كتب محمد دهشة في “نداء الوطن”:
كشفت مصادر مطلعة لـ”نداء الوطن” ان الجيش اللبناني فكّك أكثر من لغم للتوتير وقطع الطريق على اي محاولة للفوضى، في خضم استفحال الازمات المعيشية والخدماتية، من انقطاع التيار الكهربائي وإطفاء المولدات الخاصة بسبب نفاد المازوت، وطوابير الانتظار على المحطات وعند مراكز الغاز وحتى الافران.
وشكّل انتشار الجيش عند محطات الوقود مظلة أمن وأمان لتفادي وقوع اي اشكالات، والتدخل السريع في حال حصولها وتطويقها ومعالجتها. ولم يقتصر دوره عند هذا الحدّ، بل عمد الى توزيع بعض “المازوت المصادر” على عدد من اصحاب المولدات التي شهدت مناطقهم تحركات احتجاجية بغية تهدئة روعهم، في وقت لم يغب عن ارض الميدان ومواكبة اي تحرك لمنع الاخلال بالامن واعادة فتح الطرقات واستيعاب الغضب الشعبي المتدحرج.
وشهدت أزمة البنزين تطورات عدة أولاها وأخطرها الانتقال الى مرحلة التعبئة المناطقية، حيث بدأت قرى في قضاء صيدا شرقاً وجنوباً باعتماد هذه الطريقة لتنظيم التعبئة وتلبية احتياجات ابناء المنطقة، فيما تدرس بلدية صيدا الامر جراء الضغط الهائل على محطاتها، وتتجه في القريب العاجل الى اتخاذ قرار مماثل يحصر التعبئة بأبناء المدينة ووفق صيغة الحصول على “قسيمة” مسبقة من البلدية، ولتعبئة كمية محددة لا تزيد عن المئة الف ليرة لبنانية، كي توزع الكميات المتوفرة على أكبر عدد ممكن من الناس، من دون الانتظار لساعات طويلة وإنتهاء الكميات قبل وصول دور البعض.
وأوضحت مصادر مطلعة لـ”نداء الوطن” ان هذه الخطوة مهمة لجهة عملية تنظيم تعبئة البنزين لا سيما في المدينة التي تشهد محطاتها ازدحاماً غير مسبوق بآلاف السيارات ومن المناطق اللبنانية كافة، من قرى شرق صيدا وقضائها والجنوب والاقليم، وهي فتحت أبوابها من دون اي تمييز او تفرقة، وكرّست قناعتها بالتلاقي والانفتاح بعيداً من الإنغلاق والتعصب، ولكن وصلت الأمور الى حدّ حرمان عدد كبير من أبنائها من التعبئة نتيجة الانتظار لساعات طويلة في طوابير لا تنتهي يومياً، فيما يعمد البعض الى ركن سياراتهم منذ ساعات الليل. بالمقابل، فإن هذه العملية التي بدأت بها غالبية قرى شرق صيدا مروراً بجزين والجنوب، تحمل في طياتها الظاهرية “التعبئة الذاتية” بما يشبه “الامن الذاتي” الخدماتي واقفال الحدود الجغرافية المفتوحة بينها، ناهيك عن الاستياء من سماع كلام “نأسف فقط لابناء البلدة”.
ثاني التطورات: قيام عدد كبير من محطات صيدا مع اشتداد ازمة البنزين، بنزع آلات التعبئة بعد إعلان إقفالها حتى إشعار آخر، في مؤشر على طول أمد الازمة وتفاقمها وعدم الرغبة بالعودة الى العمل مجدداً قبل انتهاء الازمة بشكل جذري، تفادياً للمشاكل التي تقع عند كثير من المحطات او إقفال الطرقات قربها أو اتهام صاحبها ببيع المادة في السوق السوداء.
أما التطور الثالث فتمثل في تولي الجيش اللبناني مهمة تنظيم الطوابير عند المحطات، لكنّ ذلك لم يحل دون وقوع مشاكل متنقلة عند بعضها على خلفية انتظار الدور، تطورت إمّا الى تلاسن وعراك او ضرب بالعصي والسكاكين، مع ضغوط نفسية كبيرة على الموظفين والعمال فيها، وقد وصل الامر الى اقفال الطرقات واضرام النار بالاطارات المشتعلة رفضاً لتعبئة الدراجات النارية على قاعدة انها ممنوعة في صيدا، علماً ان القوى الامنية بدأت تغضّ الطرف نتيجة شح البنزين وعدم انتظام تغذية الكهرباء والمولدات الخاصة من شحن الدراجات الكهربائية، وخاصة لعمال “الدليفيري” الذين يعملون كل يوم بيومه.
وحمل التطور الرابع تصاعداً في مسلسل الاقفالات بسبب العجز عن تأمين المازوت لتشغيل المولدات الخاصة، وخاصة المطاعم وآخرها: أهل الراية، الزعيم للفول، بعدها شاورما “النعماني وشوقي”، والكثير من المحال التجارية والمعامل وخاصة في المدن الصناعية، ما يؤثر سلباً على لقمة عيش مئات الموظفين والعمال في خضم الازمة المعيشية الخانقة، في وقت لفت الانتباه خلو الشوارع من حركة السيارات كما تجري العادة، توازياً مع اعلان الكثير من سائقي الاجرة وقف العمل بعد نفاد البنزين وتفادياً للانتظار لساعات وتضييع الوقت، فيما استمر عدد قليل جداً بالعمل ووفق طلب خاص، ولكنه رفع التسعيرة الى نحو خمس وعشرين الف ليرة لبنانية داخل المدينة وتزداد اضعافاً في محيطها، وتصل الى مطار الشهيد رفيق الحريري الدولي الى أكثر من 500 الف ليرة وان وجد.
ومقابل أزمة البنزين، بقيت أزمة المازوت على حالها، بل ازدادت شدّة بعدما أبلغت مصفاة الزهراني قراراً حاسماً بأنه لن يكون بمقدورها تسليم اي كمية من المادة قبل 25 آب الجاري، والسبب هو اجراء إحصاء ومسح شامل بإحتياجات كل المدن والمناطق بالتحديد كي يتم اعتمادها وتسليمها حصتها عند توفر المادة بعد تفريغ البواخر. وعلمت “نداء الوطن” ان بلدية صيدا أعدّت جدولاً كاملاً بالتنسيق والتعاون مع “لجنة شفافية وعدالة توزيع المازوت” بكل احتياجات المدينة ووفق أولويات المستشفيات، الافران، اصحاب المولدات واصحاب المعامل والمصانع والمؤسسات، وفتحت باب التسجيل قبل ايام لاعداد الكشف النهائي.
وتوازياً، إستفحلت أزمة الغاز بعدما اصطف المواطنون في طوابير طويلة ومنذ ساعات الفجر الاولى امام مركز الموصلي لتعبئة الغاز عند منطقة سينيق، وقد جرى التقنين الى درجة تعبئة قنينة واحدة فقط مع ساعات الانتظار الطويلة، فيما نفدت قوارير الغاز من المحال التجارية، ولبّى الموزّعون طلبات زبائنهم فقط دون الآخرين، ما اثار استياء من وصول الامور الى هذا المستوى بالرغم من بيعها احياناً بسعر أعلى من السوق الرسمي.