في خضم الأزمات والتحديات التي تواجه الأمة العربية، يبرز سؤال مفصلي قد يبدو وكأنه اختيار بين “أخف الضررين”: أيهما أخطر، المشروع الصهيوني أم المشروع الفارسي؟
المشروع الصهيوني: خطر وجودي مباشر
يهدف المشروع الصهيوني إلى فرض هيمنة سياسية وعسكرية مطلقة على المنطقة، تبدأ باحتلال فلسطين وتهجير شعبها، ولا تنتهي عند محاولات تطبيع العلاقات مع دول الجوار لتأمين شرعية هذا الاحتلال. إنه مشروع قائم على التوسع الجغرافي واستغلال الموارد، مع محو الهوية الوطنية الفلسطينية والتعدي على الحقوق التاريخية للشعوب العربية.
خطر هذا المشروع يتجاوز الأرض الفلسطينية ليشمل تفكيك التضامن العربي، عبر تحالفات مشروطة تهدف لتقسيم المنطقة واستنزاف مواردها لصالحه. ومن هنا، يُعد المشروع الصهيوني تهديدًا وجوديًا للأمة العربية والإسلامية، لأنه يسعى إلى اجتثاث حق تاريخي وثقافي متجذر.
المشروع الفارسي: نفوذ أيديولوجي وتدخل سياسي
في المقابل، يعتمد المشروع الفارسي على أدوات مختلفة، مثل استغلال الانقسامات الطائفية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، عبر دعم حركات وأحزاب تسعى لتحقيق أجنداته. هذا المشروع يهدف إلى خلق “نفوذ إقليمي” يضع إيران في موقع القوة المهيمنة على المنطقة، بما يتعارض مع مصالح الدول العربية وسيادتها.
ورغم أن هذا المشروع يشكل خطرًا على الاستقرار السياسي والهوية الوطنية لبعض الدول، فإنه يعتمد على أدوات أقل حدة مقارنة بالمشروع الصهيوني، ولا يحمل خطر الإلغاء الكامل لشعوب أو قضايا عربية كما يفعل الاحتلال الإسرائيلي.
اختيار النار الأقل اشتعالًا؟
إذا كان الخيار بين المشروعين أمرًا لا مفر منه، فقد يرى البعض أن المشروع الفارسي أخف وطأة من المشروع الصهيوني. فالمشروع الفارسي، رغم كل عيوبه وأخطاره، يمكن مواجهته داخليًا من خلال تعزيز الوحدة الوطنية ومعالجة الانقسامات الطائفية التي يستغلها. أما المشروع الصهيوني، فهو خطر وجودي لا يقتصر على احتلال الأرض، بل يمتد إلى اجتثاث القضية الفلسطينية وإعادة تشكيل خارطة المنطقة بما يخدم مصلحته فقط.
في معادلة الصراع، قد تبدو الخيارات معقدة، لكن الحقائق واضحة. المقاومة، رغم اعتمادها على الدعم الإيراني، تقف سدًا منيعًا أمام المشروع الصهيوني الذي يسعى لابتلاع الأرض وإبادة الشعوب. قد لا تكون المقاومة خيارًا مثاليًا بالنسبة للبعض، لكنها الخيار الذي أثبت فعاليته في التصدي للعدوان وحماية الحقوق.
إيران، رغم اختلاف التوجهات والأجندات، تدعم حق الشعب الفلسطيني وتسعى للحفاظ على الاستقرار النسبي، بينما يواصل الصهاينة مشروعهم التوسعي بلا هوادة. في نهاية المطاف، إذا أردنا إنقاذ أوطاننا والحفاظ على هويتنا وسيادتنا، فإن الخيار يجب أن يكون مع من يقاوم الاحتلال ويمنع تمدده، لا مع من يسعى لتدمير وجودنا.
مكاريو٢١ مارسيل راشد