تحت عنوان: نواب التغيير والمعارضة والاستحقاق الرئاسي أقامت منظمة العمل اليساري الديمقراطي العلماني لقاءً حواري في مقرها في وطى المصيطبة ـ بيروت في31/ 8 / 2022 تحدث فيه النائب عن قوى التغيير ابراهيم منيمنة وعضو المكتب التنفيذي للمنظمة جمال حلواني، حضره عدد من ممثلي الاحزاب والأكاديميين وقوى ومجموعات الانتفاضة وحشد واسع من الناشطين السياسيين.
بداية أشار حلواني إلى أن اللقاء مع منيمنة هو باكورة سلسله لقاءات حوارية لتعزيز مناخ التفاعل والنقاش بين مختلف الاطراف والجهات المعنية بمصير البلد الذي تحف به المخاطر من كل حدب وصوب.
وأكد أن الانهيار الشامل الذي نعانيه لم يأت من فراغ. إنما هو نتاج سياسات متعمدة من قبل قوى السلطة وعن سابق قصد وتصميم، بشهادة البنك الدولي. وشملت وقائعه إلى جانب الاقتصاد والمال والسياسة والادارة والخدمات. وهي سياسات يتشاركها أهل السلطة من مواقعهم الطائفية والفئوية في اطار نظام المحاصصة المنتج للأزمات.
وقال إن هذا الانهيار لم تنج منه أي من فئات المجتمع أو مؤسساته وقطاعاته المهنية. وطال قطاعات الصحة والتعليم والكهرباء والماء والدواء والمواصلات وغيرها. أما مؤسسات الدولة واجهزتها الادارية فقد اصابها الشلل التام، جراء المحاصصة الطائفية والفئوية التي دمرتها، وأعاقت قيامها بأبسط وظائفها اليومية، ما صعَّد من الفوضى الاهلية والمجتمعية والامنية، وضاعف من مستويات الفقر والبطاله والجوع الزاحف.
وشدد حلواني أن الاصلاحات الملحة والموعودة لا مكان لها في قاموس اهل السلطة، ومعها معالجة سائر الازمات الكارثية التي يستحيل حصرها او تعدادها. أما المهرب من تحمل المسؤوليه فيتمثل بتصعيد الصراعات والخلافات بينهم، والاكثار من الشعارات التضليلية في سبيل التعمية على أدائهم، وتيئيس اللبنانيين واخضاعهم في آن.
وأشار إلى الانتخابات النيابية التي تمت تحت ضغط الداخل والخارج. وتعمدت قوى السلطة التجييش الطائفي والمذهبي ونثر الوعود والمال الانتخابي واستغلال موارد الدولة واجهزتها، والإفادة من ميليشياتها تحت مظلة القانون الانتخابي الطائفي. ورغم المعارك الطاحنة بينها نجحت في اعادة تجديد سيطرتها على اكثرية المجلس النيابي، مستفيدة من ضعف المعارضة وتفككها وتشرذم قواها وهامشية بنيتها. بعد أن فشلت في تطوير انتفاضة 17 تشرين المجيدة وتجميع قواها، وسط غياب المعبرين عن اولويات حقوقها ومطالبها، كون الحركة النقابية الموروثة بكل مستوياتها العمالية والمهنية باتت ملاحق وادوات تابعة لقوى السلطة.
ورغم ذلك استطاعت الانتفاضة ايصال عدد لا يستهان به من النواب المستقلين الذين اعيد انتخابهم، ومعهم صف واسع من النواب الجدد حملوا اسم “النواب التغييريين”.
وأضاف: اذا كانت الانتفاضة ليست نهاية المطاف، فان الانتخابات النيابية لم ولن تأتي بالتغيير المطلوب في بلد يُدفع من قبل حكامه وحاكميه عمداً نحو مصير مجهول بقوة انقساماته الاهلية، في ظل انهيار شامل للدولة ومؤسساتها واجهزتها في موازاة دمار الاقتصاد ومؤسساته وموارده، وانهيار عملتة الوطنية على يد قوى السلطة السياسية والمالية وميليشياتها ومافياتها التي راكمت المليارات، وتستمر في التحكم بحياة اللبنانيين وسط فوضى سياسية وامنية شاملة.
وتوقف عند الاستحقاقات الداهمة وهي كثيرة. فقد بات مسلما به من سائر الاطراف أن لا حكومة في الأفق، والاستحقاق الرئاسي مؤجل الى امد غير منظور. ولذلك فالصراع الذي يدور حول تشكيل الحكومة يستهدف ملء الفراغ الرئاسي وادارته.
ووصف واقع المعارضه بالمأزوم. يجري ذلك وسط خليط من الطروحات والشعارات والبرامج والتشكيلات القاصرة عن الاحاطة بأزمة البلد ومعضلة بنيته الطائفية. لذلك تفتقد هذه المعارضة ثقة غالبية اللبنانيين المتضررين الذين يواجهون مصيرهم بحثاً عن حقوقهم الأولية. وأعلن رفض محاولة البعض إخفاء أزمته وفشله بمحاسبة النواب الجدد على ادائهم، أو تغطية عجزه المستدام عبر التغني بامجاد كانت له في حقبات سابقة. فيما الأزمات الطاحنة راهناً، والتي تعصف بالبلد واهله تبحث عمن يعمل على مشاريع الاجوبة الصعبة التي فاتحتها المؤكدة، اعادة تأسيس حركة معارضة ديمقراطية مجتمعية تعددية. حركة قادرة على كبح تغوُّل النظام ونهب قواه السافر لمقدرات اللبنانيين مقيمين ومغتربين. ودعا ختاماً اللبنانيين للتعلم من أخطائهم ودروس ما مرَّ عليهم من محن، ولكن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، ورحلة التغيير تبدأ بكلمة الحوار والعمل معاً وسوياً لتحقيق طموحاتنا الشرعية والمشروعة.
كلمة النائب ابراهيم منيمنة
من جهته أشار النائب منيمنة بداية إلى ضرورة تعريف التغيير الذي نتحدث عنه، وبالاستناد إلى هذا التعريف ندرك إلى أين نحن سائرون. وقال إن التنوع الذي شهدنا نموذجه في 17 تشرين أول من العام 2019 هو تنوع اجتماعي وثقافي ومناطقي وطبقي، لكنه مع الأسف بلغ حدود التشرذم. لذلك فالظروف التي أحاطت بنا حينها، لم تؤهلنا للبحث في هذا المفهوم الذي نتحدث عنه صبح مساء. خصوصاً وأن ما راج خلال تلك الأشهر مجرد شعارات عامة عبرت عن فقدان اللبنانيين الثقة بهذه المنظومة الحاكمة، التي دفعت بالبلاد نحو مهاوي الإفقار والافلاس والمخاطر. فشعار “كلن يعني كلن” الذي ساد في حينه أخذنا إلى أماكن جرى استغلالها لالحاق الضربات بتلك الروح التي مثلها شباب وشابات تشرين وطموحاتهم. ومقابل هؤلاء الذين طالبوا بالشرعية والسيادة والعدالة الاجتماعية، كانت هناك كتلة ترفض المس بالنظام عبر تنزيه رموز منه عن الفساد، والتسبب بما وصلنا إليه. وأكد أن تلك التحركات حققت أهدافها بما هي إقالة الحكومة، دون سائر الشعارات التي رفعها الناس وجاءوا من مختلف المناطق صارخين بها.
ودعا إلى تحويل ذلك الوعي إلى حالة سياسية متقدمة ومنظمة. وما أطالب به هو أبعد من مجرد وجود كتلة نيابية تعدادها 13 أو عشرين نائباً في مجلس مؤلف من 128 نائباً. وهو ما يتوجب العمل عليه، لأن ما حدث في تشرين انتهى بعد أشهر قليلة وتحول إلى مجرد قطع طرقات لا أفق لها. ثم إن نواب التغيير يستطيعون أن يكونوا جسرعبور نحو مرحلة جديدة تنطلق من المشروعية السياسية ـ الشعبية، التي اكتسبوها إلى ارتياد آفاق أبعد في بناء حركة الاعتراض على المنظومة الحاكمة. خصوصاً وأن السلطة رغم صراعات أقطابها هي على درجة عالية من التماسك، وتزداد تماسكاً كلما شعرت بالخطر يتهددها في مواقعها وكراسيها. وهي ما تزال حتى اللحظة تتولى إدارة السياسة والشأن العام وتمسك بمفاصل وزمام الأمور.
وشرح منيمنة المسار الذي يعتمده نواب التغيير في المجلس النيابي. وتوقف عند المواقف التي اعتمدوها أمام العديد من القضايا من بينها مشروع قانون “الكابيتال كونترول” والموازنة العامة وموضوع الاستحقاق الرئاسي، ولكنه أكد أن هذه المجموعة تحاول التشكل ككتلة نيابية، وهي بهذا المعنى ليست حزباً تتطابق الآراء بين مكوناته دوما. وذكر أن الهدف من المشاركة والمناقشة في المجلس هي تبيان للرأي العام أن هناك ممارسة مختلفة عما تعودوه من النواب الذين هم جزء لا يتجزأ من منظومة السلطة وقواها. وذلك كي نصل إلى وقت نستعيد فيه ثقة الناس التي منحونا إياها في صناديق الاقتراع. علماً أننا لن نقع في وهم القدرة على اجتراح العجائب والمعجزات فطريق التغيير حافل بالمطبات والأشواك والصعوبات. كذلك لن يتحقق التغيير بنشاط مجلسي مهما أتقنا فنونه وأمسكنا جيداً بالملفات المعروضة. بل هو مرهون بقيام معارضة شعبية تتساند مع نواب التغيير وتسند مطالبها المحقة. فالملفات التي فتحتها ثورة تشرين كثيرة وكبيرة وكل منها تحتاج إلى ضغط جماهيري. ونحن نعمل بدورنا على التدرج في التصدي للمعضلات التي تكاد تشمل كل المرافق والقطاعات والمؤسسات الرسمية والخاصة. ثم هناك الوضع المعيشي الضاغط على الناس، والذي يدفع بالبعض إلى اليأس من حدود التغيير المتواضع الحاصل، والذي يكاد ينحصر بالمواقع النيابية المحدودة بالقياس إلى الهيمنة الإجمالية على المجلس النيابي والحكومة والمؤسسات.
وأشار منيمنة إلى أن مهمة التغيير هي عملية تراكمية، تحتاج إلى نفس طويل لتحقق أهدافها دون التسرع، والسقوط في مبالغات ترتد سلباً على قوى المعارضة والنواب التغييريين. وهو ما لن يتحقق دون خلق كتلة سياسية ديمقراطية علمانية معارضة لها حضورها في مجلس النواب، وفي الشارع، وداخل كل الأطر النقابية. وعندها نمتلك القوة التي تستطيع دفعنا خطوات إلى الامام. واذا نجحنا في تكوين هذه الكتلة نكون عندها في المسار الصحيح . ويمكن بعدها أن نتحدث عن كرة الثلج التي تتدحرج من الأعلى إلى الأسفل.
وبعد مداخلة النائب منيمنة أجاب على أسئلة ومداخلات الحضور التي تناولت دور الشباب والاستحقاق الرئاسي والاوضاع الاجتماعية والمعيشية ومواجهة التحالف السياسي ـ المصرفي للمنظومة والاصلاح المعاق وأوضاع بلدية بيروت والاحتمالات المطروحة بشأنها واستقلالية القضاء وضرورة تشكيل خط دفاع عن النائب المنتخب فراس حمدان في مواجهة محاولات الاطاحة به وغيرها من مسائل.