كتب وليد شقير في “نداء الوطن”:
الخواء والهوان هما المهيمنان على المسرح اللبناني خلافاً لقناعة البعض بأنهم فالحون وغالبون وقادرون وأذكياء في ممارسة الألاعيب السياسية والمناورات البهلوانية، في معالجة قضايا جوهرية. الأمثلة لا تحصى.
يفتش البعض عن التسويات الكبرى من أجل الانخراط فيها لعلها تفيده في علاقاته مع الدول العظمى من أجل أهداف تقاس بالنسبة إليها على أنها شديدة الصغر وغير واقعية.
يسعى الفريق الرئاسي إلى البيع والشراء في تحقيق جريمة انفجار المرفأ، وللأخذ والعطاء في شأن التفاوض على الحدود البحرية، مقابل المراهنة على إزالة العقوبات الأميركية عن رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، فإذا بعقوبات الأمس تجددها بعدما ربطت وزارة الخزانة بين داني خوري وبين باسيل، وبدا كأنها تطاله مثل خوري. يضع هذا الفريق نفسه في موقع التأرجح بين إيران وبين الولايات المتحدة الأميركية ويتوهم بأنه يمكنه أن يبتز هذا بذاك فيما هامش المناورات يضيق ويضمر. واللعب مع الدول الكبرى لا ينفع بعقلية المقايضات اللبنانية القروية في مقابل سياسات بعيدة المدى عند هذه الدول.
فالبلد المهيض الجناح الذي هوى في الحفرة وتفاقمت أزمته الاقتصادية المالية والحياتية إلى حد التسول هنا وهناك، ليس في موقع القوة التي يعتقد أصحاب الأفكار الصغيرة أن بمقدوره القيام بالمقايضات الكبرى وإطلاق العنتريات حول حقوق لبنان النفطية والغازية في البحر، في وقت يحتاج التفاوض إلى أكثر من التهديد والوعيد من أجل الحصول على حقوقه. هو يحتاج إلى أن يكون دولة سوية وبلداً طبيعياً بممارسات الحكم فيه، فيما العالم ينظر إليه بكثير من الشفقة وصولاً إلى ازدراء قادته السياسيين نظراً إلى إهدارهم فرص تلقي المساعدة والتمويل ودعم خطة نهوضه بعدما أفلس.
سلاح العقوبات عاد إلى الساحة في إطار الصراع الإقليمي أيضاً. وسواء كان تصنيف المملكة العربية السعودية مؤسسة “القرض الحسن” على لائحة العقوبات صدفة، لتزامنه مع الأزمة المتجددة بين لبنان ودول الخليج العربي بعد بث مقابلة وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، أم لم يكن، فإنه دليل على أن هذا السلاح سيستخدم على الرغم من المحادثات “الاستكشافية” بين إيران والسعودية، والتي كان البعض راهن على أن يستفيد منها لتكريس نفوذ أو لتعزيز سيطرة في لبنان…
والأزمة التي نجمت عن كلام قرداحي قد تكون صدفة مع الإجراء المتخذ حيال القرض الحسن، لكنها صدفة ملفتة لتلاقيها مع تماهي أقواله مع حملات “حزب الله” وإيران ضد الرياض في شأن حرب اليمن.
بالإضافة إلى الضعف والهوان يتمظهر الخواء السياسي في التعاطي مع الدعوة إلى وقف الحرب في اليمن لتبرير وصف دور السعودية والإمارات بـ”العدوان”، بصورة تدعو إلى أكثر من التعجب. فالدعوة تتجاهل المبادرة السعودية الأخيرة في آذار الماضي (ولم تكن الأولى) للحل السلمي في اليمن والتي رفضها الحوثيون، وأن هؤلاء قصفوا أراضي المملكة بالمسيرات في اليوم نفسه لبث المقابلة. وكيف يتوهم وزير في بلد تنخره الحروب ويكاد ينزلق إلى اقتتال أهلي، أن دعوته لوقف حرب اليمن ستلقى الصدى، في وقت عجزت أميركا ومجلس الأمن عن ذلك منذ سنوات؟
مثل آخر. حين يفتش المرء عن السبب الجوهري الذي يقف وراء هذا الخلاف الحاد حول موعد إجراء الانتخابات النيابية سواء كان في آذار أو في أيار من العام المقبل، ضمن مهلة الستين يوماً التي تسبق انتهاء ولاية البرلمان، يصعب الحصول على الإجابة المقنعة أو الحاسمة. يأتي الجواب بأن تقريبها إلى شهر آذار يعود إلى الصيام في شهر رمضان الذي يصادف بين مطلع نيسان ومطلع أيار حيث تتضاءل الحركة المطلوبة في تصاعد الحملات الانتخابية والدعائية التي تسبق يوم الاقتراع. وثمة حجة ملفتة، في تفسير “اللغز”: الحملات الانتخابية في شهر الصيام ستكون مكلفة للمرشحين لاضطرارهم إلى إقامة المآدب الرمضانية. أما الحجة المقابلة بأن آذار سيكون شهر صوم المسيحيين فلا تخرج عن التشاطر في سياق المماحكات لأجل افتعال التأزم، سواء كان ذلك للتعبئة الانتخابية أو من أجل ملاقاة فريق ما يرغب في تأجيل الانتخابات بسبب الضعف والهوان…