ملف تفجيري جديد بين عون و”الحزب”

لم تكد الحكومة تبصر النور حتى انفجرت في وجهها أزمات جديدة تُضاف الى الأزمات المتفاقمة. هذه الحكومة التي وُلدت بعد مخاضٍ عسير، ليست فقط «خشبة خلاص» لمنع الغرق الكلّي للبنانيين فقط، وموضع اهتمام وتعويل من المجتمع الدولي لإجراء بعض الإصلاحات مدخلاً لدعم مالي جدّي ومباشر للدولة، إنّما هي أيضاً «حكومة الإنقاذ» لعهد الرئيس ميشال عون، علّها تُصلح بعض ما فسد في السنوات السابقة. فهي قد تكون الأخيرة في عهد عون، إذ إنّ الفترة الفاصلة بين الانتخابات النيابية إذا جرت، والاستحقاق الرئاسي لا يعدو أشهراً، وقد يتعذّر بعد فرز مجلس نيابي جديد والذي يليه دستورياً تأليف حكومة جديدة، التكليف ثمّ التأليف في غضون نحو 7 أشهر، علماً أنّ هذه الحكومة إذا أُلّفت حينها تُعتبر مستقيلةً عند انتخاب رئيس جديد.

من الملفات المتفجّرة والمفجّرة للعمل الحكومي، إصرار «الثنائي الشيعي» على «قبع» المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار، أُضيفت إليها أحداث الطيونة. وفي حين أنّ هناك اشتباكاً مباشراً بين حليفي «مار مخايل» حيال الملف التفجيري الأول، بحيث يرفض عون أي مقاربة للإعتراض على بيطار من خارج المؤسسة القضائية، يُطاول الملف التفجيري الثاني عون أيضاً. فعلى رغم أنّ تحقيقات وفيديوهات موثّقة أظهرت «دخول مسلّح» لعناصر من «حزب الله» وحركة «أمل» الى بعض المناطق، لا سيما منها عين الرمانة، وأعلن وزير الدفاع الوطني أنّ ما حصل ليس «كميناً»، وأنّ التظاهرة في اتجاه قصر العدل في بيروت شهدت انحرافاً الى بعض الشوارع الفرعية، يصرّ «الحزب» على أنّ ما حصل «كمين» من «القوات» وقراره الانتقام «قضائياً»، وإذا تعذّر ذلك، يعرف «كيف يأخذ حقه بيده»، ما أدّى الى التفاف مسيحي، عبّرت عنه جهات سياسية وشعبية حول جعجع و»القوات»، وبالتالي يضع عون في مأزق بين حليفه الشيعي والبيئة المسيحية، حيال أي موقف سيأخذه من مسار هذا الملف، الذي لا يُعرف بعد الى أي اتجاه سينحو وما هي «استكمالاته».

الى ذلك، يحطّ الوسيط الأميركي الجديد، في المفاوضات غير المباشرة بين لبنان واسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، آموس هوكشتاين، رحاله في بيروت، ويلتقي عون غداً الخميس، وفق موعد محدّد منذ أكثر من أسبوع. زيارة هوكشتاين يُؤمل أن تحمل جديداً لاستئناف المفاوضات التي سبق أن توقفت، بعد أن طالب لبنان بالتفاوض حول الخط 29 وليس الخط 23 المحدّد رسمياً، الأمر الذي رفضته اسرائيل فأوقفت المفاوضات. هذا في وقت لم يعدّل لبنان بعد مرسوم تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة جنوباً، في حين بدأت اسرائيل عمليات التنقيب أو التمهيد إليها في المنطقة المتنازع عليها.

هذا علماً أنّ هوكشتاين هو صاحب فكرة «تجاهل الخطوط، والذهاب الى التفاوض مباشرةً على الحقول المشتركة تحت البحر وتقاسم الأرباح، من خلال شركة تدير المنطقة المتنازع عليها». ويُذكر أنّ رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل كان اقترح في نيسان الماضي، «إدخال عامل إضافي الى رسم الحدود، هو عامل تقاسم الثروات، عبر طرف ثالث يكون شركة أو تحالف شركات عالمية، تقوم هي بالإنتاج وبتوزيع الحصص بين الاثنين، عبر اتفاقين منفصلين مع الشركة». وبالتوازي، لم يُحسم الوفد اللبناني العسكري المفاوض مع إحالة رئيس الوفد المفاوض العميد بسام ياسين الى التقاعد، في ظلّ تجاذب وعودة الحديث عن وفد مدني أو مختلط، الأمر الذي يرفضه «حزب الله»، ويعتبر أنّه «تطبيع». فهل يطرح الأميركيون استقدام شركة عالمية لترسيم الحدود، كحلّ وسط بين لبنان واسرائيل؟ وماذا سيكون موقف عون والحكومة؟ وهل يقبل «حزب الله»؟ وإذا عاد هوكشتاين وطرح تجاهل الترسيم والذهاب الى التفاوض مباشرةً لتقاسم الأرباح، ماذا سيكون موقف عون؟ علماً أنّ هذا الامر مرفوض ومحسوم لدى «الحزب»؟

عن هذه النقطة تحديداً، يقول قريبون من عون: «الرئيس واضح في كلامه، وهو مع المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود الجنوبية البحرية، إذاً ترسيم الحدود فقط ولن نتحدث بأي شيء آخر».

هذا كلّه يجري بعيداً من الهموم المعيشية و»مهمة الحكومة الإنقاذية»، علماً أنّ الأميركيين يفصلون بين مفاوضات الترسيم ودعم لبنان، أقلّه «فوق الطاولة». فلم يزر الوسيط الاميركي لبنان ضمن الوفد الذي رافق نائبة وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند، التي زارت لبنان الاسبوع الفائت والتقت المسؤولين.

ويؤكّد مطّلعون على لقاء عون ونولاند، أنّ المسؤولة الاميركية لم تتطرّق الى مفاوضات الترسيم، في حين أعربت عن الاهتمام بمباشرة التفاوض مع صندوق النقد، مؤكّدةً أنّ «هذه البداية وهذا أمر ضروري». وأبدت الاستعداد للمساعدة مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وشدّدت على الإصلاحات ومعالجة الفساد، معتبرةً أنّ هذه المرحلة مصيرية للبنان، وتحدثت عن ضرورة إجراء تحقيق شفاف في جريمة المرفأ. كذلك لمّحت المسؤولة الاميركية الى استثناء لبنان من عقوبات قانون «قيصر»، في حال جرى استجرار الغاز والكهرباء عبر سوريا، وأكّدت أنّ أي أمر يساعد لبنان في اجتياز المرحلة الصعبة التي يمرّ فيها ستساعد فيه واشنطن. وكرّرت أكثر من مرّة خلال اللقاء، عبارة: «اطمئنوا لن تكونوا وحدكم وسنواصل تقديم الدعم لكم». في المقابل أشارت الى موقف بلادها الثابت من الإرهاب و»حزب الله».

هذه الرغبة الأميركية في دعم لبنان، تسري على المجتمع الدولي بكامله، وبالشروط نفسها. وتفيد معلومات ديبلوماسية، أنّ هناك رصداً لأموال أكثر من تلك التي يُحكى عنها في حال التزم لبنان الإصلاحات المطلوبة، لكن الأمر مرهون بـ»الهمّة اللبنانية»، والتي ما زالت حتى الآن بطيئة جداً. فهل يتمكّن لبنان من فصل الملفات المتفجٍّرة، من التحقيق في جريمة المرفأ الى أحداث الطيونة وصولاً الى مفاوضات الترسيم، عن مسار «الإصلاح ثمّ الدعم»؟ أم أنّ «حزب الله» إذا لم ينل مراده من الملفات السابقة سيُعرقل ويمنع أي برنامج مع صندوق النقد، وبالتالي سيُغلق مدخل الدعم؟ وكيف سيواجه عون كلّ هذه الملفات؟ هل بإمكانه تطويقها أم أنّها ستُطيح ما تبقّى من عهده؟

المصدر : الجمهورية

شاهد أيضاً

هكذا يُفشل اللبنانيون محاولات “إسرائيل بالعربية” زرع الفتنة بينهم

سعت إسرائيل مؤخرا، عبر حملات منظمة، إلى إشعال نار الفتنة المذهبية في لبنان وخاصة بين …