كي لا يتكرّر حادث الطيّونة

كتب طوني فرنسيس في نداء الوطن :

لا أحد يتألم بمقدار ألم الذين فقدوا عزيزاً أو أُصيب لهم قريب أو صديق في الصدام التعيس الذي شهدناه على اطراف بيروت. فقط الأب والأم والأخ والأخت والابن والابنة هم من ضربتهم الكارثة. الآخرون سيشاركون في العزاء ثم يرحلون، والسياسيون سيفكرون في كيفية استغلال المناسبة الأليمة لتوظيفها في ما يخدم مصالحهم، المذهبية والطائفية والمناطقية والعائلية والعشائرية، ولن يعوض ذلك الاهالي المفجوعين في شيء، بل سيكون دم احبتهم قد ذهب هدراً واستسقاءً لدم آخر.

السؤال اليوم هو كيف نمنع تجدد ما جرى في الطيونة، واستطراداً كيف نضع حداً نهائياً لمحاولات استرجاع افلام 1975- 1990، وما جرى بعد ذلك التاريخ ايضاً، واحتراماً لذكرى الضحايا الأقربين والأبعدين، في التاريخ والحي والمنطقة، هذا هو السؤال الوحيد الذي يستحق جهد الجواب.

ولا نكتشف جديداً أو نخترعه اذا قلنا بشروطٍ ثلاثة لوقف التدهور ونزعات الصدام.

الأول وقف الخطابات المذهبية التصعيدية والتحريضية التي تنم عن انتفاخ ونفخ طائفيين ضد ابناء وأحياء مذاهب وطوائف اخرى. لقد مرت الطوائف والمذاهب اللبنانية على التوالي بحالات مماثلة من الانتفاخ والنفخ في ظروف محددة ثم شهدنا انكماشها كبالونٍ أصابته إبرة من فعل فاعل. ووقف مثل هذا الخطاب يتطلب إقتناعاً أن لا مذهب او طائفة يمكنها قضم طوائف او فئات اخرى أو فرض نهج قادتها الراهنين عليها. فقط الخطاب الوطني الجامع الذي يحترم ارادة الناس وحرياتهم هو القادر على غزو العقول وإثارة التعاطف والتأييد.

الشرط الثاني، احترام المؤسسات الشرعية من اعلى الهرم الى اسفله. إذ كيف يعيش بلد من دون رموز شرعية تحكمه؟ وللمصادفة ان حادث الطيونة وقع في اليوم التالي للتهديد بفرط الحكومة، وحتى اللحظة لا تزال الحكومة في حكم المنفرطة والعاجزة عن عقد اجتماع لبحث ما جرى واتخاذ التدابير اللازمة، عِلماً ان السادة الوزراء هم من الاختصاصيين المستقلين كما قيل، لكنهم واقعياً كمثل اولئك المدعوين الى حفلة تنكرية لم يصبروا الى بداية السهرة كي ينزعوا اقنعتهم.

الشرط الثالث، احترام القضاء.

سيقال الكثير بعد كارثة الطيونة عن الاحتكام الى التحقيق والقضاء. وهذا جميل جداً خصوصاً بعد اندلاع الاحداث بسبب تظاهرة ضد المحقق العدلي في جريمة تفجير المرفأ! نعم يجب إحالة ما حدث الى التحقيق والقضاء فما من سبيل آخر لاحقاق الحق والعدالة واراحة النفوس. لكن النظرة الى القضاء لا يمكن ان تكون مجتزأة وحسب الحاجة. فإما قضاء أو لا قضاء، أي الاستمرار في شريعة الغاب والسلاح الفالت او الممسوك خارج القانون.

ثلاثة شروط للعودة الى الحياة الطبيعية لا تشكل استعصاء الا في عقل من يرفض السلم الاهلي والدولة والقضاء.

شاهد أيضاً

هكذا يُفشل اللبنانيون محاولات “إسرائيل بالعربية” زرع الفتنة بينهم

سعت إسرائيل مؤخرا، عبر حملات منظمة، إلى إشعال نار الفتنة المذهبية في لبنان وخاصة بين …