ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس اختتام اعمال سينودوس الكنيسة المارونية في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطرانان عبدالله زيدان وجورج شيحان، ومشاركة السفير البابوي المونسينيور باولو بورجيا ومطارنة الطائفة في لبنان وبلدان الانتشار.
بعد الانجيل المقدس، القى الراعي عظة بعنوان: “وصلّى يسوع: سبحانك يا أبي يا سيّد السماء والأرض” (متى 11: 25)”، قال فيها: “يقسم إنجيل اليوم إلى ثلاثة أقسام: الأوّل، شكر على كشف هذه الأمور للأطفال، وإخفائها عن الحكماء والفهماء؛ الثاني، العلاقة الفريدة بين يسوع وبين الآب، الثالث، الدعوة للمجيء إليه واتّباعه لنجد الراحة. أوّلًا، يشكر يسوع أباه، على اخفاء هذه الأمور عن الحكماء والفهماء، أي حقيقته وقيم ملكوته، وكشفها للأطفال والبسطاء. الحكماء والفهاء هم الممتلئمون من ذواتهم، المستغنون عن الله وعن مسيحه وسرّ كنيسته. وما أكثرهم في مجتمعنا المثقّف والراقي! مثقّف في كلّ شيء ما عدا في الله. وها نحن نعود اليوم إلى أبرشيّاتنا ومكان عملنا، وقد تزودنا من الرياضة الروحيّة ومن السينودس المقدّس. حاملين الكثير من النوايا الحسنة لنشهد للمسيح القائم من الموت، ونعلّم شعبنا سرّ المسيح والكنيسة، ونخرجه من جهله”.
أضاف: “ثانيا، يشرح لنا المسيح علاقة الشركة بينه وبين الآب والمعرفة الكاملة بينهما. ويبيّن لنا أنّنا في الإبن نعرف كلّ سرّ الآب. “من رآني يرى الآب”، كما قال ربّنا يومًا لتلميذه فيليبّس. ففي الإبن نرى ونعرف كلّ سرّ الآب. ولولا الإبن لما كان لنا أي مدخل لنعرف الآب. فالإبن هو شعاع الآب، وبهاء مجده، وصورة جوهره. وثالثًا، يدعونا إليه نحن الثقيلو الأحمال، لنتعلّم منه الوداعة وتواضع القلب، فنجد راحة لنفوسنا. الوداعة هي التطويبة الثالثة من إنجيل التطويبات: “طوبى للودعاء فإنّهم يرثون الأرض” (متى 5: 5). والتواضع أو المساكين بالروح هو التطويبة الأولى: “طوبى للمساكين بالروح أو الودعاء فإنّ لهم ملكوت السماوات” (متى 5: 3). المتواضع هو كالشجرة الكثيرة الثمار، فإنّها تنحني، ولا تتحرّك مع كلّ ريح. بينما المتكبّر كالشجرة العديمة الأثمار تتشامخ أغصانها، وتتحرّك مع كلّ ريح. وإنّا كلبنانيّين نتطلّع إلى وحدتنا الوطنيّة التي تجمعنا في كنف وطن واحد نعتزّ به. فالمؤمنون بلبنان، وهم من جميع الطوائف والمناطق ظنّوا أنّهم أنجزوا مهمّتهم مع إنشاء الدولة وانتزاع الإستقرار وإقرار “إتّفاق الطائف” وتوقّعوا أن تكون المحن والحروب التي مرّت على اللبنانيّين كافية ليستخلصوا العبر ويقتنعوا بكيان لبنان وخصوصيّته وحياده وهوّيته. لكن “الملحدين بلبنان” المؤمنين بمشاريع دينيّة وقوميّة وانفصاليّة، وهم من جميع الطوائف والمناطق أيضًا، شرعوا بتدميره، منذ لحظة تأسيسه، ولم تنفع لديهم كلُّ التنازلات والتسويات السياسيّة والتعديلات الدستوريّة”.
وتابع: “إنّ عدم انتخاب رئيس للجمهوريّة هو في هذا التقاطع بين هذين الفريقين. فإذا سلمت النيات اتفقا على رئيس جامع بينهما، إذ لا يمكن ترك لبنان من دون رئيس. فالبلاد لا تتحمّل أي تأخير سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا ودستوريًّا وحياةً لمجلس النوّاب وللحكومة ولجميع مؤسّسات الدولة. فالمطلوب من هذا الرئيس: العمل على أن يتزامن الولاء للبنان مع كونه “وطنًا نهائيًّا لجميع أبنائه”، كما ينصّ الدستور (المقدمّة أ). والعمل على حلّ التباين بين المكوّنات اللبنانيّة حول التاريخ المشترك، إذ يتعذّر الإتفاق على كتاب تاريخ، ولا توجد أمّة بدون كتاب تاريخ. والعمل على مداواة انفصام الشعور بالإنتماء إلى وجدان وطنيّ واحد وقضيّة واحدة ومستقبل واحد. والعمل على وضع حدّ لتفشيّ الولاءات الخارجيّة المناقضة مصلحة لبنان والمتناقضة فيما بينها. والعمل على مداواة إنهيار الدولة اللبنانيّة الجامعة التي هي الإطار الدستوريّ والقانونيّ والمؤسّساتي للأمّة والوطن والكيان”.
وختم الراعي: “نلتمس، من أمّنا مريم العذراء أن تستمدّ لنا من الله كيفيّة تمييز علاماته في حياتنا. فنرفع له المجد والتسبيح الآن وإلى الأبد، آمين”.