بو عاصي: قطر تعمل بجدية سياسيّة بعيداً عن الاستعراض

جاء في “الشرق” القطريّة:

الانقسام السياسي في لبنان ليس حالة مستجدة، بل هي غائرة في عمق الجسد اللبناني عبر التاريخ، تتبدل وتتغير تبعا للظروف والصراعات الإقليمية وتتلون وتتخذ أشكالا متعددة ومتنوعة لكنها تبقى العنوان الدائم للأزمات السياسية. وفي هذه الأيام يأخذ الانقسام السياسي طابعا حادا تجسد بانقسام المجلس النيابي بين فريقين لا أحد فيهما يملك الأكثرية مما أدى إلى شلل المؤسسات الدستورية وعجز اللبنانيين عن انتخاب رئيس للجمهورية. وقد جاء اشتعال جبهة جنوب لبنان تضامنا مع غزة ليزيد حدة الانقسام السياسي ويضع مستقبل لبنان أمام تحديات تنذر بالمجهول.

ومع تصاعد التوتر والمواقف السياسية على الساحة اللبنانية برز حزب القوات اللبنانية بمواقفه الرافضة للهيمنة على الدستور والجلوس على طاولة الحوار قبل انتخاب رئيس للجمهورية. خصوصا وأنه يمتلك كتلة الجمهورية القوية وهي كتلة نيابية كبيرة ووازنة وربما تكون الأكبر بين الكتل في مجلس النواب اللبناني. مما جعل حزب القوات اللبنانية محورا رئيسا بين القوى والأحزاب لا يمكن تجاهله في الشأن اللبناني.

«الشرق» التقت رئيس وفد كتلة الجمهورية القوية في زيارته إلى الدوحة النائب بيار بوعاصي الذي تحدث بكثير من الصراحة والجرأة حول مختلف الملفات اللبنانية بتعقيداتها وتشعباتها المحلية والإقليمية، حيث استهل حديثه بتوجيه الشكر والتقدير إلى دولة قطر على الجهود التي تقوم بها لمساعدة لبنان للخروج من أزمته عبر الاستماع إلى آراء مختلف القوى والأحزاب ومدى تقبلهم لإيجاد منطلقات للتفاهم والتوافق تؤسس لبلورة مبادرة سياسية. وأكد بوعاصي أن الدوحة عودتنا أن تكون حريصة على استقرار وسيادة لبنان بدون أن تتدخل في الشؤون السيادية ولكن تطرح نفسها كمساحة للقاء والحوار وهي رسالة رائدة وراقية ومميزة. مؤكدا أن قطر تعمل بنية صافية وبجدية وواقعية سياسية بعيدا عن الحركات الاستعراضية.

ويعترف بو عاصي أن الدوحة محقة في قلقها على الوضع في لبنان وهو قلق ناجم عن عدم قدرة الأطراف اللبنانيين على انتخاب رئيس الجمهورية، مؤكدا أن حزب القوات اللبنانية وكأكبر تكتل في البرلمان اللبناني يؤيد موقف الدوحة بأن الحل يبدأ بالسياسة أولا.
ويحذر بو عاصي من خطورة ضرب الدستور وتهديد العقد الاجتماعي في لبنان متهما حزب الله بالهيمنة بفائض القوة العسكرية على الساحة اللبنانية، ويقول إن حزب الله ليس حزبا لبنانيا لأن ولاءه إيراني ويغلب مصالحها على المصلحة اللبنانية كما لا يتوانى عن اتهام رئيس مجلس النواب نبيه بري بتجاوز صلاحياته الدستورية. معلنا رفضه التام لانتخاب سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية حتى لو تبنته اللجنة الخماسية.

ولا يتوانى النائب بو عاصي عن التلويح بشبح الحرب الأهلية في ظل انسداد الأفق السياسي واستمرار التغول من قبل فريق على آخر. مؤكدا أن حزب القوات اللبنانية ليس من هواة الحرب لكنه لن يستسلم ولن يرضخ لتقديم تنازلات تمس بالدستور اللبناني…

في ما يلي نص الحوار:

– خلال الأيام الماضية كانت هناك وفود لبنانية تزور الدوحة ويبدو أن هناك جهوداً لحلحلة الوضع، وسعادتكم أجريتم محادثات مع المسؤولين القطريين.. ما هي أهم مخرجات هذه الاجتماعات؟

يعني بكل صراحة عودتنا الدوحة أن تكون حريصة على استقرار وسيادة لبنان دون أن تتدخل في الشؤون السيادية ولكن تطرح نفسها كمساحة للقاء والحوار وهي رسالة رائدة وراقية ومميزة. في 2008 لعبت الدوحة دورا كبيرا وفي 2006 لعبت دورا أساسيا سياسيا وإعماريا وبعد حرب تموز. واليوم تستكمل قطر دورها بشقين: جهودها كجزء من الخماسية التي تسعى إلى حلحلة الوضع وإنهاء عدم الاستقرار السياسي في لبنان. إلى الجانب الشق الثاني جهود دولة قطر لمساعدة لبنان على تجاوز عدد من مشاكلها الراهنة التي تهدد الاستقرار في أزماته المتشعبة منها مشاكل مالية واقتصادية واجتماعية إلى جانب مشكلة النزوح السوري والحرب الدائرة في جنوب لبنان دون موافقة الحكومة اللبنانية ولا الشعب اللبناني، وأخيرا وليس آخرا الأزمة السياسية المؤسساتية التي تتمثل في عدم القدرة على انتخاب رئيس الجمهورية وصراحة الدوحة اليوم، وهي محقة، تحاول حلحلة هذه الأزمة لأنه لا يمكن تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي دون أن يكون هناك رئيس للجمهورية. فالدوحة قلقة على الوضع في لبنان وهي محقة في ذلك، قلقة من عدم قدرة الأطراف اللبنانيين على احترام الدستور وانتخاب رئيس الجمهورية خاصة. وبدل أن تستسلم الدوحة لقدرية معينة في لبنان تحاول أن تكتشف مدى قابلية اللبنانيين والأطراف السياسية لدورها في حلحلة المشكلة. أما الخطوة الثانية فهي المنهجية، يعني نحن اليوم بين الأمرين التقبل والمنهجية، إذا تبين أنه هناك قبول من الأطراف السياسية للدور القطري ستكون المنهجية واضحة، أعتقد أن الدوحة للمرة الثانية والثالثة والرابعة سوف تلعب دورا في تخفيف الاحتقان للوصول إلى الاتفاق على رئيس الجمهورية مما يضبط إيقاع العمل السياسي في لبنان ومثل ما قلت لا استقرار في المجمل دون استقرار سياسي، ونحن كحزب القوات اللبنانية وكأكبر تكتل في البرلمان اللبناني نؤيد موقف أصدقائنا بالدوحة بأن الحل يبدأ بالسياسة أولا.

– معالي النائب، يبدو أن لبنان تعاني من مجموعة أزمات تتفرع عنها أزمات أخرى.. كيف وجدتم الجدية القطرية في معالجة هذه الأزمات خاصة اختيار رئيس الجمهورية؟

قطر دولة جدية، عندما تقوم بمبادرة ما تذهب في هذا الاتجاه بنية صافية وبجدية وواقعية سياسية بعيدا عن الحركات الاستعراضية وهي مُصرة على الفعالية والإنتاجية وضمان احترام سيادة لبنان لذلك الدوحة تستقبل كل الفرقاء اللبنانيين وتعمل على منهجية قبل الانتقال إلى الخطة العملية لحل هذه الأزمة للأسف هناك عدد من أصدقاء لبنان يفضلون الاستعراض.
لذلك الدوحة تعمل على أسس صلبة، أولا تريد التحقق من تقبل الطبقة السياسية اللبنانية لجهودها ثم يتم الاتفاق على المنهجية وهذه السياسة المرحلية دليل على الجدية وليست دليلا، كما يعتقد البعض، على التردد.

– مع الجدية القطرية في العمل على حل الأزمة اللبنانية.. هل تعتقدون أن هناك جدية لبنانية في المقابل؟ وهنا أقصد من القوى والفصائل والأحزاب اللبنانية هل هناك جدية في التعاطي مع الجهد القطري؟

للتأكد من موقف الفرقاء اللبنانيين استقبلت دولة قطر وليد جنبلاط، ونحن ثاني مجموعة تزور قطر إلى جانب الوزير علي حسن خليل المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب اللبناني وهذه اللقاءات سوف توضح مدى جدية وقبول الأطراف السياسية اللبنانية للمبادرة القطرية. نحن نؤكد جديتنا في هذه المقاربة ومستعدون للانفتاح. وهنا أريد أن أقول شيئاً مهماً، نحن نأتي إلى الدوحة كسياسيين لبنانيين لأننا فشلنا في الاتفاق في ما بيننا وفشلنا في تطبيق الدستور، مع تأكيد شكرنا ألف مرة لدولة قطر لذلك نجد أن الدوحة حذرة لأن الطبقة السياسية اللبنانية فشلت في تطبيق الدستور وانتخاب رئيس.
لذلك هناك قلق فعلي في الدوحة تحديدا، ويمكن عند الخماسية التي نشكرها بالمناسبة على اهتمامها بلبنان لو أن درجة الانخراط والجدية متفاوتة من دولة إلى أخرى وليست على نفس المستوى. من المفروض عندما تحدث أزمة سياسية نجلس على طاولة حوار ونتشاور ونحتكم للدستور لأنه مخصص لحل الخلافات وقت الأزمات ولكن في لبنان في أول أزمة نطيح بالدستور وهذا يهدد الاستقرار السياسي اللبناني على المدى الطويل.

– ما هي حقيقة الأزمة في لبنان؟ هل هي أزمة سياسية أم أمنية؟ أم هي بسبب تغول قوى أو فصائل أو أحزاب على الأطراف الأخرى؟ أين مكمن هذه الأزمة التي تتكرر بالمناسبة كل 5 أو 10 سنوات ونعود دائما إلى نقطة الصفر؟

أسباب الأزمة كلها حددتها في حديثي السابق وهي أزمة متعددة الأبعاد، أزمة لبنان ليست ذات بعد واحد وحزب الله وحركة أمل مسؤولان عن كمّ مهمّ من المشاكل والمصائب في البلاد لكن ليس كل المشاكل للأمانة رغم عدائيتي تجاه ما قام به حزب الله وتسبب في ضرب الاستقرار في لبنان، عدم قبول قواعد اللعبة هو ما يسبب عدم الاستقرار في لبنان.
في لبنان هناك عقد اجتماعي تأسس على أسس الدستور وإرادة العيش المشترك بين المكونات السياسية والأفراد كما حصل في أوروبا، وكل من يضرب العقد الاجتماعي بالاستقواء يضرب أسس لبنان وسوف ينفجر الوضع عليه بشكل خطير في أي وقت.
لو تحدثنا عن فترة ما بعد نهاية الحرب، تم الاتفاق في الطائف، أي خارج لبنان، وهذا دليل فشل مع شكر للمملكة وكل من دعم الاتفاق من دولة قطر والدول الغربية وغيرها- وقع تثبيت العقد الاجتماعي بين الأفراد والمكونات اللبنانية مع بعض التعديلات في الدستور لكن الهيمنة السورية وبعض القوى لم تحترم أيًّا من هذه التفاهمات والالتزامات على مدى 15 سنة من الوجود السوري ثم جاءت جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وحرب 2006 وصولا إلى اتفاق الدوحة عام 2008. إذن العقد الاجتماعي في لبنان مهدد وهذا أدهى ما يحصل وأخطر وأسوأ من المشكلة المالية والنقدية والاجتماعية والنزوح السوري والحرب الدائرة في الجنوب وكل الذي ذكرناه لأنه أصبح هناك خلل وتشكيك من قِبَل اللبنانيين بهذا العقد الاجتماعي الذي جمع المكونات اللبنانية والأفراد، المكونات اللبنانية أمام الدستور والأفراد أمام القانون.

– هذا الخوف الذي تتحدث عنه اليوم هل يمكن أن يقودنا إلى العودة إلى ما حدث في السبعينيات إذا استمرت هذه العرقلة وهذا الاحتقان؟

نحن كحزب القوات اللبنانية من 75 إلى 90 كنا تنظيما مسلحا ومن منظورنا هو ردة فعل على تهديد الهوية اللبنانية من قبل منظمة التحرير الفلسطينية التي تحولت بعدها إلى أعز أصدقائنا بعد الانسحاب وتقديم الاعتذار عما تسببت فيه من مآسٍ في البلاد من قبل الراحل ياسر عرفات ومن بعده الرئيس أبو مازن.
إذا نحن نعرف تماما ماهية الحرب الأهلية والتنظيمات المسلحة، وانتهت الحرب باتفاق الطائف وكنا من أركانه الأساسية وكان هاجسنا أن نخرج من الحرب ونؤسس لمستقبل هادئ وقانوني ودستوري. ولكن هناك واقع ثابت وجود أي مجموعة سياسية أو أمنية تعمل على إلغاء وجود المجموعات الأخرى وتهميشها تكون النتيجة عاجلا أم آجلا أمرين، إما أن تضبط الدولة الإيقاع وتمنع هذه المجموعة من التغول، وإما ستكون هناك حرب أهلية. اليوم حزب الله ضاغط عسكريا وأمنيا على كافة الأطراف اللبنانية وترجم ذلك على المستوى المؤسساتي لذلك نحن اليوم نتكلم وفي 2008 قدمنا للدوحة لأن حزب الله احتل بيروت بكل وضوح.
كل ما نريد تفاديه هو أن نصل لما كنا عليه سنة 75، ولكن إذا لم يتم ضبط التوازن وإعادة المساواة بين المكونات اللبنانية، أخشى ما أخشاه أن نصل إلى توازن الرعب وتوازن القوى، ولا أحد يعرف حينها من أي تبدأ وكيف ستنتهي مثل النار تبدأ وتأكل ذاتها وتغذي ذاتها. ولكننا ضد القتل والاحتكام للغة السلاح ونحن اليوم بحاجة مُلحة إلى تحقيق التوزان وضبط الأوضاع بتدخل من الدولة وتحكيم القانون أو سيكون هناك ميل لتوازن الرعب والعنف.

– في ظل هذه الأزمة الخانقة هناك طرح حول الحاجة إلى العقد الاجتماعي، وهناك من يدعو إلى عقد تأسيسي وطرف ثالث يتحدث عن نظام فيدرالي أو التقسيم.. أنتم ما هو موقفكم؟

نتحدث هنا عن ثلاثة مواضيع مختلفة، هناك من الناس عندما تطرح الفيدرالية يتذكر الحرب والتقسيم وهذا أخطر ما يحصل في لبنان، اليوم، العيش المشترك أصبح عليه علامات استفهام، وهذه الخطورة القصوى، يعني لبنان لا يمكن أن يكون إلا لبنان بالعيش معا. قامت دولة لبنان في 1920 من قبل الموارنة بشكل واضح ضد إرادة الفرنسيين ونصائحهم الذين أرادوا إقصاء بقية الأطياف والأديان لكن تم رفض ذلك لغاية التعايش مع المحيط العربي المسلم في المنطقة وفي الداخل اللبناني ضمن عقد اجتماعي.
الفيدرالية ليست أمرا خطيرا هي طريقة حكم معتمدة في عدة دول على غرار سويسرا وإسبانيا لكن هناك توجس كبير من فكرة الفيدرالية في لبنان لكن إذ طرح الموضوع على الطاولة وتم الاتفاق عليه فسيكون الأمر ممكنا، كل الخيارات الأخرى والاشتراكية أو اللامركزية في لبنان كلها لها أبعاد إنمائية كالكهرباء والخدمات ومستوى الإنماء يتأثر بالتوترات الداخلية والطائفية والتوازن الطائفي يتدخل في كل المواضيع (الكهرباء، النفايات، الماء) وبالتالي يمكن أن تكون الفيدرالية أو اللامركزية الإنمائية أحد الحلول، لكن يجب الاتفاق عليها لكنها ليست حلا سحريا خاصة بالنسبة للمسيحيين الذين أصبحوا يطرحون علامات استفهام على الكيان اللبناني وليس الدولة اللبنانية، بوصفهم مؤسسين لدولة لبنان 1920. الفيدرالية هي حل ولكن ليس سحريا لوجود عوامل أخرى منها حزب الله وتأثيره على علاقات لبنان بكل دول العالم وتحديدا الدول العربية. الفساد ما هو حله؟ الانهيار الاقتصادي، تهريب المخدرات، أن يكون عندك جيش أولا؟ ليس هناك حل سحري للتخلص من كل المشاكل، الفيدرالية قد تكون أحد أنظمة الحكم الناجعة في لبنان، وقد لا تكون وبكل الأحوال 3/‏‏‏4 مشاكلنا مركزية وليست لا مركزية إلا الجانب الإنمائي. وبالتالي حل اللامركزية هو حل إنمائي وليس حلا سياسيا.

– من الواضح أنه نحتاج إلى إعادة تكوين العقد الاجتماعي للبنان.. هل تعتقد أننا نحتاج إلى حوار حاليا بظل الفراغ الرئاسي لإنتاج صيغة جديدة للبنان؟ أم ننتظر حل أزمة الفراغ الرئاسي لإنتاج هذه الصيغة؟

لا أعتقد اليوم الطبقة السياسية جاهزة لإنتاج صيغة جديدة لأنها مثل ما قلت لك رفضت تطبيق الصيغة القديمة، وهناك فائض قوة والسؤال إذا وضعنا صيغة جديدة هل سيلتزم بها حزب الله؟ أنا لا أعتقد، لأن منظومته وارتباطاته الخارجية تحديدا بإيران وأيديولوجيته لا تسمح بالتزامه بنظام قديم ولا بنظام جديد، الظرف اليوم غير ملائم لإنتاج عقد اجتماعي جديد، لأن العقد الاجتماعي يتطلب توافق كافة الأطراف ويجب أن تكون هناك نية صلبة للوصول على إجماع عليه، والآن ليس هناك إجماع على أي شيء لا انتخاب الرئيس للإنماء فكيف سيكون هناك إجماع على عقد حكم جديد.

– نحن نقدر هذا الاحترام للدستور والتمسك بالأسس الدستورية، لكن هناك ظروف استثنائية تستدعي التعامل مع الوضع الاستثنائي، لبنان بلد يعاني من المشاكل الإقليمية والحرب العدوان الإسرائيلي على غزة، وثم في جنوب لبنان ليس ببعيد، يعني ألا يستدعي هذا الأمر بعض التنازل لإنقاذ لبنان وإنتاج حوار؟

الوضع الاستثنائي خلقه أحد الأطراف وهو ذاته يريد الخروج عن الدستور ومكافأته والرضوخ لرأيه.. لماذا نختار رئيساً لجمهورية بحوار بين السياسيين وليس بالانتخابات وماذا بالنسبة لباقي مواقع الدولة. إذ هناك وضع استثنائي لماذا لا يتم المس بمنصب رئيس مجلس النواب لأنه مستند على فائض قوة – الوضع استثنائي على الانتخابات الجمهورية فقط.

– كيف يمكن لأطراف خارجية أن توجد حلا إذا لم يكن اللبنانيون مقتنعين بضرورة الجلوس على طاولة للتحاور بشأن الحل؟

أوافقك الرأي تماما. لأنه إذا لم يكن هناك نية داخلية جدية لن تترجم هذه النية إلى حل يأتي من الخارج وإذا لم يكن هناك نية فلن يأتي الحل من الخارج. علما أنه لدينا نموذجان للحلول الخارجية أولهما اتفاق الطائف واتفاق الدوحة عام 2008. كلا الاتفاقين أرسيا بعض الأسس لكن لم يتم الالتزام الكامل بمندرجاتهما. إخفاق اللبنانيين يعتبر فشلا. ونحن هنا بسبب فشلنا. مشكورة الدوحة ألف مرة لهذا الاهتمام الجدي والمخلص. وبسبب عجز اللبنانيين عن إنتاج الحلول لدى الدوحة الرغبة للقيام بمبادرة لكنها تتلمس الخطى بدقة وعناية وتستطلع الآراء قبل إطلاق مبادرة رسمية.

– تشهد الساحة اللبنانية مبادرات لتقريب وجهات النظر من قبل كتل نيابية بدأت مع كتلة الاعتدال وتستكمل مع كتلة جنبلاط.. فما هو موقفكم؟

أظن أنها أقرب إلى سابقات خطيرة جدا تهدف إلى انتخاب رئيس الجمهورية عبر حوار برئاسة رئيس مجلس النواب وهذا خطير جدا وتدمير للمؤسسات الدستورية.. الحوار مع هذه الكتل على أي أساس طالما أن رئيس المجلس متمسك بأنه الرئيس الحصري للحوار وأنا أترأس المشاورات. وهذا مرفوض لأن صلاحيات رئيس المجلس ليس إدارة الحوار. لكن يبدو أن فائض القوة الذي يتمتع به الرئيس بري يجعله يتصرف وكأنه صاحب صلاحيات مطلقة.

– لكن يؤخذ عليكم رفض الحوار بالمطلق علما بأنه لا يمكن الوصول إلى حل بدون حوار؟

غير صحيح لأنه لا يوجد أحد ضد الحوار مهما كان السبب ولكن اختيار كلمة حوار والأسلوب والطرح يحدد المعنى المقصود فهناك من يخفي الخبث تحت مظلة الحوار وهناك من يريد أن يفرض نفوذه تحت غطاء الحوار بحيث يقول رئيس المجلس أن أجمع الكتل تحت جناحي وأضعهم تحت خيار وحيد وهو انتخاب مرشحي لرئاسة الجمهورية. نحن في القوات اللبنانية لن نقبل بهكذا حوار يريدون الحوار فليكن بدون مشاركتنا. لن نسير معهم بهذه الشروط. بكل دول العالم تحصل المفاوضات ولكن ليتم انتخاب رئيس الجمهورية أولا ثم المفاوضات والحوار ثانيا.

– هناك من هو خارج لبنان يقول إن أحد الأسباب التي تدفع اللبنانيين إلى عدم الالتقاء هي قضية الارتهان للخارج.. متى يمكن أن تتحرر القوى والأحزاب من الارتهان للخارج ويكون ولاؤها للبنان؟

منذ زمن بعيد يوجد ولاء للأطراف اللبنانيين للخارج. منذ أيام الرئيس جمال عبدالناصر كان يوجد حركة ناصرية كبيرة في لبنان ثم تراجعت. ثم جاءت اتفاقية القاهرة ومنظمة التحرير الفلسطينية حيث كان ولاء بعض الأحزاب للمنظمات الفلسطينية المسلحة في لبنان. ثم جاءت الحقبة السورية التي أنتجت برلمانات وشكلت حكومات وزرعت الفساد في السياسة اللبنانية. هذه الأمور ليست جديدة على لبنان. لكن الذي حصل في لبنان منذ العام 1980 عندما حكم نظام الخميني كان شعاره الأساسي تصدير الثورة إلى الخارج وكان لبنان أول من صدرت له هذه الثورة حيث جرى تحويل حركة أمل إلى حركة إسلامية. وهكذا عمل النظام الإيراني على تصدير الثورة إلى لبنان والعراق واليمن وسوريا. ويبدو أن النظام الإيراني مثل راكب الدراجة إذا توقف وقع ولذلك هو مستمر بتصدير الثورة. وعلى هذا الأساس فإن حزب الله ليس حزبا لبنانيا ولا حزبا إلهيا. إنما هو حزب إيراني عناصره لبنانيون. وأيضا هم لبنانيون بالهوية وليس بالانتماء، لأنهم يتبعون حزبا دينيا أيديولوجيا مرتبطا بشكل عضوي مع إيران. وأهمية حزب الله أنه على تماس مع إسرائيل وهي الجبهة الوحيدة بين إيران وإسرائيل. ولذلك فإنني أجزم أن الدستور اللبناني ليس له قيمة عند حزب الله لأن ارتباطه خارج لبنان. وهو أيضا يقدم المصالح الإيرانية بأشواط على المصالح اللبنانية. ومشكلتنا مع حزب الله أن لديه قاعدة جماهيرية كبيرة وليس هناك إمكانية لانفضاض هذا الرابط بين حزب الله وإيران.

– هل تعتقد أن القوة العسكرية لحزب الله جاءت على حساب الجيش اللبناني؟

بل على حساب لبنان كله. أكرر وأقول حزب الله ليس حزبا لبنانيا. عناصر حزب والله ومناصروه يحملون بطاقة هوية لبنانية وهذا لا يكفي لتكون لبنانيا. لأنه إذا لم يضع الإنسان مصلحة بلاده العليا ولم يضحِ للحفاظ على الوطن يكون غير مُنتمٍ للوطن. ولذلك مهادنة القوى عرف قديم من عمر الدنيا. نحن لسنا هواة حروب لكننا غير مستعدين للاستسلام.

– إلى متى يستمر هذا الخلاف طالما الجميع يتحدث عن انسداد الأفق؟ كيف يكون الحل للأزمة اللبنانية؟

لا أعلم ما هو الحل. أظن أن احترام الدستور والقوانين هو الحل. لا أدري أين تكمن المشكلة في التركيبة اللبنانية هل هو فائض القوة من قبل حزب الله أدى لشل المؤسسات الدستورية. أنا لا أقتنع أن هذا هو السبب الوحيد. الأرجح أنه لدينا خلل بنيوي لا يرتبط بعامل واحد إنما متعدد الأبعاد يجب إعادة النظر بالأداء وقد يكون بالنصوص. من غير الجائز أن نبقى هكذا اما أن نتقاتل بالداخل ثم ننتقل إلى الخارج للتسوية أو الاثنين معا.

– أوليست مشكلة لبنان في النظام الطائفي؟

أكثر دولة تعرف لبنان هي فرنسا، الثقافة الفرنسية مبنية على العقد الاجتماعي والعلمنة بمعنى ألا يتدخل الدين بالدولة. مشكلة لبنان أنه بلد مركب، يعني لو ذهبنا إلى العلمنة الشاملة لن نحل المشكلة على مستوى الطوائف لأن الطوائف في لبنان اسمها ديني واقعها ثقافي وانعكاسها سياسي. ولذلك ما يحل هذه المشكلة هو الاعتراف بالواقع وليس الهروب منه. هناك رياء معين منذ نشأة لبنان حيث يردد شعار لا تدخل للدين وإلغاء الطائفية السياسية مجرد كلام، القصة تكمن في توزيع المكاسب والمناصب، رئيس الجمهورية مسيحي ورئيس مجلس النوالب شيعي ورئيس الحكومة سني. كأنه لدينا انفصام بالشخصية ندعي أنه لا يوجد فوارق ثم ندعي أنه يجب تطبيق توزيع السلطات. يجب أن نعترف بالواقع ونعترف بتعدديتنا.

– بالنسبة لانتخابات رئاسة الجمهورية لديكم رفض مطلق لمرشح الرئاسة سليمان فرنجية.. ماذا سيكون موقفكم لو توافقت اللجنة الخماسية على فرنجية؟

في انتخابات عام 2016 الفرنسيون والسعوديون رشحوا سليمان فرنجية وكان صدى الموقف السعودي أكثر تأثيرا وتبنى الموقف الرئيس سعد الحريري ووليد جنبلاط. ومع ذلك لم يتم انتخاب سليمان فرنجية، لا يستطيع أحد أن يفرض علينا مرشحا. لا يستطيع الخارج أن يفرض على الداخل ما يريد. هناك فريق من اللبنانيين قد يتقبل تعليمات الخارج ولكن هناك فريق آخر، ونحن منهم، نرفض السير بشيء لا نقتنع به. اليوم أستطيع القول إن الفرنسيين دعموا سليمان فرنجية لمدة سنة ونصف السنة على أساس معادلة رئيس الجمهورية نحن نختاره ورئيس الحكومة أنتم تختارونه. وهذه معادلة أثبتت فشلها. وإذا طلبت منا الخماسية انتخاب فرنجية سنرد عليهم أننا سنحافظ على أفضل علاقات معكم لكن لن ننتخب فرنجية.

– كثير من الدول تعيد النظر في الدستور وتجدده وتحسنه.. هل أنتم مع تحديث الدستور وتطويره؟

الدستور يمثل المجتمع وهو ضابط اللعبة. وعلى الدستور أن يكون حيا في مجتمع حي ولكن لا يمكن تغييره كل يوم. لا يمكن للدستور أن يكون جامدا ولا يمكنه أيضا أن يكون متحركا ومتغيرا. يوجد مصطلح متداول وهو الشعب المستدام وهو شعب يستوحي الماضي ويعيش الحاضر ويستشرف المستقبل. الدستور معمول للشعب المستدام. ولذلك لا يمكن أن يكون متغيرا كحال القوانين. خلال الطائف تم تعديل الدستور اللبناني. وأعيد التوازن بين المسلمين والمسيحيين وتم تحديد هوية لبنان وأصبح بلدا عربيا. نحن نقول لا أحد يضع دستورا لبلاده ويوجد مسدس على رأسه. قمة الحضارة أن تجلس على طاولة وتحدث الدستور ليكون دستورا للشعب المستدام.

– في موضوع النازحين السوريين.. ما هي رؤيتكم؟

لبنان استضاف النازحين السوريين 13 سنة. وهذا ما يتناساه البعض ونتهم بأننا عنصريون لمطالبتنا بعودة السوريين. لا يوجد في العالم من دفع ثمن النزوح السوري مثلما دفعه لبنان 50 % من عدد سكان لبنان نازحون سوريون. بلغ النازحون في لبنان 50 % ولذلك لا يمكن لأحد أن يزايد علينا. السوريون جاءوا إلى لبنان لأسباب أمنية وبقوا لأسباب اقتصادية، مما يجعل الكيان اللبناني في خطر. ولذلك نطالب الدول المانحة بوقف التمويل. كما نطالب بتطبيق القانون تجاه السوريين بحيث لا يستطيع المقيم بصورة غير شرعية أن يشتري عقارات ويعمل بينما السوريون الشرعيون وهم حوالي 300 ألف فأهلا وسهلا بهم. وهذه مشكلة لم تحصل في التاريخ أن يصبح عدد النازحين في بلد نصف عدد السكان.

– من يعمل على تغييب الدستور في لبنان؟

موازين قوى بالداخل اللبناني وللأسف ليست كلها ذات طابع سياسي هناك جانب طائفي وجانب أمني وهو ما يشل العمل السياسي في لبنان وهناك طرفان مسؤولان ليس عن كل المشاكل للأمانة بل عن جزء كبير منها. الرئيس نبيه بري بشكل كبير وواضح مسؤول عن الخروج عن القاعدة الدستورية، اليوم البرلمان اللبناني مقفل في حال أن المرفق العام يجب أن يعمل ويخدم المواطن دون توقف كما لا يمكن تفسير الدستور والقوانين لخدمة المصالح الحزبية وفي حال انتهت كل التبريرات يتم اللجوء إلى الاختباء وراء الطائفة الدينية واعتبار أن كل من يعارض أفكارهم ومقترحاتهم هو ضد الطائفة والدين مما أدى إلى إفشال العمل السياسي. إلى جانب عدم التوازن العسكري والأمني في لبنان يعني إذا حزب الله كان في موقع حرج ولم يجد طريقة لفرض سيطرته السياسية والأمنية والعسكرية في البلاد يفعل كما فعل في 2008 يحتل وسط بيروت، وبعدها قدمنا للدوحة والتزمنا بعدم إسقاط الحكومة وأن تكون السلطة للدولة والجيش على كامل الأراضي. وبعد ذلك في 2011 تم إسقاط كل المقررات العربية والدولية وفي لحظة واحدة انتهى اتفاق الدوحة، وبالتالي التوازنات الطائفية والأمنية والعسكرية تشل العمل السياسي السليم في البلد، لأنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة في لبنان.

– احترام الدستور شيء والظروف الإقليمية شيء آخر، ولبنان حاليا يعاني من اشتعال الإقليم.. ألا يستدعي هذا الأمر التنازل لإنقاذ لبنان والموافقة على الحوار؟

لا، كلمة حوار كبيرة وفضفاضة. الموفد الفرنسي لودريان وصل إلى لبنان وكان يحمل معه كلمة حوار لكنه تنازل عن هذه الكلمة وصار يرحب بالمناقشات والتفاهمات الثنائية والثلاثية. صحيح نحن نعيش في ظروف استثنائية ولكن من أوجدها؟ هذه الظروف ورطنا بها فريق يهيمن على البلد. لماذا أكافئ الطرف الذي ضرب الاستقرار وأتجاوز الدستور لأجله ولماذا أخلق سابقة أن ينتج الرئيس بحوار وليس بانتخاب. نحن في القوات اللبنانية لن نتنازل على حساب الدستور لن نرضخ لفائض القوة الذي يستخدمه الرئيس بري. تريدون حلا فلتكن جلسات مفتوحة لانتخاب الرئيس. نحن كقوات لبنانية منذ دخولنا إلى مجلس النواب عام 2005 لم نصوت للرئيس بري ولا مرة. لكننا أول كتلة نيابية تهنئه بالفوز. هكذا تكون الديمقراطية. لماذا لا يتم انتخاب رئيس جمهورية وأيا يكن الفائز سوف نكون أول من يقدم التهاني. ثم نأتي إلى تشكيل الحكومة وقد نشارك وقد لا نشارك في الحكومة، أو نذهب إلى المعارضة. المعارضة هي التي تصنع الديمقراطية. أؤكد لكم لبنان حاليا مهدد، الثقافة السياسية والديمقراطية في لبنان مهددة وإذا تم ضربها فإن الكيان اللبناني بأسره في خطر، ولذلك لن نشارك في خرق الدستور. وإذا كانوا مُصرين على الحوار فليكن ولكن بدوننا. نحن تحملنا سجن سمير جعجع 11 سنة وتهجرنا في أسقاع العام لكننا لم نستسلم. نحن نؤمن ونلتزم بدستور الطائف.

شاهد أيضاً

“استقلال البلد مهدد”… باسيل: دخلنا في حرب لم يكن يجب أن نقع فيها

أكد رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أنَّ “الحفاظ على الإستقلال هو أصعب من …