مخطّط لتدمير القطاع المصرفي في لبنان

كتب ناصر زيدان في “الأنباء الكويتية”:

أجهضت اللجان النيابية المشتركة مشروع قانون «الكابيتال كونترول» قبل أن يصل الى الجلسة العامة التي انعقدت في 7 ديسمبر لمناقشته، وقد تبرأت من الاقتراح معظم القوى السياسية، بمن في ذلك المقربون من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي كان متحمسا لإقرار القانون، لأن جمعية المودعين رفضت الاقتراح، وبعض الشخصيات شيطنته في حملة مزايدات شعبوية غريبة، برغم أن هذه الشخصيات ومراجعها السياسية كانت تطالب باعتماد صيغة تقييد للتحويلات والسحوبات المالية.

الحسابات السياسية أقوى من الحسابات المالية في لبنان، وهناك أسرار تقف خلف الاتهامات المتبادلة في المسؤولية عن انهيار القطاع المصرفي اللبناني، لكن المؤكد أن ذلك حصل بقرار سياسي متعمد، أو بغياب القرار الرشيد بالحفاظ على القطاع على أقل تقدير.

حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يقول إنه طالب المراجع العليا في الدولة بضرورة اتخاذ تدابير قانونية لتقييد حركة هروب رؤوس الأموال بعد انتفاضة 17 اكتوبر 2019، وهو ما لم يحصل، بل على العكس من ذلك فقد كان لقرار حكومة الرئيس حسان دياب بالامتناع عن تسديد مستوجبات اليوروبوند في مارس 2020 انعكاسات كارثية، رغم توافر المبلغ في الخزينة حينها، حيث ارتفع سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية منذ ذلك التاريخ بشكل هستيري، لأن الحكومة لم تقم بأي إجراء لطلب تمديد مهل التسديد أو إعادة جدولة الديون، كما تلجأ عادة الدول المتعثرة، وهو بمنزلة إعلان لإفلاس الدولة.

ويتابع سلامة: أن عجز السوق المالية اللبنانية بلغ بين العام 2017 والعام 2021 ما يقارب 65 مليار دولار تم تحويلها لصالح استيراد حاجات لبنان وتغطية للعجز في الميزان التجاري، من دون أن يدخل مقابلها الى النظام المصرفي اللبناني إلا مبالغ متواضعة.

من الواضح أن الجهات التي تبحث عن ضحية لتحميلها مسؤولية الانهيار، هي الجهات التي تتحمل مسؤولية هذا الانهيار أكثر من غيرها، خصوصا أن هؤلاء أصحاب سلطة ونفوذ في الدولة، وكان بإمكانهم اتخاذ تدابير إنقاذية ولم يفعلوا، إضافة الى كونهم مسؤولين عن القطاعات التي صرفت عليها أموال القروض التي استدانتها الدولة من المصارف، خصوصا قطاع الكهرباء والمياه والسدود. ويرى بعض الخبراء المتابعين للملف أن الحملة على حاكم مصرف لبنان وعقود التحقيق الجنائي، واتهام بعض القوى السياسية بتحويل الأموال الى الخارج بعد 17 اكتوبر، ما هي الا مسرحيات مكشوفة للتعمية على الحقائق، لأنه لم يثبت أي اتهام ضد هؤلاء حتى الآن، وعلى العكس من ذلك، فإن دوائر الحكم وداعميهم من قوى الأمر الواقع، هم الذين يتلاعبون بالأموال وبالتحويلات، واستغلالهم الممجوج لبعض زلات اللسان العفوية التي صدرت للتصويب على المعارضين لهم، لا تغير الحقائق، بل على العكس تشير الى وجود اسرار تحيط بالملف المالي، وأبرز المؤشرات على هذه الأسرار مثلا: الكشف عن صاحب محل صيرفة في بلدة شتورا البقاعية جمع 23 مليون دولار في يوم واحد لصالح جهات سياسية نافذة. الذين عطلوا ايجاد خطة لضبط الفوضى المالية لم يطرحوا قانون «الكابيتال كونترول» عندما كان يفيد في عملية الإنقاذ، وهم أنفسهم يزايدون اليوم بحرصهم على أموال المودعين، بعد أن فرغ مصرف لبنان من ملاءته وصرف ما يقارب 16 مليار دولار خلال سنتين على دعم السلع والمحروقات.

هل هناك عمل مقصود لتدمير القطاع المصرفي في لبنان؟

يؤكد الخبراء المتابعون ذاتهم أن سوء الإدارة، أو فقدان الرؤى الرشيدة لا يكفيان لتبرير ما حصل، بل هناك أطراف كانت مستفيدة من تبديد الأموال العامة وتريد أن تخلط الأوراق للهروب من المساءلة، وهناك أطراف أخرى شريكة لها لديها قرار للتخلص من النظام المصرفي اللبناني الذي يتماشى مع النظام الدولي، وهو ما لا يناسب عمل هذه الأطراف.

شاهد أيضاً

هكذا يُفشل اللبنانيون محاولات “إسرائيل بالعربية” زرع الفتنة بينهم

سعت إسرائيل مؤخرا، عبر حملات منظمة، إلى إشعال نار الفتنة المذهبية في لبنان وخاصة بين …