كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
بالأمس، نام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ملء جفونه. ما سمعه بعيداً عن الأضواء في غلاسكو ودفعه للعودة إلى بيروت محصّناً بأعصاب هادئة، على الرغم من الموقف السعودي ردّاً على كلام وزير الاعلام جورج قرداحي، عاد وردّده وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن على الملأ: لا لاستقالة الحكومة، حتى لو أعلنت المملكة السعودية “المواجهة” ضدّها، وحتى لو تخلى عنها “حزب الله”.
قال بلينكن بعد لقائه وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إنّ “رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، لديه خطة جيدة للدفع بلبنان إلى الأمام”، مشدداً على “أننا نعمل على توفير الوقود في لبنان، ونعمل مع الجيش هناك لضمان الاستقرار”.
حسمها الدبلوماسي الأول في العالم: حكومة ميقاتي باقية، مهما اشتدت المخاطر من حولها، وحتى لو بقيت مشلولة ومعدومة الاجتماعات. لكنها بالنتيحة، لن تسقط أمام الإحتجاج السعودي، ولا أمام مقاطعة وزراء الثنائي الشيعي وتهديداتهم، ولن يضطر رئيسها إلى العودة باكراً إلى نادي رؤساء الحكومات السابقين.
فعلاً، هي قمّة البراغماتية في السياسة الأميركية التي انقلبت على حالها رأساً على عقب، فتجاوزت وجود ممثلين لـ”حزب الله” الى طاولة ميقاتي، وتخلّت عن كلّ الضغوط التي كانت تمارسها إدارة دونالد ترامب، لتدافع عما تبقى من مصالح لها في بلد يقف على كفّ عفريت، بينه وبين الفوضى، بعض الأمتار، بعدما اقتنعت أنّ قسماً كبيراً من اللبنانيين، ليس على حال عداء معها، ولا يفترض بالتالي أن تتعامل معهم بمنطق الخصومة، لا بل عليها حماية مواقع نفوذها.
بعد أقل من أربع وعشرين ساعة من خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله الذي لم يوفّر فيه ميقاتي من رسائله، متوجّهاً إليه من دون أن يسميه بالسؤال: “من طالب وزير الاعلام أن يقدّم المصلحة الوطنية؛ فهل المصلحة الوطنية في استجابة في كل ما يطلبه الخارج؟”، في تعبير واضح عن رفض “الحزب” ممارسة الضغط على وزير الاعلام للاستقالة أو حتى المشاركة في أي جلسة يكون على جدول أعمالها بند إقالة قرداحي، ما يضع الحكومة برمّتها في مهب الريح، أو بالحدّ الأدنى يساهم في اضعافها… جاء الردّ الأميركي الواضح بتقديم الدعم لحكومة ميقاتي.
إذ يقول المطلعون على الموقف الأميركي، إنه يعلن التمايز بين السياسة الأميركية وتلك السعودية ازاء لبنان، ولو أنّ أصل الخلاف بين الدولتين أبعد من الملف اللبناني، لكنه بالنتيجة صار جزءاً من رقعة شطرنج المواجهة.
في الواقع، فإنّ وزير الخارجية الأميركي تحدث عن خطّة رئيس الحكومة، لكن الوقائع تؤكد أنّ هذه الخطة لا تزال مجرّد خربشات على ورق دون تنفيذها ونجاحها عقبات كثيرة، لعل أهمها اختلاف وجهات النظر بين المكونات الحكومية، حول كيفية توزيع الخسائر، التعامل مع القطاع المصرفي، الخصخصة، قطاع الكهرباء، النهوض الاقتصادي، التعافي النقدي… وكلها عناوين خلافية وبنود أساسية في الخطة، قد يصعب تحقيقها. ومع ذلك أشاد وزير الخارجية بالخطة، ليس من باب اقتناعه أو اعجابه بها وإنما لحماية الحكومة من السقوط.
ما يهم الأميركيين، في هذه اللحظة كما يقول المطلعون هو منع سقوط لبنان في الفوضى. أما غير ذلك، فلا يبدون الكثير من الاهتمام بالتفاصيل التي يمكن بنظرهم تأجيل البحث بها إلى مرحلة لاحقة. المهم راهناً هو الحؤول دون المزيد من الانهيارات ولهذا قرروا تسهيل وصول الغاز المصري والكهرباء الأردنية، لما لهذا القطاع من تأثير قوي على الاستقرار الاجتماعي.
أمّا بالنسبة للحكومة، فهي معلّقة على مشنقة المحقق العدلي طارق البيطار الذي لا يزال الثنائي الشيعي يرفض العودة إلى مجلس الوزراء قبل قبعه، بينما هو مستمر في القيام بأعباء مهمته كمحقق عدلي. أما مسألة استقالة قرداحي، فلا تزال غير قابلة “للتقريش” طالما أنّ لا ضمانات بتراجع السعودية عن ضغوطها، على ما أعلنه أمس من عين التينة بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري، حيث تنفي مصادر مواكبة أن يكون رئيس المجلس في صدد البحث أو النقاش في أي اخراج قد ينقذ الحكومة من عنق الضغط السعودي، خصوصاً وأنّ الفريق الداعم لوزير الاعلام مقتنع أنّ المسألة تتعدى هذا الجانب.
وعليه، ستبقى الحكومة في حالة جمود قسري فيما يعمل الوزراء كما يؤكد أحدهم وكأنّ الحكومة بكامل حيويتها الدستورية والسياسية، وبغطاء مباشر من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، على أن تحلّ الموافقات الاستثنائية، محلّ اجتماعات مجلس الوزراء، إلى أن يخلق الله ما لا يعلم اللبنانيون.