من يعاين احوال ابناء المؤسسة العسكرية هذه الايام، ينفطر قلبه لشدة معاناتهم، حالهم حال نصف الشعب اللبناني على الاقل الذي لم يعد راتبهم يساوي سوى نحو ٦٠ دولارا في الشهر ما يوازي ثمن ملء خزان سيارتهم بالبنزين للوصول الى مراكز عملهم.
في ظل حكم منظومة سياسية فاسدة لا تأبه لمرضى سرطان يعتصمون ويتظاهرون للحصول على دوائهم واهالي شهداء يقبعون في الشوارع مطالبين بكشف من ارتكب جريمة العصر في حق ابنائهم ومواطنين ينضمون يوميا الى سجلات حوادث الانتحار لعجزهم عن تأمين لقمة العيش لعائلاتهم، ومستشفيات تقفل ابوابها لعجزها عن تأمين مازوت او مستلزمات طبية، في ظل حكم منظومة لم تعد اي من صفات الاجرام وغياب الضمير والحس الوطني والشعور بالمسؤولية تفيها حقها لكثرة ارتكاباتها وفظائعها، لم يعد مستغربا ان يُترك الجيش الوطني، آخر مؤسسات ما كان يليق بتسميتها دولةً منذ زمن، لمصير اسود قاتم يصارع وحيدا على حلبة الارتكابات السياسية مقاوما اقسى الظروف واعتى العواصف لتأمين استمراريته ومنع انهيار مؤسسته رمز “الشرف والتضحية والوفاء”، لمن يعرفها من شعب لبنان، وحكما ليس من طبقة سياسييه التي لا مكان للعبارة في قاموس اخلاقياتها المنعدمة، بعدما دق الجوع والعوز والفقر ابواب عناصره وضباطه الذين كانوا حتى الامس القريب يعيشون في حال من الرخاء والبحبوحة يحسدهم عليها كثر.
من يعاين احوال ابناء المؤسسة العسكرية هذه الايام، ينفطر قلبه لشدة معاناتهم، حالهم حال نصف الشعب اللبناني على الاقل الذي لم يعد راتبهم يساوي سوى نحو ٦٠ دولارا في الشهر ما يوازي ثمن ملء خزان سيارتهم بالبنزين للوصول الى مراكز عملهم وبضع ربطات من الخبز لا اكثر، علما ان مع نهاية شهر ايلول المقبل، الموعد المرتقب لرفع الدعم سيصبح الامر هذا حتى، متعذرا عليهم.
سوء الحال وتردي الاوضاع الى حدودها القصوى،تعاينه عن كثب قيادة الجيش وتتخذ في سبيله اجراءات غير مسبوقة، تبدأ من جولات قائده العماد جوزيف عون على عدد من الدول ولا تنتهي بغض الطرف عن بحث بعض العناصر عن وظائف رديفة تدرّ عليهم ما يمكن ان يحفظ كراماتهم ويقيهم الذّل، بعدما تحولت وظيفتهم الاساس من حراس الحدود لصون الوطن الى حرّاسمحطات المحروقات لمراقبة مخزونها ومنع الاشكالات بين المواطنين المرهقين في طوابير الذل، ما دامت الوزارات المعنية المفترض بها ان تؤدي هذا الواجب تحديدا غائبة عن السمع والوعي و…
تقول مصادر تتابع تفاصيل الواقع العسكري الاجتماعي لـ”المركزية” ان مجمل زيارات القائد الى الخارج، وآخرها الى قبرص، تهدف الى محاولة تأمين ثلاث اولويات تؤمن صمود المؤسسة، الغذاء، الطبابة والنقل، وهو اذ سعى جاهدا لتوفير بدل مالي للعناصر، فإنه لم يلق تجاوبا في هذا الشأن حتى اللحظة من اي من الدول، بيد ان المصادر تكشف عن بوادر ايجابية تلوح من نتائج مؤتمر دعم الجيش الذي نظمته فرنسا في 17 حزيران المقبل، اذ تشير الى ان اولى الدول التي ستبدأ بإرسال المساعدات وفق ما تبلغت القيادة هي الاردن التي تشحن قريبا دفعة من المواد الغذائية المخصصة للجيش اللبناني، فيما وعدت دول أخرى تدرس داتا معلومات لوائح الحاجيات ببدء تلبيتها في وقت قريب انطلاقا من حرصها على استقرار لبنان الذي تؤمنه المؤسسة العسكرية.
لا معركة بلا خسائر، تؤكد المصادر، من هنا يمكن فهم حالات الفرار من الجيش التي ناهزت الالف وخمسمائة عنصر منذ بداية الازمة، جميعهم بسبب الضائقة المادية، في حين ان عدد الضباط لا يتجاوز اصابع اليد الواحدة. القيادة تتدارك الامر للحد من توسع الموجة هذه، عبر توفير كل وسائل الدعم والصمود المتاحة بما فيها تخفيض عدد ايام الخدمة التي وصلت الى حدود يومي عمل مقابل خمسة والتساهل من دون بلوغ الخط الاحمر المتمثل بأمن المؤسسة.
ازمة لا مثيل لها في تاريخ الجيش، لم يسبق ان تعرض اي من قادته الى ضغط بحجم ما يتعرض له العماد جوزيف عون، علاجها يتطلب خطة طارئة رسمتها القيادة وحيدة فيما الرؤساء والمسؤولون السياسيون عن البلد وشعبه ومصيره في عالم آخر، عالم الحسابات الشخصية والمصالح الخاصة والانانيات الوصولية، يدوسون على كل ما عدا ذلك بما فيه وضع مؤسسة ما زالت رغم حجم معاناتها امل اللبنانيين وخشبة خلاص يراهنون على انها وحدها قادرة على انقاذهم من جحيم سياسييهم ووعدهم الجهنمي.
المصدر: وكالة الأنباء المركزية