كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
تزامناً مع بدء مجلس القضاء الاعلى اجتماعه الاول عند الرابعة من عصر امس برئاسة القاضي سهيل عبود، أصدر المحقق العدلي في قضية المرفأ طارق البيطار مذكرة بتحديده موعداً لجلستي استجواب النائبين نهاد المشنوق وغازي زعيتر في 29 الشهر الحالي، ومن دون الأخذ برد الامانة العامة لمجلس النواب بان الاستماع اليهما يدخل في اختصاص مجلس محاكمة الرؤساء والوزراء والنواب، ما يشير الى اصراره على استكمال خطواته وقد بعث برسالتيه الى مجلس القضاء ومجلس النواب ما ينذر باتساع دائرة المواجهة.
فعلى مدى ساعات طوال اجتمع مجلس القضاء الاعلى. الاجتماع الاول الذي انعقد بغالبية ثمانية اعضاء من اصل عشرة تنتظره ورشة عمل قضائية كبرى، أولها ملف التشكيلات القضائية التي وضعت على نار حامية لارتباطها ايضاً بتعيين العضوين المتبقيين للمجلس. لم يحضر الاجتماع المحقق العدلي في قضية المرفأ طارق البيطار. وعلى خلاف ما ذكر فان رئيس المجلس القاضي سهيل عبود لم يطلب منه الحضور لاسباب عدة، اولها ان الجلسة الاولى مخصصة لاعضاء المجلس للاتفاق على جدول الاعمال للمرحلة المقبلة، والثاني أن طلب الاجتماع بالمحقق العدلي لن يحصل قبل الوقوف على رأي اعضاء مجلس القضاء الاعلى والتشاور معهم بشأن الملف وما يبنى عليه. ذلك ان الاجتماع معه قبل تسليم تقريره قد يحرج المجلس الاعلى ويحمّله تبعات اي قرار يتخذه المحقق العدلي بعد ذلك، سواء تنحى او استمر في عمله. ينأى المجلس بنفسه عن التدخل في عمل البيطار اذ لا سلطة له على المحقق العدلي، ومهما بلغت درجة الانقسام حول عمله فان السبيل الوحيد لتحييده عن الملف يكمن في طلبات الرد والارتياب المشروع او من خلال التفتيش القضائي.
كان يمكن للتحقيق في ملف المرفأ ان يسلك مسلكاً قانونياً طبيعياً لولا الخطوات التي اتخذها القاضي البيطار والتي سجل المعترضون عليها ملاحظات قانونية، أضافوها إلى ما اعتبروه تدخلات فرنسية واميركية تطرح تساؤلات عن الهدف من حجم هذا الضغط الدولي الذي صار محل ارتياب مشروع من خلفياته، خصوصاً بعد ان صدر تقرير اوروبي يتحدث عن الاهمال كسبب رئيسي في وقوع الانفجار. هذا الضغط الدولي والتمسك بالمحقق العدلي أضر بعمل القاضي وبالتحقيق ووضعه موضع تشكيك.
التحقيق او كرة النار تلك لم تجد من يتلقفها بعد، فتحولت الانظار باتجاه مجلس القضاء الاعلى ورئيسه لاخراج البلد من مأزق يهددها، بعد الحرب الاهلية المصغرة التي شهدتها منطقة الطيونة مؤخراً. فما الذي يمكن لمجلس القضاء ان يفعله؟
يؤكد مجلس القضاء ان التدخل في عمل اي قاض او حتى سؤاله عن مجريات عمله لا يدخل في صلب صلاحياته. لكن الملف وبوصفه تحول الى قضية رأي عام صار بحثه مفروضاً امام اعضاء المجلس للتداول في الملابسات السياسية والقضائية المحيطة به وبما لا يزيد عن حدود صلاحياته. تلك الصلاحيات التي يحرص القاضي عبود على عدم تجاوزها رغم المنحى الخطير الذي اتخذته القضية. جرت العادة قضائياً ان يكون القاضي حر التصرف في ملفه من دون مونة او تدخل اي جهة حتى ولو كانت اعلى سلطة قضائية. طوال الفترة الماضية ورغم كل الضجة التي اثيرت حول عمل البيطار آثر مجلس القضاء الاعلى التزام الصمت، لم يطلب القاضي عبود مقابلة البيطار الذي لم يزر المجلس منذ ما يزيد على الشهر.. لا سلطة على القاضي للتدخل في عمله او نصحه او تنحيته او حتى سحب الملف من يده عملا بأحكام القانون، في هذا الوقت يصعب عليه تحديد او الحكم على عمل لم ينته الى خلاصة توضع بين يدي رئيسه. وحين يصبح قراره الإتهامي جاهزاً ويرفع الى المجلس العدلي فلكل حادث حديث.
منذ بداية مشوار عمله، وصية وحيدة تناهت الى مسامع البيطار من رئيس مجلس القضاء، مختصرها كلمة تقول “تصرف صح”. والصح هنا يفترض مراعاة احكام القانون في التبليغ وعدم التسييس وعدم الاتصال مع اي طرف من اطراف القضية الجاري النظر بها والا يتحول القاضي الى طرف. ربما ارتكب البيطار اخطاء في التحقيق او ان خطواته كانت ضرورية، الحكم على ذلك غير ممكن قبل الاطلاع على مجريات التحقيق والخطوات التي اتخذها والتي بنى على اساسها قراره الظني وبعدها يبنى على الشيء مقتضاه.
لا شك يلاحظ مجلس القضاء الأعلى قبل غيره كيف تحول ملف التحقيق في جريمة المرفأ الى قضية رأي عام تستوجب التزام القاضي حد القانون، بعيداً من تصفية حسابات سياسية مع الطبقة السياسية حتى ولو كان ذلك حاجة شعبية. واذا كانت بنيت آمال كثيرة على المحقق العدلي في قضية المرفأ، والقاضي غير المشكوك بنزاهته، فإن المطلوب منه ان يحقق امنية الغالبية الساحقة من اللبنانيين بأن يكون العدل هو الاساس، وعمله يضع سمعة القضاء وهيبته على المحك.