جاء في “المركزية”:
يئس اللبنانيون من متابعة مسلسل اللقاءات بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي في ظل المواقف التقليدية والسيناريوهات المملة التي تواكب اي لقاء قبل حصوله وبعده من دون التطرق الى تفاصيل تتحدث عن مضمون المناقشات وحجم العقبات ونوعيتها ومدى تأثيرها على الطبخة الحكومية الشاملة والكاملة التي تقدم لهم فريق عمل حكومي يوحي بالثقة والقدرة على مواجهة الترددات الكبيرة التي نتجت عنها.
وما بات واضحا للمراقبين ان ما يعني اللبنانيين بات متواضعا الى حد بعيد، في ظل مسلسل الأزمات التي تعصف بهم وتناسلها من قطاع الى آخر الى درجة وضعت اللبنانيين والمقيمين على أرضه على تماس مع مجموعة منها باتت تتحكم بتفاصيل حياتهم اليومية ومستوى المعيشة التي عليهم الاستعداد لقبولها على قساوتها غير المتوقعة بعد فقدان الكثير من مستلزماتها اليومية سواء بسبب الغلاء او ندرتها وفقدان للبعض الآخر .
عند هذه الملاحظات تتوالى الاستعدادات لدى بعض الدول والمؤسسات المانحة التي ترصد التطورات اليومية المأسوية في لبنان بغية تقدير كلفتها بناء لطلب هذه الدول والمؤسسات للتحضير لبرامج تخفف من الانعكاسات السلبية على فئات واسعة من اللبنانيين وأخطرها تلك المتصلة بفقدان الادوية وندرة المحروقات على انواعها وصولا الى الخطر الذي يهدد لقمة الخبز في وقت تستعد البلاد لدخول العام المدرسي في ظل فقدان مقومات التعليم سواء كان بحضور الطلاب او بالوسائط الالكترونية وسط فقدان التيار الكهربائي وما يهدد نوعية الاتصالات الهاتفية وخدمة الانترنت خصوصا.
وبعيدا من مسلسل الازمات المتفاقمة يخشى المراقبون من ان يكون كل ما يجري سلاحا من اجل الوصول الى نوعية الحكومة وشكلها ونوعية اعضائها بعيدا من المواصفات والمعايير التي حددها المجتمع الدولي الذي يطالب بإدراة رسمية بكامل المواصفات الشرعية والدستورية من اجل التفاهم على الخطوات التي يمكن ان تنعش الحركة الاقتصادية من جديد واعادة توفير حاجيات اللبنانيين اليومية.
وعليه، يتوقف المراقبون امام مسلسل السيناريوهات المستنسخة منذ بداية المساعي التي يبذلها الرئيس المكلف نجيب ميقاتي في 26 تموز الماضي والتي اعادت الى الذاكرة ما رافق مهمة الرئيس الأسبق سعد الحريري الذي كلف بالمهمة عينها ولم ينجح في توليدها على مدى أحد عشر شهرا. فالخلافات التي تحكمت بمصير الحقائب السيادية بقيت على ما هي عليه. وباستثناء الاستقرار الذي رافق مصير حقيبتي الدفاع والخارجية بقيت معظم المواجهات قائمة حول مصير حقيبتي الداخلية والعدلية طالما ان البلاد اقتربت من دخول مدار الانتخابات النيابية كاستحقاق دستوري لا بد منه.
والى هذه المعطيات، التي ملها اللبنانيون، فقد بقيت الصيغ المتبادلة تركز حول الجهة التي ستحظى بهاتين الحقيبتين او احداهما ولأي طائفة او مذهب. ولم تقف الأمور عند هذه الملاحظات وقبل التفاهم على مواصفات الشخصيتين اللتين يمكن تسميتهما، فقد بقي السعي قائما يظلل مختلف مراحل المفاوضات الى الثلث المعطل الذي أراده رئيس الجمهورية والمخاوف التي تتولد لدى الرئيس المكلف من بعض المشاريع التي تعددت أشكالها والتي يمكن أن تصب في الهدف عينه.
كما لا يتجاهل المراقبون مضمون البيانات المتكررة من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف حول حجم التعاون بينهما في ما لم يتفقا على مدى دزينة من اللقاءات حول اي صيغة للتركيبة الحكومية التي تتبدل حقائبها بين كل لقاءين او ثلاثة قبل ان تدخل على الخط مطالب شخصيات وأطراف أخرى تمس رغباتهما ما تم التفاهم بشأنه بينهما حول بعض الحقائب، فبات مصير حقيبة الشؤون الاجتماعية أهم من الحقائب السيادية بفعل الحديث عن البطاقة التمويلية وبرامج مكافحة الفقر وما ستناله من أموال وهبات خارجية علما ان معظمها دخل البلاد عبر المؤسسات الخاصة ببعض الدول والهيئات الخاصة المتخصصة في الشؤون الاجتماعية والطبية والصليب الأحمر والجيش اللبناني.
وفي الإطار عينه، تحدثت محاضر الجلسات عن مناقشات حادة حول مصير حقائب الزراعة والاقتصاد والاتصالات والتربية. وبعدما تهرب الجميع اثر تنازل التيار ورئيس الجمهورية عن حقيبة الطاقة التي شكلت ازمة حقيقية في بداية الحديث عن الحكومة الجديدة، ها قد عادت اليهما بشكل تلقائي حسب اخر الصيغ. فقد رفض معظم الاطراف القبول بها بعدما عرضت على حزب الله والاشتراكي والمردة. وبعد الحديث عن تكليف شخصية متخصصة بهذه الحقيبة تحظى برعاية دولية وفرنسية من اجل ادارة ازمة الطاقة بعيدا عن التجاذبات السياسية التي أدت الى صفر خدمات كهربائية في العام 2021 وفشل مختلف الخطط لبناء المعامل والسدود وما رافقها من هدر مالي شكل نسبة كبيرة من الدين العام وكلفة خدمته الذي تنامى في العقدين الماضيين الى الذروة.
عند هذه المعطيات تتوقف المراجع الديبلوماسية بدهشة قوية يتشاركون فيها مع معظم المواطنين عند اكتشافهم ان الخلافات التي تعيق التشكيل ما زالت هي هي منذ عام بالكامل تبدل خلالها ثلاثة مكلفين بمهمة التأليف ولم تولد الحكومة المنتظرة بعد. ولذلك لم يعد لإحصاء اللقاءات بين عون وميقاتي اي اهمية فلم تتبدل المناقشات لا في شكلها ولا في مضمونها وربما في أهدافها المبطنة والعلنية وعم التكرار حول العقد عينها وهو ما يوحي باستحالة التأليف الى حين تحقيق ما يريدونه وما زال مخفيا على كثر. ولذلك يبدو ان هناك من يريد هذه المراوحة أيا كانت الكلفة المترتبة على الدولة ومؤسساتها ومواطنيها. وسيبقون في أدنى أولويات اهتمامات المعنيين بالملف قبل استيلاد حكومة سيكون عليها قيادة المرحلة المقبلة بما فيها من استحقاقات خطيرة طالما ان اولى مهامها اعادة تركيب الدولة ومؤسساتها لتعود العلاقات طبيعية بين السلطات فتنتهي مسلسلات الفشل في مواجهة اي من مشاكل البلد .