كتب محمد دهشة في “نداء الوطن”:
إرتفع منسوب الغضب في صيدا الى حدّ الغليان الشعبي الذي ينذر بانفجار اجتماعي وشيك، مع دعوات متصاعدة من ناشطين الى اعلان العصيان المدني واقفال المدينة وكل الطرقات حتى نيل حقوقها، بعد أيام سود من العتمة جراء انقطاع التيار الكهربائي بالكامل وإطفاء المولدات الخاصة بسبب نفاذ مادة المازوت وشح المياه، على وقع نداءات الاستغاثة المتكررة من المستشفيات والافران تفادياً للأسوأ في الصحة ولقمة العيش.
وبدا مشهد المدينة حزيناً الى درجة الاحباط، هادئاً الى حد السكون، خفت الحركة في الشوارع وخلت في الاسواق التجارية، بعدما اصطفت السيارات في طوابير طويلة ولساعات على محطات الوقود، او عند الافران للحصول على ربطة خبز بات توزيعها كـ”البورصة” كل يوم بيومه، ربطة او ربطتين داخل كيس نايلون واحد وبأسعار مختلفة.
هذا المشهد وصفه مراقبون بأنه مؤشر خطير على بدء تفكك مؤسسات الدولة وعجزها عن توفير خدماتها وأبسط حقوق المواطنين، مقابل فتح الاسواق السود لابوابها على كل شيء، صفيحة البنزين وصل سعرها الى 400 الف، المازوت الى 700 الف وغير موجودة، الغاز الى 150 الف ليرة وسعة عشرة كيلو ونصف، حتى عبوات المياه المعدنية على اختلافها اختفت من المحال التجارية والسوبرماركت في ظاهرة غريبة، اما الدواء فالدفع بـ “العملة الخضراء” وحسب “تقريشة” سعرها سابقاً بالدولار.
وعلى الارض، ترجم الغضب بتحركات احتجاجية، ابرزها امام محطة تحويل الكهرباء في عبرا للمطالبة بحصة صيدا بالتغذية من التيار بعدالة، ثم امتد الى حي “الست نفيسة” في المدينة حيث قام الاهالي بالقرع على الطناجر، في حركة احتجاج تدل على مدى الفقر والجوع ورفضاً لانقطاع الكهرباء والاشتراك معاً منذ ايام، وقالت نسرين خطاب لـ”نداء الوطن”: “ان الوضع مزري ولا يطاق، انه الجحيم بعينه في عز ّالنهار والليل، بلا كهرباء، بلا ماء، والمنازل تحّولت افراناً”، قبل ان تضيف بغضب “اننا نحترق فيها ونموت على البطيء ولا أحد يسمع اصواتنا او يشعر بعذاباتنا وبيننا اطفال وكبار سنّ ومرضى ومن ذوي الاحتياجات الخاصة”، داعية الى “هبّة شعبية عارمة تغيّر الواقع الى الاحسن وتوقف الانهيار”، مؤكدة ان التحرك “رسالة الى كل المعنيين كي يتحمّلوا مسؤولياتهم في هذه الازمات المعيشية والاقتصادية والخدماتية الخانقة التي بات الحصول فيها على ربطة خبز او بنزين بالطوابير”.
والسبب نفسه دفع اهالي صيدا القديمة الى قطع الطريق البحري قبالة خان الافرنج بالعوائق ومستوعبات النفايات، واحتشدوا وسط الطريق احتجاجاً بعد هروبهم من منازلهم من شدّة الحرّ، معتبرين ان الوضع غير محتمل في ظل ارتفاع درجات الحرارة، مطالبين بحل الازمة بأسرع وقت. وسرعان ما امتد الاحتجاج الى ساحة “النجمة”، حيث قطع محتجون غاضبون الطريق بالاطارات المشتعلة احتجاجاً على شح البنزين وفقدان المازوت وانقطاع التيار الكهربائي واطفاء المولدات وتردّي الاوضاع المعيشية، ومنها الى مستديرة القناية – صيدا، ثم عبرا – مجدليون.
ومن المتوقع ان يتوّج الغضب اليوم بتحرك احتجاجي كبير دعت اليه مجموعة “صيدا تنتفض” امام مكتب “التنظيم الشعبي الناصري” عند البوابة الفوقا، من اجل التعبير عن الغضب والاحتجاج واعلان انتفاضة شعبية بما يشبه العصيان المدني على كل الفاسدين على قاعدة “يا شعب صيدا والجوار تحرّكنا يعيد لنا حقنا.. إرادتنا تعيد لنا كرامتنا”، في وقت اكد ناشطون في المجموعة “ان صيدا، بشيبها وشبابها، بأطفالها ونسائها، بعمّالها بحرفييها والصناعيين، بمزارعيها وصياديها، بطلابها ومثقفيها، صيدا ستقول كلمتها: كفى تجويعاً وافقاراً، كفى جشعاً واحتكاراً، كفى لطوابير المهانة والذلّ، من حقنا أن نعيش بكرامة ومن حقنا محاسبة من اوصلنا إلى هذه الأزمة والمعاناة”.
سياسياً، واكبت القوى السياسية التحركات الاحتجاجية بمواقف داعمة، وأكدت رئيسة كتلة “المستقبل” النيابية النائبة بهية الحريري ان “لا حل الا بتشكيل حكومة جديدة لأن البلد لم يعد يحتمل، ونحتاج إلى حكومة انقاذ تعيد وضعه على سكة الانتظام وتستعيد ثقة اللبنانيين والأشقاء والأصدقاء والعالم به كي يتمكّنوا من مساعدته”.
بينما دعا النائب أسامة سعد إلى تزخيم التحركات الشعبية دفاعاً عن حقوق الناس، مؤكداً “أن المنظومة السياسية والمالية الحاكمة تمارس أبشع أنواع الظلم والتنكيل والاضطهاد والتعذيب بحق الناس”، مطالباً مدير عام مؤسسة كهرباء لبنان بزيادة ساعات التغذية لمنطقة صيدا وسائر المناطق المحرومة من التيار الكهربائي.
وتساءل الدكتور عبد الرحمن البزري “أمام فاجعة عكار المروعة، وبعد مسلسل الفواجع الدموية الأليمة التي سبقتها، أما آن لهذه الجُلجُلة الإنسانية من خاتمة؟ وأما آن لهذا الجسد اللبناني المُدمّى والمُمزّق فوق زوايا الوطن الأربع من أن يهدأ ويستريح كباقي شعوب الأرض”؟
وحمّل المسؤول السياسي لـ”الجماعة الاسلامية” في الجنوب الدكتور بسام حمود المنظومة السياسية كاملةً المسؤولية عن الازمات التي يعيشها لبنان، مشيراً إلى أنه “لولا جشعهم وطمعهم وفسادهم لما إحتجنا لنقل جرحى الفاجعة في عكار إلى البلاد التي ناشدناها المساعدة في ذلك”.