جاء في المركزية:
بين ليلة وضحاها صدرالقرار بانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان. وفي أقل من ساعات غادر الرئيس اشرف غني البلاد مع افراد عائلته وحاشيته الذين قارب عددهم الـ 200 شخص الى طاجاكستان. من دون إراقة نقطة دماء واحدة دخلت عناصر طالبان كابول وتسلمت السلطة. اللافت في هذا المشهد الذي استقطب أنظار العالم والمحللين الجيوسياسيين، مضمون الخطاب الإيجابي “والتسامحي ” للحركة الذي ورد على لسان المتحدث بإسم طالبان في مؤتمر صحافي عُقد أمام أنظار العالم. باختصار قد تكون مجرد رسائل لطمأنة الداخل والخارج، في ظل توجس كثيرين من السلوك الذي ستنتهجه الحركة في حكم البلاد التي أثخنتها الحروب المتعاقبة بالجراح. وقد تصدق الحركة إنطلاقا من التفاهم الذي وقعته مع الولايات المتحدة لدخول البلاد بطريقة سلسلة والسيطرة على كامل الولايات في غفلة عين. لكن تبقى العبرة في التنفيذ.
كل هذه التطورات وضعت الملفات الأخرى حتى الساخنة منها في درجة دنيا أو على لائحة الإنتظار. لكن ماذا عن ملف لبنان امام فداحة وخطورة ما يجري في افغانستان؟ هل وُضع على لائحة “الإنتظار” أم في أدراج النسيان ؟. وهل بات المطلوب المحافظة على الاستقرار والهدوء في الجنوب أكثر إلحاحاً وأي تصعيد أمني يعني تفلت الوضع إلى ما لا نهاية؟ وهل سلمت الولايات المتحدة الشعب الأفغاني لحركة طالبان من دون دفتر شروط؟
رئيس جهاز العلاقات الخارجية في حزب الكتائب اللبنانية الدكتور ميشال أبو عبدالله أوضح عبر “المركزية” أن المحادثات بين الولايات المتحدة و حركة طالبان مفتوحة منذ مدة طويلة وآخرها كان في الدوحة”. واستغرب “دهشة” العالم من الإنسحاب الفوري للقوات الأميركية من أفغانستان وقال:” يجب الأخذ في الإعتبار أن أميركا اتخذت قرارا بالتوقف عن دورها”البوليسي” الحامي للدول من دون أن يعود إليها أو إلى شعبها بالفائدة. فبعد دخولها إلى العراق واطاحة الرئيس صدام حسين ارتاحت إيران. وخلال فترة وجودها في أفغانستان على مدى 20 عاما استفادت كل من الصين والهند وروسيا وإيران من أجواء الإستقرار الأمني والسياسي والإقتصادي واليوم هناك مشروع طريق الحرير الذي تعمل عليه الصين وهو من أضخم المشاريع الإقتصادية في العالم ومن المقرر أن يمر في أفغانستان. إنطلاقا مما تقدم كان القرار الأميركي بعدم توفير الراحة بعد اليوم لأية دولة على حساب الخزينة الأميركية وجنودها والقيام بدور” الشرطي”.
وتعقيبا على أجواء الخوف من استعادة مشهدية الصراع والأضطهاد والقمع التي سادت أفغانستان خلال مرحلة سيطرة طالبان بين العامين 1996-2001. قال:”كل تطرف سيواجه بتطرف آخر. لكن المشهد اليوم مختلف. ومن الواضح أن ثمة تفاهم حصل بين طالبان والولايات المتحدة على أمور أمنية أبرزها عدم تحول طالبان إلى “داعش2″ وتفادي القيام بأي أعمال تضر بمصالح الولايات المتحدة والغرب أوالعودة إلى مرحلة ما قبل 2001 على المستويين الأمني والإجتماعي”. وعلى الصعيد الجيوسياسي لفت أبو عبدالله “إلى الإزعاج الذي سيسببه وجود حركة سنية أصولية على تخوم الدول المحيطة بأفغانستان وهي إيران والصين وروسيا والهند لا سيما أن هناك أقاليم إسلامية في كل منها وأبرزها الشيشان حيث يوجد حوالى 23 مليون مسلم مما يجعل من أفغانستان خنجرا في خاصرتها وربما هذا هو المقصود”.
لبنان حتما لن يكون في منأى عن مفاعيل الحدث الذي طغى على اهتمامات العالم لكن هذه المرة من بوابة “النسيان” وفي هذا الإطار، يقول أبو عبدالله” ملف لبنان موضوع أساسا على الرف الثاني أو الثالث من اهتمامات العالم وهذا واضح من كلام بايدن للفرنسيين إذ قال إنه سيساعدهم في الملف اللبناني، أي أنه يقف خلف المبادرة الفرنسية دون القيام بخطوات جديدة. مع الإستمرار في تطبيق العقوبات ومساعدة الجيش اللبناني والقوى الأمنية ماديا ولوجستيا. ولفت “إلى الزيارة التي قام بها وليم بيرنز منذ 4 أيام إلى بيروت حيث التقى قائد الجيش العماد جوزف عون وأبلغه رسالة مفادها “ضرورة التنبه إلى الوضع الأمني على الحدود مع إسرائيل لأن أي خطأ مصدره لبنان سترد عليه إسرائيل ومن دون رحمة، ولن نردعها من الرد على التفلت الأمني إذا ما حصل”.
فهل وصلت الرسالة إلى المعنيين؟ “بالتأكيد والكل قرأها بتمعن بمن فيهم حزب الله وهو مدرك لخطورة ارتدادات أي عمل أمني يمكن أن يقوم به من الجنوب اللبناني ولن يقدم على خطوة مماثلة لأنه غير مستعد لتحمل النتائج داخليا ودوليا” يختم أبو عبدالله.