كتب أنطون الفتى في وكالة “أخبار اليوم”:
مؤسف فعلاً أن يُقفل المشهد اللبناني على مساعٍ رسمية لعرقلة كلّ ما له علاقة بالحقيقة والعدالة في ملف انفجار مرفأ بيروت، بعدما شكّلت تلك الكارثة السبب المباشر لبدء العمل الدولي على محاولة فكّ العزلة اللبنانية، والحصار، منذ العام الفائت.
ومؤسف بالأكثر، أن يتعرّض المحقّق العدلي في الملف القاضي طارق البيطار لكلّ ما يتمّ التداوُل به أخيراً، وسط غياب أي موقف دولي قوي ومباشر، يحذّر من نتائج التمييع المحلّي لمسار الحقيقة والعدالة، ويؤكّد الإستعداد الدولي لفرض عقوبات على كلّ طرف لبناني مُعَرقِل.
من المؤكَّد أننا ما كنّا لنجد من “يهاجم” عمل البيطار، لا باللّيونة، ولا بـ”الخشونة”، لولا الإطمئنان الداخلي الى أن الحقيقة والعدالة في ملف انفجار مرفأ بيروت، هما خارج “الأجندة” الدولية. والدّليل على ذلك، هو الثبات الدولي في “تنويم” موضوع صور الأقمار الإصطناعية، منذ وقت طويل.
وفي الوقت الذي تتسلّى فيه بعض الأطراف بلعبة تظهير وتسجيل مختلف المواقف وردّات الفعل على العرقلات الداخلية لهذا الملف، نسأل عن الأقمار الإصطناعية التابعة لشركات عالمية خاصة، وليس للدّول، في إمكانية أن تلعب الدور البنّاء في كشف الحقيقة.
في هذا الإطار، نذكر أن صور الأقمار الإصطناعية التابعة لشركات خاصة، أظهرت تفاصيل الفوضى في مطار كابول في أفغانستان، خلال الإنسحاب الأميركي من هناك، قبل أسابيع.
كما كُشِف في وقت سابق أيضاً، عن أكثر من 100 صومعة لصواريخ باليستية عابرة للقارات، في غرب الصين، باستخدام صور من شركة أقمار إصطناعية خاصة، وهو ما يؤكّد أن تلك (الأقمار الإصطناعية) التابعة لشركات تجارية، باتت مصدراً مهمّاً للمعلومات، ولكشف الكثير من الخفايا حول العالم، كبديل من المصادر الرسمية والحكومية للدّول.
فمن يُمكنه أن يتأكّد من توفّر صور أقمار اصطناعية لانفجار مرفأ بيروت، في أرشيف شركات عالمية خاصة؟ ومن هو القادر على ضمان الكشف عنها إذا توفّرت، طالما أن تلك الشركات تخضع بدورها لمبدأ الرّبح والخسارة، وهي لا تدخل بما لا فائدة لها منه؟
أكد مصدر واسع الإطلاع أن “المجتمع الدولي يعتبر أن الوصول الى الحقيقة في هذا الملف لا يعنيه مباشرةً، وليس مشكلة من مشاكله الملحّة”.
وشدّد في حديث لوكالة “أخبار اليوم” على أن “دول الخارج لا ترغب إلا بأمر واحد في لبنان، وهو الإستقرار. فالمهمّة الدولية في الضّغط على الطبقة السياسية اللبنانية انتهت بتشكيل الحكومة الجديدة. ونذكّر في هذا الإطار، بأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفسه، عوّم تلك الطبقة السياسية بكلّ ما فيها، منذ العام الفائت، لأن البديل الصالح غير موجود حتى الساعة. فضلاً عن أن إصدار مواقف عن وزارة الخارجية الفرنسية أو الأميركية، حول انفجار مرفأ بيروت، في الوقت الرّاهن، سيُقابَل لبنانياً بأصوات مُعتَرِضَة، تعتبر أنها تدخّلات أجنبية في الشؤون اللبنانية”.
ورأى المصدر أن “الإختبار الجدّي للطبقة السياسية اللبنانية مع المجتمع الدولي حالياً، انتقل من تشكيل الحكومة الذي أُنجِز، الى كيفية التعاطي مع صندوق النّقد الدولي. وهذا الاختبار ليس بسيطاً أبداً. أما انفجار 4 آب 2020، فهو ليس في دائرة اهتمام أي جهة، وأكثر ما يهمّ فرنسا والمجتمع الدولي عموماً، هو العمل على رسم سُبُل الإستثمار في مرفأ بيروت مستقبلاً”.
وأضاف: “أهالي ضحايا الانفجار باتوا متروكين، ومدينة بيروت كلّها أيضاً، بدمارها، في بلد لا دولة فيه، إذ لم تُشكَّل لجنة رسمية حتى الساعة، لإعادة الإعمار، ولا قرارات رسمية في هذا الشأن أصلاً. فيما لن يتحرّك المجتمع الدولي على هذا الصّعيد، خصوصاً في دولة هي الدولة اللبنانية، التي ينظر إليها من باب ما قدّمه لها في الماضي، وما سُرِق منه، بدلاً من العمل على الاستفادة والإنتاج”.
وختم:”إمكانية الحصول على صور أقمار اصطناعية من شركات خاصّة، صعبة، لأن لبنان ليس ضمن دائرة اهتمام أحد. وعندما تتوفّر إرادة الإعلان عن الجهة أو الجهات التي أدخلت “نيترات الأمونيوم” الى مرفأ بيروت، وعن أسباب تركها فيه، يصل الملف الى خواتيمه. فالملف لا يحتاج الى صُوَر، بل الى توفّر إرادة الإعلان عن الحقيقة”.