استنكار لتدخل المبعوثة الأميركية في الشؤون الداخلية اللبنانية

في تصريحات غير مبررة، خرجت المبعوثة الأميركية إلى لبنان، مورغان أورتاغوس، بعد لقائها مع رئيس الجمهورية اللبنانية، لتؤكد أن “حزب الله لن يكون جزءًا من الحكومة المقبلة”، مشيرة إلى أن “عهدهم انتهى في لبنان”. هذه التصريحات لا تُعبّر فقط عن تدخل سافر في الشؤون الداخلية للبنان، بل هي أيضًا إهانة للشعب اللبناني بأسره، الذي يرفض أي محاولة فرض رؤى خارجية على دولته وسيادته.

من المؤسف أن المبعوثة، التي تُمثل دولة لا تُخفى علاقاتها الوثيقة مع الكيان الإسرائيلي، تتجاهل التاريخ الدموي لهذا الكيان في لبنان. إسرائيل، التي ارتكبت أفظع الجرائم بحق الأبرياء في الجنوب اللبناني، وأطلقت حربًا همجية في الأشهر الأخيرة، لم تكن بمقدورها إلا تدمير منازل المدنيين وتشريدهم، وهو ما يبرز حجم الغطرسة والهمجية التي تتحلى بها.

في حربها الأخيرة، لم تكتفِ إسرائيل بتوجيه ضربات لجنوب لبنان، بل نفذت عمليات إرهابية تفوق كل معنى للإرهاب الذي يُستند إليه في المعايير الدولية. تفجير البيجيري هو مثال واضح على الجريمة الإسرائيلية، حيث استهدفت أماكن مكتظة بالمدنيين، مما أسفر عن مقتل العديد من الأبرياء، بمن فيهم أطفال ونساء، في عملية تمثل خرقًا صارخًا للقوانين الإنسانية. ما فعلته إسرائيل لا يمكن تصنيفه سوى كعمل إرهابي مدعوم من الولايات المتحدة، التي تتنصل من مسؤولياتها وتُدافع عن الجرائم الإسرائيلية التي لا تعد ولا تحصى.

أما عن “الانتصار” الذي تتحدث عنه أورتاغوس، فكيف لها أن تتفاخر بما ليس لها علاقة به؟ هل تحسب تدمير البنية التحتية اللبنانية وقتل المدنيين انتصارًا؟ هل يعتبر دعمها لجيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يعيث فسادًا في لبنان وفلسطين انتصارًا؟ على أورتاغوس أن تعرف جيدًا أن إسرائيل لم تنجح إلا في تلقي الدعم الأميركي غير المحدود، الذي يسمح لها بمواصلة هجماتها الإرهابية ضد المدنيين اللبنانيين.

بالتأكيد، لا يحق للمبعوثة الأميركية، التي تحمل الجنسية الأميركية وتدافع عن مصالح كيان الاحتلال الإسرائيلي، التدخل في شؤون لبنان الداخلية. عليها أن تعرف حدودها جيدًا، وألا تستغل منصبها لتسويق مشاريع تُسهم في تأجيج الأزمات في لبنان. إذا كانت أورتاغوس تدافع عن مصالح إسرائيل، فعليها أن تدرك أن لبنان ليس تحت وصاية أي دولة، ولا يقبل تدخلاً في سيادته أو في تحديد تشكيل حكومته.

من حق لبنان أن يقرر بنفسه من يشارك في حكومته ومن لا يشارك، دون أن تفرض عليه أي شروط خارجية. نأمل أن يتخذ رئيس الجمهورية، جوزاف عون، خطوة حاسمة في التعامل مع هذا التدخل السافر من السفيرة الأميركية، وأن يوضح لها بشكل قاطع أن لبنان دولة ذات سيادة، لا تحتمل أي نوع من التهديدات أو التدخلات في شؤونها الداخلية.

أما عن رئيس الحكومة المكلف، نواف سلام، فنتوقع منه أن يتخذ موقفًا مشرفًا ويشكل حكومة من جميع الأطراف اللبنانية، أو حتى من خارج المنظومة الحزبية، بعيدا عن أي ضغوطات أو توجيه من أية جهة أجنبية. عليه أن يتذكر أن لبنان لا يحتاج إلى “وصاية” من أحد، بل يحتاج إلى حكومة تمثل مصالح شعبه، وتُعيد له كرامته المهدورة من قبل قوى إقليمية ودولية.

وفي الختام، فإن الشعب اللبناني يرفض أي تدخل من أي جهة كانت، ويصر على الحفاظ على سيادته وكرامته. علينا أن نُؤكد للمبعوثة الأميركية، ومن وراءها، أن لبنان ليس ساحة لتصفية الحسابات السياسية بين الدول، بل هو وطن يعيش فيه شعبه بحرية وكرامة، بعيدًا عن أي مشاريع توسعية أو إرهابية.

مكاريو٢١

شاهد أيضاً

هدية الدم: ترامب ونتنياهو يتبادلان تذكارًا قاتلًا في قلب السياسة الهمجية

في أحدث فصول الازدواجية في السياسة الإسرائيلية والأميركية، كشف مصدر من الوفد الإسرائيلي المرافق لبنيامين …