كتب عبد الله عبد الصمد في “نداء الوطن”:
على مشارف سهرة رأس السنة، وقبل الأسبوع الأخير من السنة، نشط التنافس وتسابقت الـ«سوبرماركت» والـ«ميني» والدكاكين على تقديم العروض والإغراءات الشرائية، غالباً ما تدفع حال الطفر إلى سوء الاختيار. فيشتري المستهلك الأرخص، من دون أن يدري إمكان أن يكون مشروبه مضروباً! أما ما يوجد خلف البارات فهو غير مضمون وغير مكفول والتنبّه واجب.
يؤكد مازن، صاحب متجر كبير متخصص ببيع المشروبات الروحيّة ولوازم التدخين في إحدى بلدات جبل لبنان، صحة الأخبار المتداولة عن وجود كميات من المشروبات الكحوليّة «المضروبة» في الأسواق، وهي تتنوّع بين الويسكي، والفودكا، والعرق والكونياك وربما غيرها. وهي على ثلاثة أنواع، الأول، نوعٌ رخيص الثمن معبأ في زجاجة من نوع فاخر. الثاني، مزيج غير آمن معبأ في زجاجة مقلّدة تشبه الأصليّة. أما الثالث، فهو مزيج لا يستوفي الشروط الصحيّة معبأ في زجاجات خاصة تحمل اسماً جديداً لنوع غير مرخّص وغير معروف، يسوّقه المجرمون على أنه مهرّب من أحد البلدان الأجنبيّة.
يتابع القول إن لكل نوع مكانه وطرائقه في التوزيع. فبينما يغزو النوع الأول بعض الملاهي والنوادي الليلية، يوزَّع النوعان الآخران على محلات التجزئة بطرق مختلفة.
تكتيكات
العبوات المزوّرة التي تحمل ماركة معروفة لا تُباع للمحلات بالمفرّق، إنما تُوضَّب في الصناديق الأصلية بنسب متفاوتة، فإذا ضم الصندوق الأصلي عبوتين مزوّرتين ينقص سعره 8 دولارات، على سبيل المثال، وإذا «لُغّم» أكثر بعبوات مزوّرة ينقص أكثر. يرتبط انخفاض السعر بالنوع بعدد الزجاجات المغشوشة في كل صندوق (الصندوق عبارة عن 12 قنينة).
أما النوع الثالث، الموزع بأسماء غير مرخصة، فغالباً ما يحضره تجار المنتجات التبغيّة المهرّبة للتعمية عن المصدر. هذه الأنواع لا تُعرض عادة على الواجهات، بل يصطادون بها زبائن محدّدين.
إنتبه قبل أن تقول cheers
يخبرنا كريس، الذي يشغل وظيفة Bartender في إحدى الحانات، في العاصمة بيروت، والحائز على شهادة من «الفندقيّة»، كيف نفرّق بين زجاجة المشروب الصحيح والزجاجة المغشوشة، فيقول: أولاً، علينا التأكد من أن مستوى المشروب متساوٍ في جميع الزجاجات المتلاصقة على الرفّ من النوع ذاته، وأن الملصقات مستقيمة في مكان موحّد، مدوّن على إحداها عنوان المصنع ورمز المنتج. ثم ننتقل لتفحصّ الغطاء، حيث يجب أن يكون مثبّتاً بإحكام، وتحته القطّارة (إذا وُجدت) خالية من أي ثقب. ليأتي بعد ذلك الاختبار النهائي، وهو الرائحة، يجب ألا تخالطها روائح قوية أو غريبة، كرائحة مزيل الطلاء على سبيل المثال.
وللتأكّد أكثر، يمكننا حرق كمية قليلة في وعاء لا يتأثر بالنار، فإذا كان لون اللهب أصفر يميل الى البرتقالي فهو صحيح لأنه ينتج عن احتراق الإيثانول. أما إذا كان اللهب أزرق، فإنه يحتوي على الميثانول السام.
تقول الدكتورة الصيدلانية آنا ماريا حنينة لـ»نداء الوطن»، إن التركيبة الكيميائية للميثانول CH3OH هي تركيبة سامة، تؤدي الى عوارض خطيرة، ربما تصل الى الموت عند تناول كمية معيّنة (قد تتراوح من 20 الى 30 ملل من الميثانول النقي).
أما الإيثانول C2H6O، فمصرّح باستخدامه بكميات معتدلة. يدخل في صناعة المشروبات الكحوليّة، أو ينتج عن تصنيعها، وهو مكوّن رئيسي لبعض المعقّمات.
يتشارك الإثنان في اللون وفي العناصر الكيميائية التي يتشكلان منها: الكاربون، الأوكسيجين، والهيدروجين. لكنهما يختلفان اختلافاً كلياً من حيث التركيب. أضف أن درجة إشباع الميثانول أكبر من الإيثانول، وهي تُعزّز السميّة فيه، وكلما ارتفعت درجة الإشباع ارتفع خطر التسمم.
الصداع ليس أسوأ العوارض
المجرمون لا يأبهون للعوارض الصحية التي تصيب المستهلك، لذلك تعدّ «المشروبات المقلّدة خطرة جداً، لأنها غالباً ما تصنّع باستخدام مواد كيماويّة سامة، كطلاء الأظافر ومضاد التجمّد ومتجرّد الطلاء»، هذا ما نشره الأنتربول على موقعه الرسميّ www.interpol.int (تاريخ النشر غير مذكور) يحذّر فيه من المشروبات الكحولية المقلّدة.
ليضيف لنا «كريس»، أنها قد تحتوي، بالإضافة الى ما ذُكر، على نسب عالية من الميثانول، الذي يستخدمه المزورون بديلاً عن الإيثانول الأعلى تكلفة، غير آبهين بنتائجه المميتة. فالميثانول يتحوّل في الجسم الى حمض الفورميك CH2O2 أوHCOOH ويتسبّب بتليّف الكبد وتضرّر الكلي، وقد يؤدي التسمّم الشديد بهذا المركّب الخطِر الى إتلاف الجهاز العصبي والعمى، وصولاً الى الموت.
تقول الدكتورة حنينة، إن عوارض التسمّم بالمشروبات الكحولية تتشابه بين الصحيح والمغشوش الى حدّ كبير، لكن الفرق بالكميّة التي يتلقاها المستهلك، فشرب كميّة قليلة من المشروب الذي يحتوي على الميثانول، يعادل شرب كميّة كبيرة جداً من المشروب الذي يحتوي على الإيثانول. كما تختلف نسبة التأثر بين شخص وآخر نظراً لعدة عوامل، أهمها: الاعتياد على المشروبات الروحية (مدمن أو غير مدمن)، الحالة الصحيّة، ونوع المأكولات المرافقة. مع التأكيد على أن الميثانول مركّب كيميائي سام لا يجب شربه على الإطلاق وعوارضه أسرع وأقوى.
كما تحذّر من تناول مشروبات كحولية مصنوعة في المنزل قبل التحقّق من نسبة الكحول فيها من خلال استخدام جهاز Alcometer، والتأكد من أنها لا تحتوي على مادة الميثانول التي قد تنتج عن التقطير بالطرق التقليديّة.
أما أبرز العوارض التي تظهر نتيجة التسمم بالمشروبات الكحوليّة، هي: الصداع الشديد، التقيؤ، الإسهال، الإعياء، صعوبة التنفّس، انخفاض درجة حرارة الجسم، التعرّق، الرؤية غير الواضحة، شحوب لون الوجه، تشنجات، إغماء. وقد تؤدي إذا اشتدت الى الوفاة.
ففي تقرير نشرته منظمة الصحة العالمية على موقها الرسمي emro.who.int ( من دون تدوين تاريخ النشر) أن «3.3 ملايين وفاة كلّ عام- على مستوى العالم- تنجم عن تعاطي الكحول على نحو ضارّ». لتتكرر أخبار التسمّم الجماعي بالكحول المغشوش على وسائل الإعلام، حيث كان آخرها في شهر حزيران 2023 في روسيا، حين قضى أكثر من 30 شخصاً، وتسمم ما يزيد عن الستين، وقبلهم لقي 27 شخصاً في ولاية بيهار شرق الهند حتفهم في نيسان 2023. وغيرهما من الحوادث المتكرّرة والعديدة التي لا يتسع المجال لذكرها، وجميع الضحايا قضوا بتسمم جماعي من كحول مغشوش.
ومنذ سنة بالتمام والكمال، في كانون الأول الماضي، أنقذت القوى الأمنيّة اللبنانيّة المستهلكين بضبطها كمية كبيرة من الكحول المغشوش في قضاء المتن، وأوقفت عدداً من المتورطين.
في حالات السِّكر الخفيف، تنصح الدكتورة حنينة بتناول الفيتامين B وبشكل خاص الفيتامين B1 المعروف بالثيامين Thiamine. أما إذا كانت العوارض متوسطة، فيجب الاتصال بطبيب والعمل بتوجيهاته. أما إذا تشابهت مع ما ذُكر أعلاه من عوارض، فيجب الإسراع الى أقرب مستشفى لتلقي العلاج اللازم، بحسب ما قالته الدكتورة آن ماري حنيني.
الأمن الغذائي مسؤولية الجميع
يختم مازن بالقول، إن المشروبات الكحولية المغشوشة ليست جديدة على الأسواق اللبنانيّة، لكن بيعها زاد بنسب كبيرة بعد استفحال الأزمة الاقتصاديّة. ثم أنها تنتشر أكثر في فترات الأعياد بسبب زيادة الطلب عليها بشكل عام. عادة ما تكون متعدّدة المصادر والموردين، لكنّ الشركات المعروفة وتجار الجملة الموثوقين لا يدخلونها الى مخازنهم. وبالتالي، تاجر التجزئة الذي يرضى بالربح المتعارف عليه يمكنه أن يتفاداها، وسرعان ما يكتشفها بمجرد انخفاض سعرها المعروض.
وينصح نقيب أصحاب السوبرماركت في لبنان، نائب رئيس غرفة التجارة والصناعة في بيروت وجبل لبنان نبيل فهد عبر «نداء الوطن»، تجار التجزئة باعتماد ثلاث خطوات أساسيّة لتفادي الوقوع في فخّ المشروبات المغشوشة. أولاً، التعامل مع الشركات أو المؤسسات التي تستوفي جميع الشروط القانونية، أو مع الوكلاء المعتمدين إذا كانت الأصناف مستوردة. ثانياً، الشراء من مصانع مرخصة وفق الأصول المفروضة، وحاصلة على شهادات من مختبرات رسميّة تؤكد سلامة منتجاتها. وأخيراً، المراقبة الدائمة لجودة المشتريات.
يمرّ الترخيص للشركات اللبنانية المنتجة للمشروبات الكحولية بعدّة مراحل، تجعلها مستوفية لشروط السلامة الغذائية. فالترخيص الأولي يعود لوزارة الصناعة، بعد ذلك، تخضع منتجاتها لاختبارات الملاءمة الصحيّة والسلامة الغذائية. وغالباً ما تشترك عدة وزارات للترخيص لشركة واحدة. لذلك نجد المنتجات الكحولية اللبنانية المرخصة مطابقة للمواصفات الصحيّة العالميّة، وتتمتّع بجودة عالية.
في العام 2019 طوّر علماء من جامعة غلايسكو في بريطانيا آلة فحص أسموها «لساناً»، وهو قادر على تمييز الكحول المغشوش من الصحيح بدقّة تصل الى أكثر من 99 في المئة. لكن الى أن يصبح هذا الاختراع متاحاً في لبنان، ما على المستهلك إلا الاقتداء بنصائح الخبراء، وإبلاغ السلطات المعنيّة عن أي محل تجزئة يبيع أصنافاً مقلّدة.