فهدفهم الفعلي ليس الحوار بل السيطرة على الآخرين، ولن نسمح بذلك أبداً”.
وختم جعجع: “المواجهة مستمرة، ونحن أبناء هذا الوادي. غبطتك، مجد لبنان، أنتم وأسلافكم حققتموه، ولم يُعطَ لكم من أحد. وسنواصل معكم المواجهة حتى نصل إلى لبنان الذي نطمح إليه، إن شاء الله”.
وألقى مخلوف من جهته كلمة قال فيها:
“لقد بات حضوركم يا صاحب الغبطة والنيافة من مباهج عيد مار شربل، ومن أسمى المشاعر بفرح الإحتفال به، ومحطةً تلبي انتظارنا السنوي لنعمة اللقاء بكم، أباً ورئيساً تنشر فيض الشركة والمحبة في القلوب، وتعمّمه ليصير فيضاً من الشركة الوطنية المصحوبة بمحبة اللبنانيين”.
أضاف: “بهذا الفرح العميم المفعم بالأمل والثقة بكنيستنا وبوطننا نستقبلكم يا صاحب الغبطة، نحن أبناء بقاعكفرا، تشاركنا وجوه قيادية مسؤولة سياسية وإدارية وأمنية، يجمعهم الإيمان بمار شربل، والمحبة لشخصكم والولاء لمقامكم. فباسم خادم الرعية الخوري ميلاد مخلوف ومخاتيرها سمير داوود ونعيم شليطا وليشع كرم، وسائر هيئاتها وأبنائها أرحب بالجميع ترحيب الأخوة الصادقة، شاكراً حضورهم ومشاركتهم الطيبة”.
وتابع: “يؤسفنا ويؤلمنا أن ترافق العيد، هذه السنة أيضاً، مجموعة هواجس وأزمات تقارب الجراح في القلب، إنها هواجس سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية. في السياسة يستمر الفراغ الرئاسي، وفي الإقتصاد يستمر الإنهيار، بخاصة في ما يتعلق بالطبقات المحتاجة، وهي أكثرية الشعب اللبناني، وفي الأمن تتفاقم الأخطار بارتفاع معدلات الجريمة على أنواعها، وفي الاجتماع نزيف هجرة يهدد أرضنا بالفراغ من شبابها. في الفراغ الرئاسي يستمر تعطيل الاستحقاق وفق الآليات الدستورية، وسط احتدام التجاذب الداخلي والارتهان الخارجي، حتى يبدو مجلس النواب مشلول القرار والدور بفعل إغلاقه المُحْكَمَ غير المبرر”. وقال: “إن هذا التعطيل المتمادي يهز الصيغة اللبنانية، التي ارتضاها اللبنانيون، وبلوروها بالميثاق الوطني. وفي الانهيار الاقتصادي يزداد فقر الفقراء، وقد قُضِي على الطبقة الوسطى، وتحولت فقيرة، والحاجة تولد التوتر والاقتتال ، بِقَدْرِ ما تضاعف نزعة الهجرة إلى الخارج”.
وقال: “بالرغم من كل ما جرى ويجري من فضائح ومآس على الصعيد المالي لم يتوصل المسؤولون المعنيون الى وضع خطة نهوض واصلاح ترد بصيص الأمل الى النفوس، أما الأمن المتدهور فهو نتيجةً منتظرة لتفلّت السلاح، ولعجز الدولة عن مكافحة المحميات الأمنية، ولوجود أكثر من مليوني نازح سوري ولاجىء فلسطيني، تستمر السياسة الدولية في استغلال قضيتهم لخدمة مصالحها على حساب لبنان. إنني أتناول هذا الأمر بأبعاده الوطنية بالرغم من خطة تنظيم الوجود السوري في قضاء بشري، التي حققناها من خلال البلديات، وأرخت جواً من الارتياح في القضاء. وفي التداعيات الاجتماعية لواقعنا نرى الأخطار المتزايدة على شبابنا تحت وطأة البطالة والحاجة وانعدام الفرص وانسداد الآفاق المستقبلية، نراها في استباحة قيمنا، وتفشي المخدرات، وتفكك عائلاتنا وسواها، ما يفرض علينا جميعاً القيام بحملة توعية واسعة وتحفيز عميق لشبابنا لكي ينخرطوا في إدارات الدولة، فيثبتوا حضورنا في هذه الإدارات، ونفتح بموارد العمل أبواب الأمل”.
أضاف: “نطرح هذه المعضلات، ونعمل على مستوى البلديات المعدومة الإمكانات، لمواجهتها برفع صوتنا وراء صوتكم يا صاحب الغبطة في ثوابتكم الوطنية، وفي مساعيكم المحلية والخارجية لإتمام الاستحقاق الرئاسي، وفي رسائلكم واتصالاتكم حول مشكلة النزوح السوري الى لبنان، وفي مبادرات كنيستنا الراعوية الإجتماعية، والأهم من كل هذا، في كونكم تبثّون الأمل في النفوس القلقة، وتزرعون الثقة في القلوب المضطربة”.
ورأى أن “حجم الأزمات الوطنية المذكورة لم يوقفنا عن العمل، على المستوى البلدي، بالرغم من الإمكانات المعدومة؛ فتستمر بلدياتنا بمهمات الضرورة في مجالات النظافة والسلامة العامة وجمع النفايات، ودعم البنى التحتية للقطاعين الزراعي والسياحي، وتأهيل الطرقات الفرعية، وتعزيز عمل الشرطة البلدية والتعاون لتسهيل عمل بعض المرافق الرسمية والإدارات العامة، التي تشبهنا في المعاناة من ضعف الإمكانات، ودعم الكثير من المبادرات الثقافية المتصلة بتراث المنطقة، منطقة الأرز والوادي المقدس، الروحي والوطني”.
وشدد على أن “لبنان يا صاحب الغبطة قوي بكم تحملون ثوابت البطريركية المارونية الوطنية، التي قامت عليها رسالتنا ودورنا وحضورنا، وقوي بالتفاف اللبنانيين المخلصين حول هذه الثوابت، وبالرغم مما تتميز به الأيام الحالية من ظلمةٍ وضيق وتحديات، فإن إرادة الصمود فوق أرض لبنان هي الأقوى في نفوسنا، وإرادة إنماء منطقتنا هي أبرز مؤشرات الصمود والإنتصار على الأزمة. ويتحقق هذا من خلال تعاون صادق مخلص بين بلديات القضاء والمخاتير وسائر الهيئات، تدعمنا فيه وتضاعف ثماره سعادة النائب ستريدا جعجع بمواكبتها وسعيها الحثيث لاطلاق وتنفيذ مشاريع التنمية العامة في المنطقة، فلها منا الشكر والتقدير والوفاء، كما نقدر اهتمام سائر المسؤولين في قطاعات الإدارة والأمن والخدمة العامة، وجهودهم في سبيل تطور ونمو هذه المنطقة المميزة من لبنان. وليس لنا أن نُغفل الدعم الإقتصادي البارز الذي وفره أهلنا في بلدان الإنتشار، ولا يزالون يوفرونه، وفاء منهم لوطنهم الأم. إنني أحيي كل هذه الجهود المتعددة المصادر، المتطلعة الى هدف وحيد بعيد هو ترسيخ شبابنا في أرض لبنان، وبناء مستقبلهم فوق هذه الأرض”.
وتابع: “إنني أسأل الله، بشفاعة القديس شربل، والطوباوي الجديد البطريرك العلامة اسطفان الدويهي، الذي ستكون لنا محطات احتفالية عدة في نطاق هذه المنطقة، احتفاء بتطويبه المبارك، أسأله أن يستجيب لصلواتكم يا صاحب الغبطة، وصلوات سائر المؤمنين في سبيل خلاص لبنان”.
وختم مجدداً شكره لحضور البطريرك المبارك، ولعناية نائبه المطران جوزف نفاع الرعوية بهذه المنطقة، ولجميع المشاركين مشاركة الإيمان بالله وبلبنان.