كتب بسام ضو في الجمهورية :
لا أحد في لبنان يملك أي قدرة على توصيف الوضع اللبناني في مرحلة التسويات، حالياً يُحكى عن تحالفات ومصالح ظاهرة للعيان وواضحة كعين الشمس والأمور تتجه الى إنضاج تسوية على حساب السيادة اللبنانية مع اختلاط عدد من الأوراق التي لم تعُد بيد الذين يُمارسون السلطة سواء أكانوا رسميين أو عاديين. تحديات كُبرى تفرضها جهات محليّة ـ إقليمية ـ دولية على الجمهورية اللبنانية وهي بأجمعها تتصرّف وكأن الأرض اللبنانية مُلك لها وهي فعليا وللأسف مُجيّرة لكل هؤلاء واللبناني آخر من يعلم أين سيكون في التسوية.
على ما يبدو، واستنادا إلى عدد من مراكز الأبحاث، إنّ لعبة الأمم والتي تضم عددا من الدول الفاعلة على الأرض اللبنانية حيث كل مجموعة دولية تسعى للإطباق على ما تبقى من دولة لبنانية تبعا لِما هو مرسوم أو متفق عليه، كما أنّ كل مجموعة تسعى الى منع الطرف الآخر من السيطرة الكاملة على بعض مقدرات الدولة، ناهيك عن بعض القيود التي هي في متناول يد كل لاعب ومنعه من التصرف وفقا لمصالحه الخاصة. ومن الملاحظ الكثير من الأدوار التي تُرسم لكل طرف لبناني الذي من المفترض أن يؤدّي الدور المطلوب منه على أكمل وجه وإلاّ يُزاح عن المسرح السياسي بشتى الطرق، كما يرسُم الأطراف الفاعلون على المسرح السياسي اللبناني الدور المُحكم ويتداركون عمليا مَواطن القوة والضعف لدى المولجين لعب دور معين على المسرح السياسي اللبناني الداخلي.
ما يجري حاليا على المسرح السياسي اللبناني هو منظومة سياسية تلعب دورا تخريبيا في تجزئة الجمهورية وإضعافها
الأطراف الفاعلون على المسرح السياسي اللبناني يُمسكون بالساحة اللبنانية بقبضة من حديد نارية وهي صفة أساسية يوفّرونها لكي يكسبوا جولتهم ومصالحهم، وحضورهم على ما يبدو حضور فاعل ومؤثِّرْ، ومرحليا وحتى الآن الفائز في هذه اللعبة على الساحة السياسية اللبنانية هو المرجع الذي لا ينفك يتحكّم بكل مفاصل الجمهورية اللبنانية: سياسيًا ـ أمنيًا قضائيًا ـ إجتماعيًا ـ ماليًا ـ إقتصاديًا ـ تموينيًا، وهو لاعب يمتهن لعبة النزاع بكل تفاصيلها بدءًا من السيطرة على المراكز الرسمية الشرعية المدنية والعسكرية وبلعبة التهديد بالحرب إلى اللعبة السياسية التي من خلالها يسيطر على السلطات الرسمية سواء أكانت إجرائية أو تشريعية أو قضائية. وبالفعل هذا اللاعب الإقليمي يبذل أقصى ما في وسعه ليستطيع كسب كل ما يجري وبمعاونة أنصاره على الساحة السياسية اللبنانية وهو يعلم علم اليقين أنّ السيطرة على اللاعبين الأساسيين الذين كلّفهم اللعب هي من أبرز نقاط تحقيق الفوز، ومن هنا لا يرى ضرورة لتغيير قواعد اللعبة لأنّ اللاعب مِطواع ومرن وينفِّذ الأجندة بكاملها ومن دون أي اعتراض.
صدق الدبلوماسي الأميركي Miles Copeland وهو أحد مستشاري المؤسسات الكبرى المتخصصة في العلاقات الدولية في الولايات المتحدة الأميركية حينما قال: «إذا أردت أن تفهم لعبة الأمم فعليك أن تضع نصب عينيك بعضا من القواعد التالية»، وتختصر بالآتي:
_أولاً، إنّ من أول أهداف أي أمّة أن تبقى في اللعبة ولا تخرج منها.
_ثانيا، غالبًا ما تتصرف الأمّة بصورة لا تهدف معها إلى إحراز أي نجاح في داخل اللعبة، بمقدار ما تهدف إلى استمرار التأييد الجماهيري لزعيمها.
_ثالثًا، من السذاجة الخاطئة بمكان أن يفسّر أي تصريح رسمي حول السياسة الخارجية بصفاء النيّة وخلوص السريرة.
_رابعًا، المناورة شرط أساسي لأي زعيم في اللعبة، فهو يظهر ما لا يُبطن ويقول شيئًا ويعني به آخر.
من الواضح جليًا أنّ الساحة اللبنانية يُسيطر عليها لاعبون أساسيّون، ويسيطرون على السياسة الداخلية والإقليمية والدولية ويوجهونها وفقًا لمصالحهم ويتحكّمون في القرارات المصيرية، والجمهورية اللبنانية أم للأسف مغتصبة ومستضعفة وضعيفة وفاقدة لقوة التأثير في السياسة داخليًا وإقليميًا ودوليًا، وإنْ سُمِحَ لها في بعض الأحيان بإبداء وجهة نظر معينة.
إنّ ما يطبع العلاقات بين لبنان وهذه الدول ليس القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة الذي يُعطيه بعض الدول والقانونيين تفسيرًا ضيقًا لإجهاض إرادة بعض الدول غير الفاعلة على المسرح السياسي العالمي في التمايز والإستقلال والحرية في تبنّي القرارات والإختيارات، بل ان ما يطبع علاقة هذه الدول بالجمهورية اللبنانية هو القوة والسيطرة والسطوة والإستفراد بالقرار والإذعان والخضوع لإملاءات هذه الدول الذي حوّل الجمهورية من سيّدة إلى عبد بيد من أمسكوا الأرض.
إنّ ما يجري حاليًا على المسرح السياسي اللبناني هو منظومة سياسية تلعب دورًا تخريبيًا في تجزئة الجمهورية وإضعافها، حيث أنّ كل الجهود تصب في مصلحة مكوّن لبناني يعمل خلافًا للقوانين اللبنانية المرعية الإجراء وباختصار خلافًا لما ورد من نصوص في «وثيقة الوفاق الوطني». إضافةً إلى المحاولات المتكررة لضرب الجغرافية السياسية اللبنانية وتشجيع الإنقسامات وخلق النعرات البربرية لضرب وحدة الجمهورية اللبنانية، وإنّ مثل هذه التسوية في لعبة الأمم ستطيح بكل مفاصل الدولة اللبنانية لمجرد غياب اللاعب الأساسي في المنظومة السياسية السيادية.
إنّ تباعد المواقف بين بعض الأطراف المتحررة من التبعية هو تحصيل حاصل لهذا المصير الأسود الذي جعل مصير لبنان سوداويًا ومهمشًا وفاقدًا للشرعية وللسيادة… إنها لعبة الأمم والمصالح في حق مصير الجمهورية اللبنانية، والآتي أسوأ.